إيكونوميست: سعيد يستخدم نفس أساليب الديكتاتوريين التي انتقدها لتبرير استيلائه على السلطة
عربي تريند_ علقت مجلة “إيكونوميست” على استفتاء الرئيس التونسي قيس سعيد على دستور تونس الجديد، قائلة إنه سيحصل على ما يريد في الاستفتاء المقرر يوم 25 تموز/ يوليو، لكنه لن يحل الكثير من المشاكل التي تواجه رئاسته.
وقالت تحت عنوان “الرئيس التونسي يدفع بدستور مشؤوم”: “في حياته السابقة، ربما رسب نفسه في الامتحان على عمل رديء كهذا، ففي مرة، كان أستاذا للقانون الدستوري وبسمعة الأستاذ الدقيق في عمله، وقد أصبح الآن رئيسا لتونس”. ومنح سعيد نفسه هذا العام وظيفة كبيرة: كتابة مسودة دستور.
سيحول الميثاق الجديد، تونس من النظام البرلماني إلى الرئاسي، بعد 12 عاما من الثورة التي أطاح فيها التونسيون بالديكتاتورية
ومثل بقية المشاريع الجماعية، فقد بدأ متأخرا بحيث لم يترك لمؤلفي الدستور سوى شهر لإعادة تعديل الدستور القائم. وأصدر النسخة قبل ساعات من الموعد الذي حدده لنفسه، ليعترف بعد أسبوع بوجود أخطاء فيه. وفي 25 تموز/ يوليو، سيقوم التونسيون بالحكم على “مخلوقه” في استفتاء، وتم تحديد الاقتراع أثناء عطلة طويلة وسط صيف قائظ، وهي ليست فترة يرغب فيها السكان بالاصطفاف في الطوابير لكي يدلوا بأصواتهم. وسيحول الميثاق الجديد، تونس من النظام البرلماني إلى الرئاسي، بعد 12 عاما من الثورة التي أطاح فيها التونسيون بالديكتاتورية، ونسبة صغيرة من السكان، ستقرر فيما إن كانت ستوافق على الدستور الجديد.
ويتزامن الاستفتاء مع مرور عام قام فيه سعيد بتعليق البرلمان الذي حلّه لاحقا، وعزل رئيس الوزراء، وألغى معظم بنود الدستور. ومنذ ذلك الوقت، حمل المطرقة لضرب مؤسسات تونس الديمقراطية، حيث سيطر على هيئة الانتخابات، وعزل القضاة، ويحكم البلاد عبر المراسيم. ورغم تعيينه رئيسة للوزراء، إلا أن سلطاتها محدودة. ولن يكون دستوره الجديد إلا بمثابة إضفاء صفة الرسمية على عملية الاستيلاء على السلطة، فهو يسمح للرئيس، لا رئيس الوزراء، لتعيين وعزل الوزراء والإعلان عن حالة دائمة للطوارئ. وسيفقد النواب السلطة لمحاكمة الرئيس أمام البرلمان، إلى جانب فقدانهم بعضا من حصانتهم. وسيكونون عرضة للمحاكمة بتهم القذف والتشهير.
ويحتوي الدستور الجديد على بند حول الدين والدولة، ويعطي سعيد دورا كوسيط لمشيئة الله. ويرى الأكاديمي التونسي محمد ضيا الهمامي “إنه تركيز بدون ضبط للسلطة في يد الرئيس”.
وتضيف المجلة أن الدستور الحالي والذي تم تمريره في عام 2014، أعد على مدى عامين، ومرّ عبر مسودات عدة. وقام النواب المنتخبون بجولات في أنحاء البلاد لمناقشة الدستور ومشاركة المجتمع المدني، ولم تكن العملية تامة، لكنها منحت التونسيين رأيا في النسخة التي تم الاستفتاء عليها. وفي هذه المرة، لا يعرف أحد بالتأكيد من كتب النص. وطلب سعيد مشاركة عامة من خلال استبيان على الإنترنت، لم تهتم سوى 4% من سكان تونس بملئه. وعيّن الرئيس في 20 أيار/ مايو، لجنة لإعداد مسودة الدستور ومنحها شهرا.
شجب صادق بلعيد النسخةَ النهائية من الدستور. وقال إن نسخة سعيد تختلف عن تلك التي قدمتها اللجنة إليه، ووصفها بـ”الخطيرة”
وشجب صادق بلعيد الذي ترأس اللجنة، النسخةَ النهائية من الدستور. وقال إن نسخة سعيد تختلف عن تلك التي قدمتها اللجنة إليه، ووصفها بـ”الخطيرة”. ويبدو أن المستشارين أو الرئيس نفسه هم من قاموا بتغيير المسودة في اللحظة الأخيرة بطريقة غير متقنة. ومن بين الأخطاء التي اعترف الرئيس بها في 18 تموز/ يوليو، أن الدستور لم يحدد طريقة انتخاب البرلمان مباشرة أم كما يرغب الرئيس بطريقة غير مباشرة من خلال المجالس المحلية.
ولم يكن لدى المقترعين في تونس سوى أربعة أسابيع قبل الاستفتاء. والمزاج العام السابق كان مكبوتا، فليس لدى سعيد حزب سياسي، ولم يقم بحملات لدعم الدستور. ولم يفعل معارضوه الكثير لكي يطلبوا من الناخبين التصويت بلا. وبدلا من ذلك، دعت معظم الأحزاب بما فيها حزب النهضة الذي كانت له حصة كبيرة في البرلمان المعطل، المواطنين التونسيين لمقاطعة الاستفتاء.
ولا يحتاج التونسيون للتشجيع كي يظلوا في بيوتهم، فمشاركتهم في الانتخابات تتراجع منذ الثورة، فمن 68% في انتخابات عام 2014 إلى 43% في انتخابات عام 2019. ووجد استطلاع في أيار/ مايو، أن نسبة 13% من المواطنين يخططون للمشاركة في الاستفتاء. ولكن لا توجد نسبة محددة للمشاركة حتى يتم تمرير الميثاق الجديد. ولكن مشاركة متفرقة ستكون ضربة لسعيد الذي تراجعت شعبيته من 82% في الصيف الماضي إلى 59% في نيسان/ أبريل. وفي حالة مرر الدستور، فقد يقوم بتغيير القانون الانتخابي ويلغي الكتل الحزبية، مفضلا المرشحين الأفراد بشكل يعطل عمل المعارضة.
المفارقة أن سعيد قبل وصوله إلى السلطة، وصف الاستفتاءات بأنها أداة بيد الديكتاتوريين العرب لمنح مظهر بوجود حكومة ممثلة، ولكنه يستخدمها بحماس لهذا الغرض
كل هذا لن يساعد على حل مشاكل تونس العاجلة: الاقتصاد والبطالة التي وصلت إلى 16%، والتضخم بنسبة 8.1%. وقال المصرف المركزي في أيار/ مايو، أن العجز في الميزانية سيصل إلى 9.7% هذا العام، بدلا من 6.7% المتوقعة، وهذا بسبب الدعم المكلف للطعام والوقود.
ولم تتعاف السياحة بعد من تداعيات جائحة كوفيد. وتأمل الحكومة بالحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لكن الاتحاد التونسي العام للشغل يعارض خفض الرواتب التي تأتي مع القرض. واستعرض الاتحاد عضلاته في شهر حزيران/ يونيو، عندما أضرب لمدة يوم واحد، حيث أُغلقت مؤسسات الدولة وشركاتها ووسائل النقل.
وليس لدى الرئيس الكثير لكي يقوله حول هذه الموضوعات، حيث فوّضها لوزرائه، مكرسا كل وقته لملاحقة أهدافه السياسية المجردة. والمفارقة أن سعيد قبل وصوله إلى السلطة، وصف الاستفتاءات بأنها أداة بيد الديكتاتوريين العرب لمنح مظهر بوجود حكومة ممثلة، ولكنه يستخدمها بحماس لهذا الغرض: منح مظهر من الديمقراطية في وقت يمزق نظاما ديمقراطيا بع بعض العيوب، ولكنه حقيقي.