العرب تريند

كيف تعرض تحركات ترامب بشأن القدس الأردن للخطر؟

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تقريرا حول تأثير تحركات الرئيس الأمريكي في القضية الفلسطينية، واعترافه بالقدس المحتلة “عاصمة لإسرائيل” على الأردن.

وقالت الصحيفة إن “الصفقات المزعزعة للاستقرار بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تعرض المملكة الأردنية للخطر”.

وفيما يلي التقرير كاملا الذي ترجمته “عربي21”:

من بين جميع عمليات التخريب السياسي التي قام بها ترامب خلال سنته الأولى في البيت الأبيض، كان أشدها بطلانا قراره الشهر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. فبذلك يكون قد أغلق الباب تماما على إمكانية الوصول إلى وضع الدولتين كحل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو الحل الذي يصبح بموجبه الجزء العربي الشرقي المحتل من المدينة المقدسة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.

استولت إسرائيل على القدس الشرقية في حرب الأيام الستة عام 1967، ثم ضمتها إليها بشكل غير قانوني. وتشكل المدينة البؤرة القابلة للاحتراق دينيا من صراع يمكن أن يعود فيشتعل من جديد، على الرغم من أنه تراجع في الفترة الأخيرة؛ بسبب شراسة الحرب الأهلية في سوريا، والنضال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

إلا أن قرار الرئيس ترامب بشأن القدس من شأنه أيضا أن يقوض حليفا هشا للغرب هو الأردن، الذي طالما كان مرتكزا للاستقرار في المنطقة.

تنحدر المملكة الهاشمية في الأردن، والمتمثلة حاليا في الملك عبد الله، من سلالة النبي محمد. يعتقد المسلمون أن النبي عرج به إلى السماء من قبة الصخرة، والتي تقع في الحرم الشريف الكائن داخل المدينة القديمة. ويشتمل الحرم الشريف على المسجد الأقصى، الذي يطلق عليه اليهود اسم جبل الهيكل. جرت العادة، التي تكرست بما تم الاتفاق عليه في معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع إسرائيل في عام 1994، على أن الهاشميين هم رعاة الأماكن المقدسة الإسلامية (والمسيحية) في القدس، ولذلك فإن أي تغيير في وضع المدينة يوجه ضربة لمصدر شرعيتهم. ينضوي ذلك على ما يكفي من الخطورة، ولكن لا يتوقف الأمر عنده.

معظم سكان الأردن هم من الفلسطينيين، والذين هم في الأصل لاجئون خرجوا من ديارهم بسبب الحروب العربية الإسرائيلية في عام 1948 وفي عام 1967. والآن يسعى اليمينيون المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، والذين شد أزرهم وقوى عزيمتهم الاعتراف الأمريكي بالقدس، إلى ضم أجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية والتي يستعمرها المستوطنون اليهود. ليس هذا فحسب، بل لقد أحيوا من جديد شعارهم القديم “الأردن هو فلسطين”، حيث يصرون على أن الفلسطينيين لديهم دولة قائمة هي الأردن. وهذا أمر وجودي بالنسبة للأردن الذي بات قادته يخشون أن يطلق الإسرائيليون شرارة خروج ثالث للفلسطينيين عبر نهر الأردن، الأمر الذي سيخل بشكل خطير بالتوازن السكاني الهش داخل المملكة.

بعد تحرك ترامب بشأن القدس، أعلن الملك عبد الله أمام مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، وهي المظلة التي ينضوي تحتها سبعة وخمسون بلدا مسلما، أن الحل التوافقي لمشكلة القدس هو “المفتاح لإنهاء النزاع التاريخي في الشرق الأوسط.” يذكر أن منظمة التعاون الإسلامي تأسست قبل ما يقرب من نصف قرن، كرد فعل على الهجوم الحارق الذي تعرض له المسجد الأقصى. وها هي المنظمة اليوم ترد على عملية الحرق السياسي التي مارسها الرئيس الأمريكي بإعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين. هل هو مجرد خطابات فارغة بلا فعل؟ نعم، في الأغلب. ومع ذلك، ما من شك في أن هذا الإجراء يحتوي داخله على نواة لحرب دينية جديدة حول القدس، وفرصة سانحة لمن يريد أن يستغلها من المتطرفين.

بينما بات السلوك الأرعن للسيد ترامب معروفا ومعهودا، فإن ثمة لغزا يستعصي على الفهم. إنه موقف المملكة العربية السعودية في ظلم سيطرة ولي العهد الشاب، الأمير محمد بن سلمان، على مقاليد الأمور فيها. لقد انتقد السعوديون خطوة الولايات المتحدة تجاه القدس، ولكن من أرسلوهم ممثلين إلى قمة منظمة التعاون الإسلامي للمشاركة في النقاش حولها كانوا من صغار المسؤولين في الدولة.

ومارس السعوديون ضغوطا على الأردن؛ حتى يسير على نهجهم. إلا أن الملك عبد الله خالفهم وذهب بنفسه إلى القمة. كما صوت الأردن داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الذي يندد بالخطوة الأمريكية، مجازفا بذلك بتعريض نفسه لانتقام أمريكي – يمكن في حالة الأردن أن يكلفه ما قيمته 1.2 مليار دولار سنويا من المساعدات. يقول الأردن إنه لم يتلق سوى ثلثي المساعدة التي يحتاجها حتى يتمكن من رعاية ما يقرب من مليون لاجئ سوري يعيشون الآن داخل حدوده.

مر الأردن بظروف صعبة مشابهة في عهد والد عبد الله، الراحل الملك حسين، الذي كان يعتبر النموذج الذهبي للاعتدال العربي الموالي للغرب في زمنه، والذي شارك في خمسة وأربعين اجتماعا سريا مع إسرائيل بحثا عن السلام معها. كان الملك حسين يعلم أن العرب كانوا على الأغلب سيمنون بهزيمة أمام إسرائيل في عام 1967، ومع ذلك فقد شارك في الحرب، ما كلفه فقدان الضفة الغربية والقدس الشرقية لصالح إسرائيل. ثم نأى بنفسه عن التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لإخراج صدام حسين من الكويت في 1990 / 1991، مع إدراكه بأن ذلك كان سيعرضه للإقصاء ولفترة من الفقر والعوز.

كل ذلك كان يبرر باسم الحاجة إلى الحفاظ على الشرعية. في نهاية المطاف، لقي جد الملك حسين (الجد الأكبر للملك الحالي عبد الله)، البراغماتي الأكبر الملك عبد الله الأول، حتفه في حادثة اغتيال على عتبات المسجد الأقصى في عام 1951، على إثر حملة شنت ضده اتهم فيها بالتعاون مع إسرائيل الصهيونية.

يسود الاعتقاد الآن في أوساط بعض الناس داخل الأردن وفي غيره من أرجاء العالم العربي بأن المملكة العربية السعودية متواطئة مع الولايات المتحدة في فرض حل على الفلسطينيين يخدم إسرائيل بشكل سافر – وأن القدس هي الدفعة الأولى المستحقة. وفعلا، لقد اجتمع محمد بن سلمان بشكل منتظم مع صهر السيد ترامب، جاريد كوشنر، والمفوض من قبل الرئيس الأمريكي بإنجاز “الصفقة النهائية”.

وبناء على ما يمكن استخلاصه من الفلسطينيين الذين أصابهم الذهول، يتمثل الحل المقترح في إقامة حكومة أشبه ما تكون بالمجلس البلدي الكبير داخل كانتونات مقطعة الأوصال في الضفة الغربية وعاصمتها بلدة أبو ديس المجاورة لمدينة القدس. وقد تُضم هذه المنطقة، والتي هي أشبه بالقنبلة الموقوتة، إلى الأردن المستضعف رغما عنه.

قد تقع محاولة تجريب هذا الأمر، وهو نوع من الخيال الخطير، في عهد الرئيس ترامب. كما تحوم الشكوك حول رغبة آل سعود في الاستحواذ على رعاية الأماكن الإسلامية داخل القدس وانتزاع رعايتها من الهاشميين. ويذكر في هذا الصدد أن جد محمد بن سلمان هو الذي انتزع الأماكن المقدسة في كل من مكة والمدينة من الهاشميين حربا في عام 1925. الشرعية أمر بالغ الأهمية. ولطالما فضل ملوك آل سعود الظهور بمظهر خدام الأماكن المقدسة بدلا من أن يسموا ملوكا. ومع ذلك تظل القدس بعيدة المنال.

إضافة إلى ذلك، يعتبر الملك عبد الله زعيما معتدلا في منطقة تكاد الزعامة السنية الوسطية فيها تتلاشى تماما. يقول محمد بن سلمان إنه يرغب في إحياء مثل هذه الزعامة، ولكن يبدو في الوقت الحالي أنه يعمل على تقويض واحد من نماذجها النادرة.

 عربي 21
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى