المغرب العربي

حرب إعلامية ثالثة بين الغرب والغرب والشرق والغرب

عربي تريند_ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة! وأي معركة؟ هي ليست في الشرق الأوسط – ميدان الحروب الإسرائيلية – بل في أوروبا مهد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد نصل الى الثالثة.
المثير في الأمر أن الحرب العالمية الأولى قادت العالم لخلق مفاهيم وسائل إعلام عصرية، بدأت بالراديو والصحف الورقية، قليلة الصفحات لتتطور إلى إذاعات محلية وبداية التلفزيونات في العديد من دول الغرب، حيث بدأ البث بالأبيض والأسود ودراما الحروب، التي تسيدتها أمريكا الجديدة عبر بدايات هوليوود حينها.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فبعد أن عاش الإعلام أزهى عصوره في فترات الرفاه، التي سادت العالم بعد الحربين، وما أفرزته من مجلات وصحف ملونة وتلفزيونات أرضية، ثم فضائية، وصولا الى ثورة الإنترنت، وبعدها عالم التواصل الإعلامي المتشظي، نشهد الآن ما يشبه الثورة الإعلامية العالمية الثالثة.
ففي الموازة مع المواجهات العسكرية الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، تدور حرب إعلامية عالمية بين روسيا والقوى الغربية الداعمة لكييف على صعد مختلفة، لم تنج منها المؤسسات الأكاديمية والتعليمية وتعبئة الرأي العام، لا سيما من خلال التسهيلات للحملات الشعبية الداعمة للجيش والشعب الأوكرانيين واستقبال اللاجئين.

 إعلام روسيا بعد الحرب

نعم، العالم على مفترق طرق إعلامي، فالصين اخترعت «التوك توك» الذي يغزو عالم الشباب والصغار في دول العالم، بعد أن اكتسح «تويتر» الأمريكي عالم السياسة، وتخطط روسيا لإحياء تطبيق ICQ الذي كان أحد تطبيقات المراسلة والتواصل الاجتماعي في البلاد مع الحرب الإعلامية الغربية ضدها وحظر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد.
كما قررت إطلاق بديل لـ»أنستغرام» الأمريكي، الذي تملكه شركة ميتا (فيسبوك سابقا)، تحت مسمى «روسغرام» في الثامن والعشرين من هذا الشهر، مستهدفة بذلك 80 مليون مستخدم.
وفي الثاني من الشهر الجاري أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً حظر بموجبه قناة «روسيا اليوم» و»سبوتنيك» الروسيتين ومنعهما من البث في دول الإتحاد وأغلق مكاتب القناتين بحجة نشرهما معلومات مضللة، وهو ما يخالف الأعراف والقوانين الأوروبية التي تضمن حرية التعبير. لم تكتف الدول الغربية بذلك، بل تم حجب موقعي القناتين على الإنترنت ولم يعد بمقدور المواطن الأوروبي معرفة ما يجري في أوكرانيا من منظور الجانب الروسي. ووصل الأمر مؤخرا بأوروبا إلى الطلب من غوغل حجب اسمي الوسيلتين الإعلاميتين تماما، بحيث لا تظهران حتى لدى البحث في محرك البحث غوغل. كما أكدت كل من منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتيك توك أنها لن تسمح لوسائل الإعلام الروسية الرسمية بنشر موادها أو منشوراتها على صفحاتها في القارة الأوروبية بطلب من الاتحاد الأوروبي. وطالب الاتحاد الأوروبي هذه المؤسسات بمنع منشورات ومواد من يعمل لصالح «روسيا اليوم» و»سبوتنيك» ويروج لهما أو يعيد نشر موادهما من الظهور في كل منصات وسائل التواصل الإجتماعي. في ظل هذه الظروف بات المواطن الأوروبي يسمع ويشاهد ويقرأ ما تقوله وسائل إعلام هذه الدول فقط، ويطلع على مواقف الحكومات الغربية من الأزمة الأوكرانية، بينما تغيب تماما الرواية الأخرى عن وسائل الإعلام الغربية، وهو ما لم يعهده المواطن الأوروبي من قبل وهذا سلوك يوازي في مضمونه الانظمة المستبدة في العالم الثالث، حيث تحجب المواقع التي تختلف وسياساتها كليا. أما في روسيا الأشبه بالأنظمة القمعية فلم تعد هناك وسائل إعلام يمكن أن تصنف في خانة الإعلام المستقل أو المحايد أبدا، بل تم إغلاقها بقرار من السلطات أو قررت التوقف عن العمل من تلقاء نفسها، بعد أن شعرت أنها لم تعد قادرة على العمل بحرية في ظل الرقابة والقيود الحكومية الشديدة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن المواطن الروسي قد يواجه السجن لمدة 15 سنة فقط لنشره مادة أو منشوراً يخالف الرواية الرسمية لما يجري.
فمن يصف ما يجري في أوكرانيا بأنها «حرب» بدلا من وصف «العملية الخاصة» يواجه خطر السجن لمدة 15 عاما. ويصف بعض المراقبين أجواء الرقابة على الإعلام في روسيا هذه الأيام بأنها تتجاوز التي كانت سائدة خلال المرحلة السوفيتية وأنها أشبه بأجواء المرحلة الستالينية. وقد انتقلت من مرحلة التهديد بإغلاق وسائل الإعلام إلى الملاحقة الجنائية للصحافيين أو المواطنين الذين ينشرون معلومات عن الاشتباكات العسكرية. ومنعت السلطات الروسية وسائل الإعلام من استخدام كلمات مثل «الحرب» و»الغزو». وفي الإعلام الغربي، الذي يضفي صفة الإنسانية على التغطية، ينحرف المراسلون نحو العنصرية ضدّ شعوب أخرى كالعراق وسوريا واليمن وأفغانستان، من الذين اضطروا للجوء بسبب آلات القتل في بلدانهم. ومنها أيضاً، نشر صور ومقاطع فيديو تُظهر آثار القصف الروسي على مدن أوكرانيا، بينها العاصمة كييف، تُظهر بوضوح الضحايا، إن كانوا قتلى، أو لاجئين يحاولون الفرار. هكذا، بدت «الموضوعية» الإعلامية الغربية معياراً فضفاضاً يمكن تطويعه كي يلائم ضحايا معينين.  وفي مقال له في «واشنطن بوست»  كتب الصحافي يوجين روبنسن عن التغطية «الحميمة والصريحة والدموية للغاية» خلال الاجتياح الروسي لأوكرانيا، متسائلاً إن كان ذلك يعود «إلى الإمكانات التي منحتنا إياها الثورة التقنية؛ كالبث المباشر وتقنيات التصوير والتوثيق، أم أن هناك أشياء أخرى تتصل بالانتماءات والتحيزات لوسائل الإعلام في تغطيتها الخبرية؟». وأعطى روبنسون أمثلةً من سوريا واليمن، مشيراً إلى أنّ «الحرب في اليمن تدخل الآن عامها الثامن، وقد كانت وحشية في كل شيء. كما أن الحرب في سوريا هي أكثر دموية، واستُخدمت فيها أسلحة كيميائية. ولكن في كل مراحل هذه الحروب وغيرها من الصراعات، لم تعرض للمشاهد الغربي مثل هذه الصور الأولية والفورية للضحايا» مستشهداً بما فعلته «نيويورك تايمز». وأضاف الكاتب إنّ «الأمر ليس أن الصحافيين لم يروا أو يوثقوا مثل هذه الفظائع في الحروب الأخرى، فقد صدم العالم بصور أطفال يتضورون جوعاً في اليمن، أو صورة الطفل السوري الذي جرفته مياه البحر الى الشواطئ التركية؛ لكن المؤسسات الإخبارية كانت تقليدياً تتعامل بحساسية عالية بشأن نشر صور أشخاص قُتلوا في النزاعات. وقارن الضحايا الأوكرانيين بالعراقيين، مشيراً إلى أنّ المدنيين الذين قُتلوا وهُجّروا بسبب غزو العراق عام 2003 عانوا بدرجة لا تقل عن معاناة الأوكرانيين. لكن الحقيقة هي أن المشاهد أو القارئ الغربي نادراً ما تعرّف عن كثب على الضحايا، و»الذين في الحالة العراقية لم يكونوا أوروبيين ولا بيضاً ولا مسيحيين» خاصة «عندما تكون القوات الأمريكية هي التي تطلق صواريخ كروز وقذائف المدفعية» عليهم!

المعجزة الصينية

 الصين بدورها خلقت عالم إنترنت خاص بها وباتت تمتلك اليوم شركات الإنترنت الوحيدة في العالم التي يمكن مقارنتها بمثيلاتها الأمريكية، وفضلاً عن ذلك فإنها تسبق الولايات المتحدة بسنوات في بعض وسائل التعبئة الإعلامية. وحققت كل هذا التقدم التكنولوجي في مجال «الويب» على الرغم من حجب موقعي «فيسبوك» و«غوغل» ونظام الرقابة الإلكترونية الصارم وضوابط جمع البيانات وتخزينها ومشاركتها. وفي استعراض للتطبيقات التي استغنت بها الصين عن المنصات الإلكترونية العالمية، ذكرت الصحيفة أن تطبيق «We Chat» التابع لشركة «تينسينت» الصينية، أصبح منصة اجتماعية يُمكن من خلالها التحدث مع الأصدقاء ولعب الألعاب الإلكترونية ودفع الفواتير وحجز تذاكر القطارات وغيرها، لينافس بذلك التطبيقات التي اخترعتها شركتا «فيسبوك» و«آبل» الأمريكيتان واللتان تتمتعان بمزايا عديدة. كوريا الشمالية وماليزيا وإندونيسيا وغيرها بات لديها اعلمها الخاص المعتمد على التكنولوجيا المحلية، وهذا بدوره ينمي صعود القوميات الذي عانى منه العالم وقاد لحروب كبيرة.
ووسائل الإعلام ما قبل هذه الحرب كنا نتوقع منها أن يمتد تعاطفها بالدرجة نفسها، إلى ضحايا الحرب في كل مكان، لأنهم بشر كالشعب الأوكراني الجريح تماما!».
حتى على مستوى الإعلام الإقليمي وليس الغربي هناك اصطفافات مصلحية بحتة تخرج من مدار الإعلام التقليدي إلى إعلام عالمي آخر ينذر بجديد مختلف يتشكل على مستوى المعمورة.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى