منوعات

أخطاء لغوية تسرق الأضواء من 25 مليون دولار!

أثار المنشور الذي ألقته قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فوق مدينة الرمادي العراقية، الأربعاء، والذي أعلن فيه عن مكافأة مقدارها 25 مليون دولار أميركي، لمن يبلغ عن مكان اختباء قائد تنظيم “داعش” أبي بكر البغدادي، الكثير من التعليقات التي انتقدت كمية الأخطاء اللغوية الواردة فيه.

ولفت في تركيز اهتمام ناشطين ومعلقين، على الأخطاء النحوية والإملائية، تجاهله قيمة المكافأة الممنوحة لقاء الإبلاغ عن مكان البغدادي، والبالغة 25 مليون دولار.

وتوقف عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عند بعض الأخطاء النحوية والإملائية التي وردت في نص المنشور، مثل “قائد داعش ومقاتليه” والصحيح “ومقاتلوه” أو “مختبئ بأمان، بعيد..” والصحيح “بعيداً”، أو عند بعض الأخطاء الإملائية، كإغفال همزة المد من “الآن”، أو همزة القطع من “أو” وغيرها من أخطاء واضحة للعيان.

بعض وسائل الإعلام العراقية، نشرت نص الإعلان عن المكافأة، إنما مصححاً، دون الإشارة إلى ما ورد فيه من أخطاء لغوية، وذلك حرصاً منها على منح جوهر المنشور أفضلية، في مقابل وسائل إعلام أخرى، ركّزت على جانب الخطأ اللغوي.

والخطأ في العربية، قديم، ويسمى “اللحن” والأخير تطور وصار يشمل كل أخطاء اللغة في النحو والصرف وغيرهما. وهو ليس ابن العصر الحديث بل يعود إلى قرون خلت.

ويسري اعتقاد خاطئ عند الكثير، بأن اللحن ظاهرة حديثة، تسبب بها الاختلاط والتطور الحضاري، فيما اللحن قديم قدم العربية ذاتها، بالإضافة إلى أن بعضا مما يسمى لحناً، قد يكون لغة، أو مذهباً فيها.

ووضع في العربية عشرات المصنفات تحت مسمى “اللحن” كدليل على شيوع وأهمية وقدم هذه الظاهرة التي كان يتعامل معها بعض اللغويين كما لو أنها ذَنْب، فيقول إذا أخطأ: “أستغفر الله”.

ما هو “اللحن”؟
ويقصد باللحن الخطأ في الإعراب ومخالفة الفصحى. ويقول الدكتور المحقق والعلامة المصري رمضان عبد التواب في كتابه “لحن العامة” إن “أقدم نص وردت فيه كلمة اللحن بمعنى الخطأ في الكلام، ينسب إلى عبد الملك بن مروان، أحد خلفاء الدولة الأموية، فقد روي عنه أنه قال: الإعراب جمالٌ للوضيع، واللحن هجنة على الشريف”.

ويقول ابن دريد، محمد بن الحسن الأزدي (223-321) للهجرة، في كتابه (الملاحن): “أمّا اللحن في العربية فهو راجع إلى هذا، لأنك إذا قلت ضرب عبد الله زيد، لم يُدرَ أيهما الضارب ولا المضروب، فكأنك عدلته عن جهته. فسمّي اللحن لحناً لأنه يخرج على نحوَين وتحته معنيان، وسمي الإعراب نحواً لأن الأصل في النحو قصدك الشيء).

واللحن في اللغة، لم يكن ظاهرة محدودة، على ما يبدو، بل ضربت طيفاً واسعاً من المتكلّمين بالعربية، وهو الأمر الذي يمكن أن يفهم من قول الأصمعي، عبد الملك بن قريب المتوفى سنة 216 للهجرة: “أربعةٌ لم يلحنوا في جدّ ولا هزل: الشعبي وعبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف وابن القرِية والحجاج أفصحهم”. حسب ما نقله الشيخ محمد الطنطاوي في كتابه (نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة).

ومن الكتب التي وضعت في اللحن، كتاب الكسائي، علي بن حمزة (119-189) للهجرة، في مصنفه الشهير (ما تلحن فيه العوام) وكتبه للخليفة العباسي هارون الرشيد. وكتاب (لحن العامة) للسجستاني، سهل بن محمد، المتوفى سنة 255 للهجرة. وكتاب (لحن العوام) للزبيدي، محمد بن حسن بن مذحج، (316-379) للهجرة.

ومن الجدير بالذكر أن معالجة ظاهرة اللحن تطورت واتخذت منحى جديدا، عندما انكبّ علماء اللغة على نفي ما أورده آخرون، بصفته لحناً، أو قيام لغويين بتخطئة لغويين آخرين، من مثل ما ورد في كتاب (درة الغواص في أوهام الخواص) للحريري، القاسم بن علي بن محمد المتوفى سنة 516 للهجرة، بقول المصنّف: “فإني رأيت ممن تسنموا أسنمة الرتب، وتوسموا بسمة الأدب، قد ضاهوا العامّة في بعض ما يفرط من كلامهم” ثم يوضح سبب تأليفه كتابه المذكور: “فألفت هذا الكتاب تبصرة لمن تبصّر وتذكرة لمن أراد أن يتذكر”.

أما ما يخص المبالغة والإفراط بالإشارة إلى اللحن خاصة في اللهجات العامية، فقد تمت مناقشته ومعالجته بكتب عديدة، منها كتاب (قاموس رد العامي إلى الفصيح) للشيخ أحمد رضا، وكتاب الأمير شكيب أرسلان (القول الفصل في ردّ العامي إلى الأصل)، وكتاب (بحر العوّام فيما أصاب فيه العوام) لابن الحنبلي المتوفى سنة 971 للهجرة، وكتب أخرى عديدة.

المصدر
العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى