العالم تريند

“رومانسية ذات قبضة حديدية”.. أول سيدة على رأس الـ”CIA”

عيّن مجلس الشيوخ الأمريكي الخميس، سيدة رومانسية يحفل سجلها بعمليات التعذيب، مديرة لوكالة المخابرات المركزية، لتصبح أول امرأة ترأس وكالة الاستخبارات الأشهر في العالم.

ومع أن مناقشات تعيين جينا هاسبل في مجلس الشيوخ جرت على خلفية اتهامات ضدها بشأن تورطها في تعذيب المشتبه في أنهم إرهابيون في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، إلا أن معظم المشرعين الأمريكيين لم يعتبروا انخراط سيدة بيضاء البشرة في تعذيب رجال ذوي بشرة سمراء أو داكنة عقبة تحول دون توليها هذا المنصب الرفيع.

هاسبل التي عملت في وكالة الاستخبارات المركزية منذ أكثر من 30 عامًا، هي اليوم إحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل في إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ابنة الجيش

ولدت جينا شيري هاسبل في ولاية كنتاكي عام 1956، في أسرة ضابط في سلاح الجو الأمريكي. تخرجت من المدرسة في المملكة المتحدة، ثم عادت إلى وطنها، حيث تخرجت في عام 1978 من جامعة لويزفيل، كنتاكي، وتخصصت في فقه اللغة والصحافة. لكن سرعان ما قررت أن تبدأ مهنة عسكرية فدخلت الأكاديمية في وست بوينت، ولكن قبول النساء هناك في ذلك الوقت لم يكن متاحا، ومع ذلك، وكما جاء في سيرتها الذاتية على موقع CIA الإلكتروني، “لم تفتر رغبة هاسبل في الخدمة العسكرية”.

في عام 1980-81 ، عملت أمينة مكتبة في قاعدة فورت ديفين العسكرية في ولاية ماساتشوستس. وفي عام 1985، سارعت للالتحاق بوكالة المخابرات المركزية، ما أن تم السماح بتجنيد النساء هناك.

وتقول هاسبل: “أردت أن أكون جزءا من شيء أكثر من أنا فقط. أعتقد أنه بسبب الخدمة العسكرية لوالدي، كنت أرى أن العمل العسكري شيء قريب بشكل طبيعي بالنسبة لي. كنت أحلم بمغامرات أجنبية، أستطيع خلالها إظهار حبي للغات الأجنبية. وقد استوفت وكالة المخابرات المركزية هذه المتطلبات”.

النجاحات الأولى

المركز الأول لنشاط هاسبل الاستخباراتي في عام 1987 كان في إثيوبيا، ثم انتقلت لبلدان آسيا الوسطى وتركيا، وبعد ذلك أوروبا. الـCIA ولأسباب واضحة، لم تكشف عن تفاصيل عملها في ذلك الوقت، لكنها تشير إلى أن هذه السيدة تعلمت على مدى السنوات كيفية “تجنيد العملاء والعمل معهم”.

وتذكر هاسبل أن التعيينات في البلدان غير المزدهرة غالبا ما أثارت مفاجأة بين زملائها الذكور الذين ادهشهم اختيار امرأة لمثل هذا العمل. ومع ذلك، كانوا يعتقدون أن لديها قدرات واضحة لوظيفة الذكور تماما.
مرة واحدة ، تمكنت هاسبل من الحصول على معلومات حول عمل إرهابي وشيك في إحدى السفارات. وبفضل تنظيمها السريع لعملية التصدي للإرهابيين، كان من الممكن تحييد عمليتهم الوشيكة. لهذا، كرمها الرئيس جورج دبليو بوش بجائزة “الخدمة المتميزة في مجال مكافحة الإرهاب”.

شاركت هاسبل في الكفاح الفوري ضد الإرهاب في عام 2001. أصبحت هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة نقطة تحول في مسيرتها المهنية، التي استمرت فيها في مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة المخابرات المركزية.

أصبحت النجاحات في هذا المجال هي المفتاح لترقيها السريع في الخدمة. ومع ذلك، أصبحت أيضًا مصدرا للعديد من الانتقادات والاتهامات من الدوائر الليبرالية في الولايات المتحدة. كان السبب هو تورط هاسبل الشخصي في برنامج التعذيب الذي طبقته السي آي إيه في سجون سرية في العديد من البلدان الأجنبية. رسميا كانوا يطلقون على هذا البرنامج غير الإنساني تسمية “أساليب التحقيق الموسعة”. وكان أشهر مكان لتطبيق مثل هذا البرنامج هو سجن غوانتانامو الشهير.

تورط هاسبيل بقضية التعذيب، بدأ باستجواب الإرهابيين المشتبه بهم في أحد سجون وكالة المخابرات المركزية في تايلاند في أكتوبر وديسمبر من عام 2002. بالطبع لم تكشف الوكالة تفاصيل تلك الاستجوابات الرهيبة، بل سارعت لتدمير الفيديو ذات الصلة منذ عدة سنوات. تم ذلك دون علم البيت الأبيض والقيادة العليا لوكالة المخابرات المركزية. وفسر القرار بالقلق على أمن موظفي الوكالة، الذين كانت وجوههم واضحة بشكل جلي في تسجيلات الفيديو.

من المعروف فقط أن أحد التعذيبين كان “الإيهام بالغرق”، أي عندما يكون المعتقل مربوطًا ويدّلى رأسه بالماء، لذلك يتولد لديه شعور بأنه يغرق.

رسمياً، قامت هاسبل و CIA ككل فقط بما كان يسمح به التشريع الساري في ذلك الوقت. ولم تكن هناك تهم وعقوبات على مثل هذه الأساليب الوحشية الغامضة في الاستجواب.

في يونيو 2017 ، طلب المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) من السلطات الألمانية إصدار مذكرة اعتقال بحق هاسبل في قضية تعذيب المشتبهين بالإرهاب. ووفقاً لتقارير إعلامية، كان السبب في ذلك هو قضية أبو زبيدة، الذي تعرض للتعذيب 83 مرة في سجن سري تابع لوكالة المخابرات المركزية في تايلاند، كانت السيدة هاسبل تشرف على عمله، لكن لم يكن لهذه المبادرة أي مردود للمدافعين عن حقوق الإنسان لأن عمليات التعذيب ما زال يكتنفها الكثير من الغموض والضبابية.
في أوائل مايو الجاري، وخلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، وعدت هاسبل بعدم استئناف برنامج الاستجواب، الذي تعرض فيه المعتقلون في السابق للتعذيب.وقالت “لقد خدمت في ذلك الوقت المضطرب ويمكنني أن أعطيكم وعدا شخصيا واضحا وبدون تحفظ، فتحت قيادتي، لن تستأنف وكالة المخابرات المركزية مثل هذا البرنامج للاعتقال والاستجواب”.

وقالت هاسبل إنها تدعم المعايير القانونية لمعاملة المعتقلين، ولن تعرّض عملاء السي آي إيه لخطر “اتخاذ إجراءات محفوفة بالمخاطر ومثيرة للجدل”.

ذروة المهنة

بعد تجربة مشكوك في نتائجها من المدافعين عن حقوق الإنسان في تايلاند، تم نقل هاسبل للعمل في واشنطن. بعد ذلك، وفي سنوات مختلفة، تولت رئاسة مكاتب وكالة المخابرات المركزية في نيويورك ولندن، وشغلت مناصب في المكتب المركزي، وكانت نائباً لمدير المخابرات غير القانونية، ثم قادت طاقم مركز مكافحة الإرهاب في الـ CIA ، الذي كان يدير برنامج الاعتقالات السرية.

في فبراير عام 2018، عينها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نائبا لمدير وكالة المخابرات المركزية، وبعد نقل مايك بومبيو إلى منصب وزير الخارجية، اقترح رئيس الدولة هاسبل لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية.

وكتب ترامب على تويتر مدافعا عن هاسبل بعد اتهامها بالتورط في عمليات التعذيب والاعتقالات السرّية :”جينا هاسبل، مرشحة محترمة بدرجة كبيرة لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، إنها مستهدفة بالهجمات لأنها كانت شديدة القسوة مع الإرهابيين. وفكروا في هذا، في هذه الأوقات الخطيرة للغاية، لدينا أكثر الأشخاص المؤهّلين لهذا المنصب، لكن الديمقراطيين يريدون إبعادها عنه، لأن قبضتها قاسية جدا على الإرهاب. النصر لجينا”.

وعلى الرغم من أنها وعدت بعدم استخدام التعذيب ضد المعتقلين، إلا أنها لا تزال تعتبر الإرهابيين التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، ولكن ليس فقط في نفوسهم.

وقالت هاسبل في شهادة مكتوبة إلى مجلس الشيوخ قبيل تعيينها: “التهديدات تتغير باستمرار، ولكن لا يزال الخطر المميت يتأتى من الجماعات الإرهابية، ومن التهديد النووي للولايات المتحدة من دولة مارقة، ومن زعزع الاستقرار بسبب السياسة المغامرة لإيران، ومن العدوانية، وأحيانا الوحشية الروسية، وكذلك العواقب المنتظرة على المدى الطويل على الساحة العالمية من طموحات الصين”.

عشق هاسبل للعمل الاستخباراتي هو الأمر الأهم في حياتها، ويتقدم حتى على علاقاتها وحياتها الأسرية، ففي سنة انضمامها إلى وكالة المخابرات المركزية، أقدمت على الطلاق من زوجها الأول والأخير، واحتفظت منه فقط باسم عائلتها على الرغم من أنها لم تنجب منه أطفالا على مدى سنوات اقترانها به.

لا يشك أنصار تعيين هاسبل في أن أمينة المكتبة السابقة التي تحمل وجه ملامح وجه جدّة، ستثبت نفسها وتنجح في منصب رئيسة إحدى أقوى وكالات الاستخبارات في العالم. فعلى مدى السنوات التي قضتها في وكالة المخابرات المركزية، أظهرت نفسها كامرأة ذات قبضة حديدية، حتى لو كانت هذه القبضة على وشك ارتكاب الكثير من الخطايا والأخطاء.

المصدر
روسيا اليوم
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى