المغرب العربي

سيف الإسلام: هل سيحالفه الحظ في حكم ليبيا؟

في وقت تتجه فيه ليبيا نحو انتخابات قد تتمخض عن قدر ما من السلام والاستقرار تفتقده منذ عام 2011، ينظر إليه الكثيرون كما لو كان رمزا لمرحلة ما من مراحل تاريخ ليبيا، أيام كان النفط يتدفق غير محبوس ولا مرهون، وأيام كانت عائدات البترول تغص بها خزائن الجماهيرية، أيام كان لليبيا صوتها على الساحة الدولية.
إنها ليبيا ما قبل دولة الميليشيات وما قبل أزمة المهاجرين، ليبيا أخرى بدون دستور وبلا ديمقراطية.
مع ذلك فهناك ليبيون كثيرون مصدومون من تجربتهم الديمقراطية لا يخفون حنينهم لعهد القذافي.
غير بعيد من ذلك العهد اللذيذ المرير معا، ينتظر سيف الإسلام ثاني أكبر أبناء «القائد» مصيرا مجهولا معلوما. في فرنسا، كان سيف الإسلام القذافي مفجر الفضيحة، حيث صرح عام 2011 أمام كاميرات قناة «يورونيوز» قائلا «يجب أن يعيد ساركوزي الأموال التي قبلها من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية، نحن من مول حملته ولدينا الأدلة على ذلك، ما نطلبه من هذا المهرج هو إعادة أموال الشعب الليبي».
فسيف الإسلام في هذا الموقف ليس مجرد ابن لديكتاتور سابق يسعى للانتقام، إنه يسترد أموال شعب من شخص استحوذ عليها وشن حربا على مانحها لإخفاء الجريمة.
ولكي نفهم جيدا مساره، فعلينا العودة لمستهل عام 2000.
إذ ذاك، مثل سيف الإسلام معمر المولود عام 1972 والحاصل على دبلوم مهندس معماري، الوجه المعتدل لنظام شمولي، حيث أعلن موافقته على إقرار دستور للبلاد وعلى تلطيف علاقات «الجماهيرية» مع بقية دول العالم، وأكد تبنيه لدولة ليبية تحظى بالاحترام.
ويحتفظ سيف الإسلام في جعبته السياسية بانتصارات دبلوماسية بينها قيادته الناجحة لمفاوضات 2004 حول اتفاق تعويض ضحايا تفجيرات لوكربي وتفجير الطائرة الفرنسية ضمن الجريمتين اللتين تتهم ليبيا باقترافهما. كذلك، كللت جهوده عام 2007، بتسوية سعيدة لقضية الممرضات البلغاريات التي سمحت بالتوقيع على اتفاقية تسليح مع فرنسا، كما أخبر سيف الإسلام لاحقا بذلك.
ويجمع المحللون أن سيف الإسلام قد يصبح يوما ما خليفة والده في حكم ليبيا، فهو يظهر بخصاله القيادية وجها مغايرا لأخيه السعدي الذي اختار الظهور كرياضي مغامر.
أحلام كثيرة كانت تراوده حطمها الربيع العربي الذي وصلت ومضات تبشيره بالحرية والانعتاق إلى ليبيا سنة 2011.
مرت الأحداث مسرعة، حيث عض القائد على نظامه بنواجذه واختار الكشف عن عضلاته؛ ثم كان أن توالت الهزائم من فوق رأسه واضطر للاصطفاف مع والده، حيث أعلن في التلفزة الليبية قولته المشهورة «ستشهد ليبيا أنهارا من الدماء، سنقاتل حتى آخر رجل وآخر امرأة وحتى آخر رصاصة».
بهذا الموقف توارى سيف الإسلام، وأغلقت أمامه أبواب السفارات التي كانت مفتوحة له.
لم يطل الأمر كثيرا؛ فقتل القذافي واعتقل سيف الإسلام في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 بعد مطاردته في الصحراء، وفقد ثلاثة من أصابع يده، وحكم عليه بالإعدام، ثم أعفي عنه، وفي الأخير أطلق سراحه بعد خمس سنوات من السجن العصيب.
ثم كان أن انغمست ليبيا في الفوضى بعد موت القذافي: فالميليشيات المدججة بالسلاح تتحارب، والدولة منهارة ومفلسة، والنفط يغذي الأطراف المتنازعة، والمجموعة الدولية عاجزة عن حل أزمة تتعقد يوما بعد يوم حتى أن مخاطرها اتسعت لتشمل منطقة الساحل ولتحول جمهورية مالي لدولة فاشلة.
اختار سيف الإسلام منذ إطلاق سراحه في حزيران/يونيو 2017 البقاء متخفيا صامتا بعيدا عن الأضواء، مفضلا التعبير عن مواقفه بواسطة محاميه وأنصاره.
وفي نيسان/إبريل عام 2018 جدد اتهاماته للرئيس الفرنسي ساركوزي بحيازة التمويل الليبي لحملته، كما أعلن عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ديسمبر المقبل؛ ويجمع المحللون المتابعون لهذا الملف، على أن لسيف الإسلام حظوظا كبيرة إذا هو ترشح للرئاسة. وليبيا اليوم موزعة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة فايز السراج، والتي تحظى باعتراف المجموعة الدولية مع أنها لا تملك أي سلطة، والحكومة التي يقف وراءها الجيش الليبي بقيادة المارشال خليفة حفتر، والتي تتمتع بالسلطة دون أن تكون لها مشروعية.
وما يمكن أن يفيد سيف الإسلام في ترشحه إذا ما قرره، هو المشروعية التي تمنحها له القبائل؛ غير أن الطريق مع ذلك، ما يزال طويلا أمامه قبل وصوله لكرسي الحكم ضمن أحلام راودته كثيرا في فترات سابقة عفا عليها الدهر.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى