العالم تريند

قصة موزع جرائد .. صار يجالس قادة العالم

لم يولد غالبية أصحاب الملايين وفي أفواههم ملعقة من ذهب، بل كافحوا ونال التعب واليأس منهم أحيانا، لكنهم تسلحوا بعزيمة لا تلين وإصرار لا يقف أمام عائق.

وتذخر السير الذاتية بعديد بنماذج تستحق إلقاء الضوء عليها ليستلهم ذو الطموح منها العبر وتمنحه دافعاً لتحقيق آماله، ولا يخفى على السواد الأعظم منا ما كابده مؤسس شركة علي بابا الصينية وأغنى رجل في الصين، جاك ما، عندما تقدم للعمل في مطاعم كنتاكي وتم قبول جميع المتقدمين إلا جاك.

صاحب قصة اليوم هو بيل مكديرموت، المدير التنفيذي لمجموعة البرمجيات الألمانية “ساب” الذي بدأ حياته وترعرع في أسرة كادحة في لونغ آيلاند القريبة من مدينة نيويورك الأميركية. وحصل على وظيفته الأولى عندما كان في سن 11 عاماً كموزع للجرائد، لكي يتمكن من مساعدة عائلته مالياً، وفقا لموقع بي بي سي عربي.

ثم توالت فرص العمل في مطعم إيطالي، ومحطة وقود، ومتجر، قبل أن يبدأ العمل في محل لبيع الشطائر قرب مقر سكنه.

ويقول مستذكراً ماضيه: “أحببت جميع الوظائف الصغيرة التي عملت بها، سواء كانت توزيع الجرائد، أو العمل في أحد المتاجر. أحببت العمل لأني أردت أن أكون شخصاً ذا شأن”.

عندما رغب صاحب محل بيع الشطائر أن يوقف نشاطه التجاري، عرض عليه مكديرموت ذو الـ 16 عاماً أن يشتري منه ذلك المحل. لم يكن لديه المال اللازم، ولكن في إظهار مبكر لموهبته في عقد الصفقات تمكن من إقناع صاحب المحل أن يقرضه بعض المال.

وقد حقق نجاحاً في العمل في ذلك المحل لدرجة مكنته من تمويل دراسته الجامعية، وسداد ديونه، وشراء منزل لقضاء العطلات لوالديه.

وقد دخل عالم الشركات الكبيرة عام 1983 عندما تولى وظيفة مبيعات بمستوى مبتدئ فيما كان يعرف وقتها بشركة تصوير المستندات الضخمة “إكسيروكس”.

وقضى مكديرموت، مدير شركة ساب الألمانية، حوالي 10 ساعات في غرفة العمليات بعد أن سقط عن السلم في منزل أخيه، وكان يحمل كوبا زجاجيا من الماء، فانكسر الكوب وتشظى في وجهه وعنقه.

وعندما تعافى بعد العملية التي كلفته إحدى عينيه، كان أول ما فكر فيه هو الاتصال هاتفياً بشركة ساب ليُطمئن زملاءه أنه بخير. وبعد شهرين من ذلك، عاد مكديرموت إلى عمله.

“لم يخطر ببالي حتى في الخيال أنني لن أعود للعمل”، هكذا قال مكديرموت متحدثاً في مقر شركة ساب بأمريكا الشمالية في نيويورك.

وتعد العودة السريعة للرجل البالغ من العمر 57 عاماً إلى عمله مؤشرا إلى الدافع وأخلاقيات العمل التي يتحلى بها، والتي ساعدته على الارتقاء من محل لبيع الشطائر عندما كان في سن 16 عاماً ليصبح من أعلى مديري الشركات الألمانية العامة دخلاً.

وقد تم منحه العام الماضي 21.8 مليون يورو (24.8 مليون دولار و19.5 مليون جنيه استرليني) كراتب وعلاوات.

لم يخف مكديرموت طموحه. ويشير في مذكراته لعام 2014 أنه قال لمدير التوظيف في شركة إكسيروكس: “سيدي، آمل يوماً ما أن أصبح المدير التنفيذي للشركة”.

وقد لمع نجم مكديرموت بسرعة من بين صفوف الموظفين في إكسيروكس، لكنه في النهاية شعر بالإحباط بسبب معاناة الشركة في التكيف مع التغيرات الناجمة عن التقدم في مجال الكمبيوتر والبريد الإلكتروني.

في عام 2000، بعد 17 عاماً، غادر عمله إلى وظيفة في مجموعة جارتنر للاستشارات وأبحاث الأعمال، ومن ثم عمل في شركة البرمجيات “سيابل سيستمز”. وفي عام 2002، دعته شركة ساب ليقود ويعيد تنشيط مبيعاتها في أميركا الشمالية.

بعد ذلك بثماني سنوات، جرى تسميته مديراً تنفيذياً مساعداً للشركة بكاملها. ويقول عن ذلك: “كانت تلك الخطوة التي كنت أنتظرها طوال حياتي. شعرت أخيراً، على الأقل لبضعة أيام، أنني وصلت إلى ما أريد”.

وفي عام 2014، تولى مكديرموت منصب المدير التنفيذي للشركة، ليكون بذلك أول أميركي يرأس الشركة، والأميركي الوحيد الذي يقود شركة مسجلة في مؤشر داكس، المؤشر الوحيد للأسهم الألمانية.

وقد أثارت الترقية مخاوف من إنهاء عقود موظفين في الشركة وقلق امن أن تواجه شركة ساب عملية “أمركة” لا يرغب بها الألمان، حسب تقارير إخبارية في ذلك الوقت.

وتساءل كذلك زملاء سابقون له في شركة إكسيروكس ما إذا كان يمكن لأميركي ذي شخصية مؤثرة أن يقود شركة ألمانية بهذا الحجم.

وقالت آن مولكاهي، المديرة التنفيذية السابقة في إكسيروكس لشبكة سي إن بي سي العام الماضي: “بيل يتمتع بشخصية مؤثرة. أعني أننا جميعاً نريده أن يكون ناجحاً في ساب. لكن ينبغي أن أخبرك أننا كنا جميعاً نردد: ‘هل يمكن أن ينجح ذلك؟'”.

ويقول مكديرموت إنه “لم يتأثر بالشكوك” حول كونه مناسباً لقيادة شركة ساب. على العكس من ذلك، فقد تمكن من قيادة الشركة للتوسع في مجالات جديدة بهدف الحفاظ على الشركة، ومواكبة التغيرات الهائلة التي تشهدها برمجيات الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات.

وقدمت الشركة- التي يمتد عمرها إلى 46 عاماً- تحت إدارته سلسلة من عمليات الشراء لتوسيع منتجاتها، مقتحمة مجال التخزين السحابي.

وارتفعت العائدات بصورة كبيرة إلى حوالي 23.5 مليار يورو (26 مليار دولار) العام الماضي، أي أعلى بحوالي 90 في المئة من 2010 عندما تولى مكديرموت في البداية منصب المدير التنفيذي المساعد.

وخلال الفترة ذاتها، زادت أرباح شركة ساب إلى أكثر من الضعف، وارتفع سعر سهمها من 38 يورو إلى 94 يورو، مما جعلها أكبر الشركات قيمة في مؤشر داكس للأسهم الألمانية.

يقول مكديرموت إنه سواء في ساب أو في إكسيروكس، كان يطبق الدروس التي تعلمها من خلال عمله في محل “ديلي” الصغير لبيع الشطائر عندما كان يافعاً.

ويضيف: “في هذا العمل بشركة ساب أو في متجر صغير قديم لبيع الشطائر، الأمر دائماً يتعلق بفهم ما يريده الزبون في المستقبل وليس فقط ما يريده اليوم”.

ويقول بول سوندارز، مدير الأبحاث في مجموعة جارتنر، إن ما تقوله شركة ساب من كلام عن خدمة الزبائن أحياناً لا يتطابق مع الواقع، مشيراً إلى الجدل الذي ثار مؤخراً عن كيفية كشف الشركة عن رسوم معينة تتقاضاها من الزبائن.

ويضيف سوندارز: “لقد اعترفوا بهذه الأخطاء، لكن تأثيرها على الزبائن لا يتلاشى بسرعة”.

ومع ذلك، كما يضيف، فالجاذبية الشخصية لمكديرموت ينبغي أن تكون رصيداً للشركة في محاولتها للتطور من مجرد كونها “مجموعة من المهندسين الفنيين الألمان الأذكياء، إلى شركة تفهم حقاً ما تحتاجه الشركات والأعمال”.

ويستمر العقد الحالي لمكديرموت حتى عام 2021. ومهما يحدث في المستقبل، فهو يقول إنه ليس لديه نية للتوقف أو الإبطاء في وتيرة نشاطه وعمله، مؤكداً: “أنا عامل وأحب العمل، وسوف أعمل على الدوام. التقاعد بالنسبة لي يمثل عقابا”.

المصدر
البيان
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى