رياضة تريند

لماذا لن تؤثر هزيمة مانشستر سيتي على حلم صلاح وليفربول؟

تّخلص مدرب مانشستر سيتي بيب غوارديولا من دابته السوداء يورغن كلوب، بإسقاط ليفربول في قلب ملعب “الاتحاد” بهدفين لهدف، في القمة الختامية للأسبوع الـ21 للدوري الإنكليزي الممتاز، ليضرب الفيلسوف الكتالوني عصفورين بحجر واحد، الأول إلحاق أول هزيمة بالمتصدر على أمل أن يتأثر نجومه نفسيا في قادم المواعيد، والعصفور الثاني وهو الأهم، التشبث بأمل المنافسة على اللقب والاحتفاظ به للموسم الثاني على التوالي، بتقليص الفارق مع المتصدر لأربع نقاط فقط، بعدما كان الريدز يطمع في تحقيق الفوز، لقتل المنافسة إكلينيكيا بتوسيع الفارق مع الفريق السماوي لعشر نقاط كاملة.

التفاصيل البسيطة

لو نتذكر قبل سهرة الخميس. كانت جُل التوقعات والترشيحات تَصب في مصلحة أحمر الميرسيسايد أكثر من السيتيزينز، والأسباب كثيرة ومنطقية، منها على سبيل المثال، السجل شبه المثالي لصلاح ورفاقه، بتفادي الهزيمة على مدار 20 جولة، بجانب الحالة الفنية والبدنية الاستثنائية للفريق بأكمله في الآونة الأخيرة، بسلسلة من العروض والانتصارات المُخيفة للمنافسين، وصلت لحد قهر آرسنال بحُلّته الجديدة مع الإسباني أوناي إيمري بخماسية مقابل هدف مع الرأفة، أضف إلى ذلك العنصر الأهم، وهو التفوق النفسي لكلوب على بيب، باعتباره المدرب الوحيد في العالم، الذي يمتلك سجلاً أفضل من العبقري الكتالوني في المواجهات المباشرة بينهما، لكن بمُجرد أن أطلق الحكم أنطوني تايلر صافرة البداية، تساوت الرؤوس بالمعنى الحرفي، والدليل على ذلك، أنها لم تكن واحدة من المباريات المُمتعة للمشاهد العادي، بل وجبة دسمة للمُحللين وعشاق التكتيك، وهذا تجلى في الحذر المُبالغ فيه من كلا الفريقين في أغلب فترات الشوط الأول والمباراة عموما، باستثناء إثارة الدقائق الأخيرة. الأعجب من ذلك، أنه من المرات النادرة، بل بالكاد المرة الأولى التي أشاهد فيها فريق يقوده بيب غوارديولا، لا يكترث بالكرة ونقلها من قدم لقدم بسلاسة من الخلف إلى الأمام، والحديث عن أسلوب “تيكي تاكا” الذي رسمه بيب لنفسه، منذ ظهوره على الساحة مع برشلونة عام 2008. الجديد هذه المرة، أنه لعب بواقعية الفرق الإنكليزية، تقريبا نفس سلاح يورغن كلوب، وضح في تقارب الخطوط وعدم الهجوم بشكل مُبالغ فيه، ولاحظنا قلة كثافة عدد المهاجمين داخل منطقة جزاء ليفربول في الغارات الحقيقية، في الغالب كنا نُشاهد الأرجنتيني سيرخيو أغويرو واثنين معه بحد أقصى لاستقبال العرضيات، وكما نعرف، الطبيعي دائما، أن يتواجد 4 لاعبين بحد أدنى داخل منطقة الجزاء، بخلاف الشبكة العنكبوتية المتأهبة لافتكاك الكرة بمُجرد فقدانها، وهذا لا يعكس فقط احترام بيب لمنافسه الأصعب والأشرس في العالم، بل تعلمه من أخطاء مبارياته السابقة ضد كلوب، بإيجاد شفرة أسلوب “الضغط المُضاد”، الذي يتبعه المدرب الألماني، بعمل ضغط هائل من منتصف ملعب المنافس، يصل أحيانا لضغط بنصف الفريق، ثلاثي الهجوم وثلاثي الوسط، مع تقدم الظهيرين، وهو الفخ، الذي كان يقع فيه بيب في جُل مبارياته ضد دابته السوداء، وخصوصا مواجهات عام 2018، الذي عجز فيه غوارديولا على فك شفرة مُعذبه.

كلمة السر

من حُسن الحظ، في خضم حديثنا عن حصاد صلاح المثالي في ملحق الأسبوع الماضي، ذكرنا بشكل مُقتضب قيمة وأهمية البرازيلي فيرناندينيو في تشكيلة المان سيتي، وسهرة الخميس، أثبتت أنه بالفعل لاعب الورقة التكتيكية الرابحة لمدربه، فطوال فترة غيابه، بدا وكأن وسط السيتي ثغرة مكشوفة، بالذات عندما تكون الكرة في حوزة المنافس، كان من السهل جدا تمرير الكرة بكل أريحية للوسط السماوي، وذلك لغياب حائط السد المنيع أمام رباعي الدفاع، وشاهدنا كوارث جون ستونز عندما اعتمد عليه المدرب على الدائرة لتعويض غياب فرناندينيو أمام كريستال بالاس، لكن بعد عودته أمام أقوى خط وسط في إنكلترا، وضح الفارق الشاسع والهائل بين وسط السيتي في وجوده وبدونه، يكفي معاناة ميلنر وفينالدوم في تمرير الكرة بسهولة لصلاح أو فيرمينو أو ماني، الثلاثي كان يضطر دائما للتأخر أكثر من المُتفق عليه، لاستلام الكرة، وبلغة لعبة الأذكياء “الشطرنج”، يُسمى هذا التكتيك “كيش ملك”، لحظات تفوق طرف على الآخر، وإجبار ثلاثي هجوم ليفربول على التواجد في أماكن غير المتفق عليها. في حد ذاته، تفوق تكتيكي لا نقاش فيه للفيلسوف الكتالوني، منها استنزاف طاقة الثلاثي المُخيف، وتخفيف العبء على كومباني وستونز ورباعي الدفاع، على الأقل، لتفادي عنصر المفاجآت اللحظية لصلاح وعصابته في آخر 30 مترا من الملعب، والصغير قبل الكبير من مشجعي ليفربول، يعلم ويُدرك جيدا، أن مصدر قوة الفريق، يكمن في وضع نجمنا المصري أو ماني أو فيرمينو في موقف لاعب ضد لاعب بالقرب من منطقة الجزاء، ليظهر فارق السرعات بينهم وبين المدافعين، وهذا سبب غزارة أهداف الفريق من داخل منطقة الجزاء، وجود فيرناندينيو، أعاد العمق الذي كان يفتقده بيب وكتيبته في الوسط، وأيضا أعطى ثقة وطمأنينة للظهيرين دانيلو وإيميريك لابورت، ولا ننسى أن وجود القادم من الريال والأيسر الباسكي، كظهيرين بنزعة دفاعية أكثر منها هجومية، صب في مصلحة الفريق. صحيح هما لا يملكان سرعة ميندي وكايل ووكر، لكنهما يتمتعان بالذكاء والخبث الكروي الدفاعي، كليهما من النوع الذي يعرف قدراته ولا يتفلسف، تجده دائما على مسافة قريبة من الجناح المُكلف بالحد من خطورته، ما جعل خطورة ليفربول من على الأطراف، تقتصر على الظهيرين ألكسندر أرنولد وروبرتسون في الجانب الأيسر، أما ثلاثي الهجوم، فكان اعتماده على العمق، كما شاهدنا في فرصة صلاح وماني، التي ارتدت من العارضة، ثم أخرجها ستونز من على خط المرمى، وهذه أيضا واحدة من التفاصيل البسيطة التي لم نتطرق للحديث عنها، ربما لولا المعلومة الجديدة التي خرج بها كثير منا، أن مرور الكرة بـ99.9 % من محيطها إلى خط المرمى، لا يُحتسب هدفا، لانقلبت الأمور رأسا على عقب في أول 20 دقيقة.

نعود الى كلمة السر. واحدة من اللمحات التكتيكية التي ربح بها غوارديولا الموقعة المفصلية على اللقب، تحويل نقطة قوة ليفربول من الجانب الأيسر لنقطة ضعف وثغرة واضحة وضوح الشمس، باستثناء اللقطة الوحيدة التي تواجد خلالها روبرتسون داخل منطقة الجزاء، حين وضع الكرة على طبق من فضة أمام فيرمينو، ففي أغلب أوقات المباراة، كان مفتاح وصول لاعبي السيتي إلى مرمى الحارس أليسون، بوضع فيرمينو ودانيلو وستيرلينغ كمثلث مرن في الجانب الأيمن، وعند قطع الكرة، يحدث الربط العجيب بين ستيرلينغ وأغويرو وساني، الذي أسفر عن الهدف الثاني، وكاد يُسفر عن هدف آخر على الأقل في آخر 10 دقائق، عندما تفنن أغويرو في إضاعة الانفراد السهل مع أليسون، لكن هذه الفرصة، لا تُقلل من الدور الكبير الذي لعبه صهر مارادونا السابق، ليخرج فريقه بالثلاث نقاط، يكفي أنه أجبر كلوب على الاعتراف بروعة وجمال هدفه، الذي لا يُسجله إلا مهاجم فذ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ناهيك عن الذعر الذي صدره لفان دايك وديان لوفرين، بخفته وسرعته وطريقته اللاتينية العشوائية المُخيفة لأي مدافع في العالم، ليُثبت من جديد، أنه عملة نادرة جدا من رؤوس الحربة القادرين على التسجيل من ربع فرصة مُحققة وبطريقة مُدهشة، في زمن بدأ يختفي فيه هذا النوع من اللاعبين، بعد التعديلات الهائلة على طرق وأساليب اللعب، التي تَخدم اللاعب الجناح أكثر من المهاجم… أليس كذلك؟

ماذا عن مشروع كلوب؟

في البداية، دعونا نتفق على أن ما فعله الأستاذ آرسين فينغر وجيل المدفعجية الذهبي بقيادة العزال الأسمر تيري هنري وبقية الأسماء الخالدة في تاريخ البريميرليغ، في موسم 2003-2004، كان أشبه بالمستحيل، وذلك قبل تّحول تشلسي لقوة عظمة بالمعنى الحقيقي، وأيضا مانشستر سيتي، كان مُجرد ناد كلاسيكي منهزم مع نفسه في البريميرليغ، غير أن توتنهام، كان نسخة كربونية من إيفرتون في الوقت الراهن، مُجرد فريق صعب المراس ليس أكثر من ذلك، الشاهد أن تكرار دوري “اللا هزيمة” أو كما يفخر مشجعو آرسنال بوصف ذاك اللقب بالدرع الذهبي، بات بالأمر شبه المستحيل على الأقل في ظل وجود صفوة مدربي العالم في بطولة واحدة، وإلا كان فعلها بيب غوارديولا في الموسم الماضي، وضرب كل الأرقام القياسية بما فيها أكبر عدد من النقاط في موسم واحد، لكنه لم يفلت من حقيقة الهزيمة، لذا في اعتقادي الشخصي، هزيمة الخميس، لن تؤثر بشكل سلبي على معنويات لاعبي ليفربول، على عكس النظرة التشاؤمية الواضحة في ردود أفعال مشجعي الريدز، بعد التجرع من مرارة الهزيمة للمرة الأولى في الدوري. السؤال: كيف ستصب الهزيمة في مصلحة الفريق؟ أولاً سترفع الحرج عن اللاعبين وتخف الضغط عليهم، كما أشرنا، الهزيمة كانت قادمة لا محالة إلا لو حدث أمر مستحيل في السنوات المقبلة. الآن لن يلعب صلاح ورفاقه تحت ضغط تفادي الهزيمة الأولى، هذا الصداع أصبح من الماضي الذي لن يعود أبدا، بمعنى أدق، وقعت الواقعة، كما يحدث مع أي فريق في فترات مُعينة خلال الموسم، وها قد جاءت لحظات الاختبار الصعب، بالتعرض لأول محنة، نفس الكأس الذي مر على غوارديولا وهو يخسر مباراة ويتعادل أخرى، والأهم أنه عاد إلى المنافسة بأقل الخسائر، بدون سلاحه الرادع، كيفن دي بروين، الذي قضى جُل الموسم في صراعه مع الإصابات. أيضا مانشستر يونايتد، واجه صعوبات لا تُصدق في نهاية حقبة جوزيه مورينيو، والآن تبدلت أوضاعه 180 درجة، ولا يُمكن استبعاد سيناريو عودته للمنافسة، على الأقل على المركزين الثالث والرابع في غضون أسابيع قليلة، ومن يدري قد يَحدث أبعد من ذلك، إذا استمرت انتفاضة بوغبا ومدربه الجديد أولي غونار سولشيار، حتى توتنهام، ذاق المر، بدون هاري كاين وفقد نقاطا كثيرة، ثم عاد، المهم أن كل من تعثر عاد بما فيهم آرسنال وتشلسي، كلاهما يترنح ويعود في الوقت المناسب، الآن، جاء وقت اختبار عزيمة ومعدن المشروع الذي يعمل كلوب على بنائه منذ بداية عام 2015.

سلاح ذو حدين

ما يدعو عشاق ليفربول للتفاؤل، أن الهزيمة لم تأت فجأة أو أمام منافس في المتناول، بل جاءت على يد حامل اللقب، وبعد عرض أقل ما يُقال عنه “مُشرف”، ولو ابتسمت التفاصيل البسيطة للفريق، لعاد إلى مدينة نهر الميرسيسايد بنقطة على أقل تقدير، لكنها ستضع اللاعبين أمام تحدٍ مطلوب في هذا التوقيت، بضرورة إظهار ردة الفعل التي ينتظرها المشجعون، ومن حُسن حظ كلوب ورجاله، أنهم سيتجنبون مواجهات الخمسة الكبار في الأسابيع المقبلة، بل سيحصل على هدنة بمواجهة ذئاب ولفرهامبتون في الكأس، ثم العودة في منتصف الشهر بمواجهات في المتناول أمام برايتون وكريستال بالاس وليستر سيتي ووستهام يونايتد وبورنموث، قبل أن يصطدم بألد الأعداء في “أولد ترافورد” في الأسبوع الـ27، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية لاستعادة اللقب الغائب منذ قرابة ثلاثة عقود، فلا بديل عن حصد العلامة الكاملة، على الأقل في المباريات التي ستسبق زيارة ملعب الأعداء، لأن المنافس المباشر، سيخوض معارك حامية الوطيس بعد 3 جولات من الآن، أمام آرسنال وتشلسي وإيفرتون على التوالي، وبالطبع، ستكون مهمة صعبة وشاقة على الفريق السماوي، وفي نفس الوقت، فرصة مثالية لصلاح ورفاقه لتوسيع الفارق بشكل مُريح قبل زيارة الـ24 من فبراير/ شباط، وهذا ما يَحلم به كلوب وفريقه، لتفادي تكرار كارثة موسم “انزلاقة” ستيفن جيرارد، وبقية المواسم، التي عجز خلالها الفريق على الحفاظ على الصدارة بعد أعياد الميلاد وجولة البوكسينغ بالتحديد، عكس بقية الفرق التي لم تُفرط في الصدارة بعد البوكسينغ.

دعم شتوي

ولتجنب وقوع الكارثة، يحتاج ليفربول تدعيمات بأثر فوري في مركزي قلب الدفاع ورأس الحربة، رغم أن الدفاع هم الأقل استقبالاً للأهداف. نعم مستوى ديان لوفرين مُفزع ولا يُطمئن في المواجهات الكبرى، ومع تزايد ضغط المباريات، قد يُقدم مباريات أسوأ من مباراة الخميس. هذه المباراة التي أثبتت أن فان دايك هو وحده من يتحمل أعباء منطقة قلب الدفاع منذ إصابة جو غوميز، الذي تألق كثيرا قبل إصابته الأخيرة. لا أحد يتمنى الإصابة للاعب، لكن دعونا نتخيل لو أصيب فان دايك في وقت صعب، سنشاهد نسخة ليفربول النصف الأول من الموسم الماضي، الذي استقبلت فيه الشباك 29 هدفا في أقل من 15 مباراة! لذا من الضروري جدا، أن يدعم كلوب فريقه بقلب دفاع، ليكون بديلاً حقيقيا لفان دايك أو جو غوميز، بدلاً من ديان لوفرين والكارثي الآخر جويل ماتيب. أما في الهجوم يحتاج لاعبا رقم 9، ليُعطي حلولا جديدة في الهجوم، خصوصا في المواقف المشابهة للدقائق الأخيرة لقمة السيتي، عندما لجأ لحل إرسال العرضيات. ومن المؤكد انه سيتعرض لمواقف مشابهة في المستقبل، ويحتاج على الأقل تنويع أفكاره في الهجوم، حتى لا يتحول صلاح وماني وفيرمينو لكتاب مفتوح أمام المنافسين في الأسابيع الحاسمة، لكن الآن، يبقى الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لليفربول، ويُعتبر مسألة حياة أو موت، ردة الفعل بعد أول هزيمة، إما تجاوزها والمضي قدما نحو تحقيق الحلم المُنتظر منذ تغير نظام ومسمى الدوري الإنكليزي في بداية التسعينات، أو كما ذكرنا، انزلاقة جديدة وخيبة أمل غير مسبوقة.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى