العالم تريند

الغارديان: ماذا قدم ترامب لسلالة كيم الحاكمة؟

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للصحافي جوناثان فريلاند، يعلق فيه على القمة التي عقدت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، التي تمثل انعطافا مهما في سياسة كل من الزعيمين.

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إن “إحدى الطرق المفيدة في تفحص الصفقة التي توصل إليها دونالد ترامب مع كيم جونغ أون، هي أن تتخيل ماذا كان ترامب نفسه سيقول لو كان باراك أوباما، وليس هو، من صافح الديكتاتور الكوري الشمالي، فلكان ترامب وغرفة الصدى (فوكس نيوز) وغيرها، ستكيل السخرية لأوباما للورقة التي وقعها مع كيم، وللمديح المتملق الذي كرم به ديكتاتورا متوحشا، وللتنازلات التافهة التي حصل عليها في المقابل، وكان سيصنف الاتفاقية على أنها (صفقة فظيعة)، ولوصف أوباما بالأبله لتوقيعه إياها”.

ويضيف فريلاند: “لنرى أولا على ماذا حصل كيم من هذا اللقاء، كيم الذي كان منبوذا كونه شخصا مارقا عومل معاملة رجل دولة عالمي على مستوى رئيس الولايات المتحدة، حيث التقى الرجلان على قدم المساواة، حتى عدد الأعلام خلفهم عندما صافحوا بعضا، وأصبح لدى الديكتاتور الآن معرض جيد من الصور -بما في ذلك تجواله في سنغافورة، حيث التف عليه من سمتهم هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) (معجبين) يريدون أخذ صور سيلفي معه- وهو ما سيظهر في فيديوهات الدعاية لأشهر، إن لم يكن لسنوات”.

ويشير الكانب إلى أن “ترامب أشاد بكيم واصفا إياه بأنه (رجل موهوب .. يحب بلده كثيرا)، رجل أعجب فيه الرئيس الأمريكي لتمكنه من تسلم حكم كوريا الشمالية بذلك العمر الصغير، وأن (يديرها بحزم)، كما قال في مؤتمر صحافي آخر، ولم يكن هناك حتى الشجب العفوي لوحشية نظام كيم، وفي الواقع احتفظ ترامب بمصطلح (نظام) لإدارة كلينتون في تسعينيات القرن الماضي، وعندما سئل إن كان ذكر حقوق الإنسان خلال محادثاتهما فإنه قال إنهما ناقشاها (باختصار)، وكانت أشد الكلمات عندما استخدمها لبلد جوع شعبه في مجاعة كلفت حياة 3 ملايين، هي: (إنه وضع صعب هناك .. وبالمناسبة الوضع صعب في أماكن كثيرة)”.

ويقول فريلاند: “هكذا يغادر كيم سنغافورة بعد أن حصل على الشرعية الدولية، التي لطالما سعت عائلته الديكتاتورية الحاكمة للحصول عليها، لكن هدايا ترامب لم تنته بهذا، بل أعلن عن توقف التدريبات العسكرية المشتركة في شبه الجزيرة الكورية (ألعاب الحرب)، التي قال إنها مكلفة، واستخدم لغة كان يمكن أن تستخدمها بيونغ يانغ ذاتها، حيث وصف التدريبات بأنها (استفزازية جدا)، وحتى أن ترامب ألمح إلى أن القوات الأمريكية، البالغ عددها 28 ألف جندي، سنتسحب في المحصلة من شبه الجزيرة الكورية”.

ويتساءل الكاتب: “فماذا أعطى كيم لترامب مقابل سلة الهدايا الملآى؟ التنازل الرئيسي، الذي ذكره ترامب مكررا، كان وعدا (بنزع كامل للسلاح النووي)، وهذا ما أبرزه ترامب، وكأن هناك التزاما من شمال كوريا بتفكيك ترسانتها، وأنها ستبدأ مباشرة في ذلك، مثل هذا الالتزام سيكون بالتأكيد جائزة مهمة تستحق تهنئة ترامب لنفسه، لكن يجب هنا النظر إلى ما كتب بالخط الصغير”.

ويورد فريلاند نقلا عن النص قوله: “تلتزم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية بالعمل نحو النزع الكامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية”.

ويعلق الكاتب قائلا إن “كيم لم يعد (بالنزع الكامل للأسلحة النووية)، لكن ببساطة (العمل نحو) ذلك، ويعلم المفاوضون في أنحاء العالم لغة المراوغة عندما تكون فشلت في الحصول على الالتزام الحقيقي، فما عرضه كيم كان مجرد طموح دون تاريخ محدد، ولا جدول زمني، ولا خطة ثابتة”.

ويجد فريلاند أنه “حتى لو وعد كيم بـ(نزع سلاح نووي كامل)، فإن ذلك لن يكون اختراقا حقيقيا، فلطالما كان هدف السياسة الأمريكية هو التفكيك الكامل للترسانة النووية الكورية الشمالية، الذي يمكن التحقق منه وغير القابل للعكس، بينما اختفت كلمتي قابل للتحقق وغير قابل للعكس من البيان المشترك”.

ويقول الكاتب: “مرة أخرى فكر ماذا كان سيقول ترامب المرشح عن هذا، فالاتفاقية مع إيران، التي شجبها باستمرار بصفتها صفقة (فظيعة)، وانسحب منها الشهر الماضي، تألفت من 110 صفحات من الترتيبات المفصلة، بما في ذلك نشر مراقبين تابعين لوكالة الطاقة الذرية الدولية وكاميرات وغير ذلك؛ للتأكد من التزام طهران بوعودها النووية، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه نص بيان سنغافورة صفحة ونصف، ولم يذكر أي شيء عن (التحقق)، وفي الواقع لم يستطع ترامب الحصول على التزام من كيم بأقل مستوى من الشفافية، بأن يصرح بإمكانيات كوريا الشمالية النووية من ناحية الأسلحة التي تملكها، وإمكانيات الإنتاج لديها، فكيف يمكن للعالم أن يعرف مم تخلصت بيونغ يانغ إن لم يعرف ماذا تملك؟”.

ويستدرك فريلاند بأن “لب الموضوع هو عبارة (نزع الأسلحة النووية)، المشكلة أن هذه العبارة لا تعني للزعيم الكوري الشمالي كيم ما يظن ترامب أنها تعني، لكوريا الشمالية لا تعني التخلص من ترسانتها من جانب واحد، لكن هي مجرد طموح لمنطقة خالية من الأسلحة النووية، (وهو ما يتطلب أن تسحب أمريكا قواتها الذرية من آسيا، وتخرج كوريا الجنوبية من حماية مظلتها النووية)، الأمر شبيه بقراءة دعوة أوباما المتكررة لعالم خال من الأسلحة النووية خطأ على أنها التزام أمريكي بالتخلص من أسلحتها النووية، فلم يكن ذلك المقصود أبدا”.

ويقول الكاتب: “بل على العكس يرى المحللون أن احتواء نص بيان سنغافورة على إشارة إلى إعلان بانمونجوم في نيسان/ أبريل هذا لعام -عندما التقى زعيما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية لأول مرة في أكثر من عقد- هو مؤشر آخر على أن بيونغ يانغ ترى أن نزع السلاح النووي هو جزء من عملية أوسع لنزع السلاح العالمي، فببساطة ما يقوله كيم هو أنه سيتخلص من أسلحته النووية فقط عندما تقوم روسيا والصين وأمريكا والآخرون كلهم بالتخلص من أسلحتهم”.

ويلفت فريلاند إلى أن “ترامب مدح في مؤتمره الصحافي نفسه؛ لإنجازه ما عجز أسلافه عن إنجازه، لكن في الواقع فإن بيونغ يانغ قدمت وعودا شبيهة في اتفاقيات وقعتها مع أمريكا في بداية تسعينيات القرن الماضي وعام 2005، وفي الواقع فإن تلك الاتفاقيات دفعت كوريا الشمالية أكثر، فالأولى تضمنت نظام تفتيش، والثانية عملية تحقق من الإنجاز، وقالت السفيرة ويندي شيرمان لتلفزيون (ام أس أن بي سي) بصفتها متفاوضة سابقة مع كوريا الشمالية: (لم نكن قد وصلنا هذه النقطة فقط، بل كنا قد وصلناها وبتفصيل أكبر)”.

ويرى الكاتب أنه “لم يكن غريبا أن علق المحلل أندري لانكوف المقيم في العاصمة الكورية الجنوبية سول، بأن الاتفاقية (تحمل قيمة عملية مقدارها صفر، كان بإمكان أمريكا الحصول على تنازلات جادة، لكن لم يتم فعل ذلك، ستصبح كوريا الشمالية أكثر جرأة، وأمريكا لم تحصل على شيء”.

ويختم فريلاند مقاله بالقول: “بالطبع أن يجتمع ترامب وكيم أفضل للعالم من أن يتبادلا الشتائم والتهديدات بحرب نووية، بالإضافة إلى أنه من الممكن لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الآن أن ينشغل بالتفاصيل لسد الثغرات الكبيرة في الاتفاقية، لكنها إلى الآن لا تتجاوز كونها حققت اختراقا كبيرا لعائلة كيم الحاكمة وستحتفل بذلك، أما بالنسبة لنا فإنها سبب للحزن بأن تكون أقوى دولة في العالم في أيد عاجزة”.

المصدر
عربي 21
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى