منوعات

“الجمعة السوداء”.. حيل قذرة تلجأ إليها المتاجر لجعلك تدفع أكثر

على الرغم من أن تقليد الجمعـة السوداء (Black Friday) يُعتبر قديما إلى حد كبير، فإن عشـر السنوات الأخيرة تحديدا شهدت نموا هائلا في هذا الاتجـاه عالميا ليتحوّل إلى واحد من أهم أيام العام تجاريا. الجمعـة السوداء هي يوم الجمعة الذي يلي مباشرة عيد الشكـر، وبذلك تكون الجمعة السوداء هي الجمعـة الرابعة في شهـر نوفمبر/تشرين الثاني والتي تعتبـر مقدمة لموسم العطـلات والأعياد الغربي، مما يجعله بمنزلة إعلان بدء موسم التسوّق عالميا. (1)

في ذلك اليوم، تفتح المتاجر أبوابها الواقعية والافتراضية لملايين المستهلكين لشراء كافة المنتجات والأدوات بخصـومات هائلة قد تبدو للوهلة الأولى أنها لا تتكـرر على مدار العام. عربيا، ولأسباب دينية معـروفة تحوّل اسم “الجمعة السوداء” إلى “الجمعـة البيضاء”، وشهد إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة، حتى إن موقع “سوق كوم” المملوك حاليا لشركة أمازون العالمية والذي يخدم في عدة دول عربية قد سجّل في العام 2017 بيع 18 منتجا في الثانية الواحدة في أوقات الذروة، كما أعلن موقع “جوميـا مصر” للتسوق الإلكتـروني أن مبيعات أول ساعة في الجمعـة البيضاء تسـاوي مبيعات خمسة أيام عمل كاملة. (2، 3) بمعنى آخر، هذا اليوم هو اليوم الذي يسيل فيه لعـاب المتاجر الكبرى والمتوسطة والصغيرة لتحقيق أكبر مستوى أرباح ممكن، مما يجعل إمكـانية استخدام “حيل” تسويقية سوداء في هذا اليوم واردة بشكل كبير، إن لم تكن حتمية في بعض الأحيان. (4، 5)

الخصـومات الكبـرى قد تكون مضللة

بالطبع لا شيء يُثير شهيـة العميـل للشراء أكثر من تخفيض كبير في سعر المنتج، وهذا هو السبب وراء أهمية عروض الجمعة السوداء حول العالم أصلا، وهو توفير المنتجات والبضائع المختلفة بتخفيضات كبيـرة في الأسعار قد لا تتكرر بقية العام. ومع ذلك، يبدو أن هناك الكثير من الخداع في هذا الأمر تحديدا تتبعه الكثير من المتاجر سواء التقليدية أو الرقمية.

خلال الجمعة السوداء، للوهلة الأولى ستجد أن التخفيضات الهائلة تبدو كبيرة للغاية، ولكن ما لا يعرفه الكثيـرون أن الكثير من المنتجات والبضائع يتم بيعها طوال العام في إطار نسبة تخفيض ما عن السعر الذي يحدده المُصنّع لهذا المنتج، أو ما يُطلق عليه (MSRP) أو (Manufacturer’s suggested retail price). وبالتالي، المنتج الذي تعتقد أنه حاز خصما كبيرا في يوم الجمعة السوداء هو في الواقع حاز خصما بسيطا للغاية عن السعر الذي كان يُباع به طوال العام.

كمثال، إذا كنت ستقوم بشراء منتج في يوم الجمعة السوداء قيمته العادية 100 دولار، ووجدت عليه خصما بنسبة 30% مما سيجعلك تشتريه بقيمة 70 دولارا. للوهلة الأولى يبدو أنك حصلت على خصم كبير، لكن الواقع أن هذا المنتج كان يُباع بالفعل بشكل واسع في هذا المتجر أو غيره بقيمة 80 دولارا طوال العام كخصم معتاد تجريه المتاجر المختلفة لتنشيط مبيعاتها. إذن، عندما تذهب لشرائه بمبلغ 70 دولارا، فالواقع أنك حصلت فقط على خصم 12.5% من السعر المعتاد بيعه، وليس 30% كما يبدو لك للوهلة الأولى. بمعنى آخر، أنت حصلت على خصم متواضع للغاية في ذلك اليوم، وليس خصما كبيرا كما تتخيل. (4)

أو ربما الخصومات الكبـرى مجرد وهم

في بعض الأحيان، تقوم بعض المتاجـر باستباق الموقف قبل قدوم الجمعـة السوداء التي تعتبـر مقدمـة حركة العطلات العالمية، فتقوم برفع أسعار المنتجـات والبضائع عن سعـرها المعتـاد، ثم عندما تأتي الجمعـة السوداء بالتخفيضات الكبيـرة المعتادة، تقوم المتاجر بتخفيض الأسعار مرة أخرى لتعود لسعرها الأصلي الأول أو بسعـر أقل قليلا بحيث لا تزيد أحيانا نسب الخصومات الفعلية على 10%! (5)

بحسب تقرير نشرته الوول ستريت جورنال بعنـوان “الأسرار القذرة للجمعـة السوداء”، ذكرت أن من أشهر تكتيكات المتاجر في تلك الفتـرة أن تقوم بزيادة أسعار المنتجـات زيادة طفيفة أو متوسطة قبل أيام من قدوم الجمعة السوداء، وبالتالي عندما تقوم بعرض خصومـاتها تبدو للجمهـور أنها خصومات كبيـرة -مقارنة بالسعر المزيّف السابق- بينما هي في الواقع خصومات طفيفة للغاية. رصدت الصحيفة زيادة قدرها 8% شملت خُمس البضائع التي قامت بتعقّبها قبل الجمعـة السوداء، وزيادات وصلت إلى 23% بالمتوسّط في بعض المنتجات والألعاب قبل عرض الخصومات في الجمعة السوداء. (6)

المتاجـر الإلكتـرونية قد تعرفك سابقا.. وتمنحك أسعارا مختلفة

أغلب مواقع التجارة الرقمية الآن تستخدم ملفـات تعريف الارتباط المسمّـاة “Cookies” بهدف تتبع زوّارها الإلكترونيين، هذه الملفات الصغيـرة دورها تتبع البضائع التي تقوم بتصفّحها عادة وتتبع أيضا “عادات الشراء” الخاصة بك. لذلك عندما تعود إلى المتجر الرقمي من وقت لآخر تجد نفسك مباشرة أمام المنتجات التي تعوّدت على تصفحها وشرائها.

هذه الخاصيـة القـانونية مفيدة بلا شك باعتبار أنك تسمح للمتسوّق والتاجر بمعرفة بعضهما البعض وتسهيل عمليات التصفح والشراء، ومع ذلك قد يُساء أيضا استخدامها بواسطة بعض المتاجر الرقمية في يوم الجمعة السوداء الذي تهتم فيه المتاجـر بتحصيل أكبر قدر من الأرباح. باختصار، عندما توضّح الكوكيز للمتجر بأن هناك عميلا ما عادة ما يزور المتجر الرقمي بشكل دوري، ويقوم بالدفع بشكل كامل للحصول على البضائع والمنتجات المختلفة، وأن سلوكياته التسويقية سخية إلى حد كبير، فهذا العميـل قد لا تُعرض أمامه عروض تسويقية تشمل خصومات كبيرة في يوم الجمعة السوداء مثل الآخرين الذين يعرف عنهم المتجر ميلهم للتمهل وانتظار العروض والخصومات. لذلك؛ من الأفضل دائما أن تقوم في يوم الجمعة السوداء بتصفح الأسواق الرقمية مستخدما خاصية “incognito Mode” في المتصفح والذي يقوم بإخفاء الكوكيز، مما يجعل المتجر الرقمي غير قادر على التعرّف على عاداتك التسويقية السابقة، وبالتالي إظهار كافة العروض في كافة الأقسام بشكل محايد. (4)

اشتـر بسرعة وإلا ستفوتك الفـرصة

واحد من أهم وأشهر التكتيكات التسويقية في هذا اليوم تحديدا هو خلق جو عام من الطوارئ والاستعجال للمشتـري، بحيث يدفعه هذا المناخ إلى الإسراع بالشراء دون التمهّل في التفكيـر أو تفحّص المنتج الذي يرغب في شرائه. دائما ستجد في هذا اليوم إعلانات برّاقة تخبرك بضـرورة الإسراع للشـراء حالا وإلا لن تجد هذا المُنتج وأنه سينفد قريبا، فضـلا عن فكـرة الإسراع في الشراء أصلا باعتبار أن هذا اليوم يمرّ سريعا وأنه إذا فاتك الشراء فستخسـر صفقـة العام كله بهذه التخفيضات الكبيـرة.

في العديد من المتاجر الرقمية ستجد عدا تنازليا تستخدمه هذ المتاجر في صفحتها الرئيسية خلال هذا اليوم. دائما إشعار المستهلك أن الوقت يمرّ سريعا وأنه إذا لم يستدرك بالشراء في أقرب فرصة فستفوته عروض مميزة لن تتكرر طوال العالم. هذه الحالة -إشعار المستهلكين بضرورة الإسـراع للشـراء- معروفة بين المسوّقين باسم “فومو” (FOMO)، وهي اختصار لجملة “الخوف من أن يفوتك شيء” (The Fear Of Missing Out)، وهي تعتبـر من أهم التكتيكات التي تركز عليها المتاجر التقليدية والرقمية في يوم الجمعة السوداء تحديدا، رغم أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التوتر. في الواقع، الكثير من المناسبات خلال العام تضم تخفيضات كبيـرة وممتازة أيضا، ما يعني أن فكـرة أن “الجمعة السوداء” هي اليوم الذي يضم صفقــة العام بأكمله ليست صحيحة بالمطلق. ثمة عروض كبـرى على مدار العام، تشمل تخفيضات بدء العام الدراسي، ويوم الحب، وتخفيضات للأثاث والألعاب والأجهزة بحسب المناسبات المختلفة. (4)

بعض المنتجات صُنعت خصيصا لهذا اليوم.. بجودة أقل

الكثير من المتاجر التقليدية والإلكترونية تستقبل عددا كبيرا من البضائع والمنتجات التي تم تصميمها لعرضها في هذا اليوم بالتحديد بأسعار مخفّضة وبجودة أقل تناسب السعر المعروض به. تتنوّع هذه المنتجـات لتشمل مختلف البضـائع، وإن كانت تتركز بشكل أساسي على شاشات التلفـاز والأجهـزة الإلكترونية بشكل خاص.

قبل أيام من بدء الجمعـة السوداء تستقبل المتاجر الكبرى ومحال التجزئة عددا كبيرا من الأجهزة الإلكتـرونية تشمل تلفزيونات وأجهزة حاسوب يتم تصنيعهـا تحت أسماء ماركـات عالمية كبيـرة ولكنها مخصصة للبيع بسعر منخفض خلال هذه المناسبة تحديدا، وتكون جودتها أقل من الجودة المعتادة للمنتجات نفسها التي تطرحها الشركات في الأسواق عادة. (7، 8)

المنتجات القديمة هي الأكثر عرضا للبيع

أكثر المنتجات والبضائع المعروضة للبيع في يوم الجمعـة السوداء عادة ما تكون طرازا قديما تم عرضه في السنوات السابقة كما هو، وتسعى الشركات المختلفة لعرضها مرة أخرى لإنهاء مخزونها من هذه البضائع عن طريق جذب المستهلكين لشرائها بأسعار تبدو تنافسيـة، بدلا من تكبّد خسائر الاحتفاظ بها في المخازن لفتـرات طويلة دون جدوى حقيقية من ورائها.

صحيح أنك ستجد بعض المعروضات الحديثة خصوصا في الأجهزة والهواتف والحواسيب واللوحيات، إلا أن هذه المنتجات عادة ما تكون محدودة في المتاجر الرقمية والتقليدية، فضلا عن أن مستوى التخفيضـات عليها ليس كبيرا مثل بقية المنتجات الأقدم التي عُرضت من قبل. وبحسب إحدى الدراسات، نحو 93% من المتاجر قامت بعرض منتج واحد على الأقل في العام 2014 بالسعـر نفسه الذي عرضته الجمعـة السوداء للعام 2013. (5، 9)

استنفـار في كل آليـات التسويق الممكنة
في الجمعة السوداء تقوم كافة المتاجر سواء الرقمية أو التقليدية باستخدام كل أدوات التسويق الممكنة لجذب اهتمامك، ولإشعارك بالرغبة في الشراء حتى لو لم تكن في حاجة فعلية إلى شراء أي منتج. الهدف الأول لكافة المتاجر في هذا اليوم هو إغواؤك بأي طريقة لإنفاق مالك.

إذا كنت ستتسوّق في متجر تقليدي، فكل البضائع والمنتجات الموضوعة على الأرفف تم وضعها بعناية فائقة لتقع عيناك دائما على المنتجات التي تجذبك لإنفاق ما في جيبك متصوّرا أنك تقوم باستغلال صفقة العام. ستجد نفسك طول الوقت أمام المنتجات والبضائع مرتفعة السعر -حتى بعد الخصومات- والإيحاء لك أنك إذا لم تشترِ هذه المنتجات سريعا لتكونن من الخاسرين.

لذلك، فأفضل طريقة على الإطلاق للتسوق في هذا اليوم هو إعداد خطة بالأشياء التي ترغب بالفعل في شرائها في هذا اليوم، ولا تدخل إلى أي متجر إلا وقد أعددت قائمة بالمنتجات التي تهتم بشرائها حتى لا تقع ضحيّة إغواء العرض الترويجية الكبيرة في هذا اليوم لمنتجات لا تحتاج إليها على الإطلاق. (10)

في النهاية، يبقى يوم الجمعة السوداء/البيضـاء واحدا من أهم أيام التجارة العالمية، وبالفعل يكون من ورائه العديد من المكاسب لكل من البائع والمشتري، فقط إذا قام كلاهمـا باتباع الأساليب الصحيحة لعرض منتجـاته. البائع بألا يستغل إقبال المستهلكين على الشراء بوضع عروض غير صحيحة ومتدنّية الجودة، والمشتري بأن يحدد سلفا ما يحتاج إليه بالفعل ولا يترك رغباته تنجرف وراء سيل الإعلانات والعروض والخصومات التي تحاصره في كل مكان.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى