قطر

عام على حصار قطر: الهوة تتعمّق والبيت الخليجي يزداد شرخاً

بحلول الخامس من حزيران/يونيو الجاري، يمرّ عام كامل على الأزمة الخليجية، ولا تبدو في الأفق بوادر أمل أو مؤشرات إيجابية لحل أعنف خلاف سياسي يضرب دول مجلس التعاون، وما يزال العالم يتساءل عن الأسباب الحقيقية و»المقنعة» التي دفعت دولاً خليجية (السعودية، والإمارات، والبحرين، مدعومة بمصر) إلى فرض حصار بري وجوي وبحري على قطر فجأة، ومن دون سابق إنذار أو بوادر خلاف معها!
بعد مرور 365 يوماً من الأزمة، لم تقدم دول الحصار أي أدلة مقنعة للعالم حول دوافع قرارها الذي لم يحظ بدعم أيِّ من الدول الكبرى أو المنظمات الدولية، باستثناء دول صغيرة، أعلنت في بداية الأزمة قطع علاقاتها مع قطر، تحت تهديد الضغوط السياسية والمالية للمملكة العربية السعودية والإمارات، قبل أن تستعيد تلك الدول علاقاتها بالدوحة سريعا، في صورة تشاد، والأردن التي تتجه إلى تطبيع علاقاتها بالدوحة تدريجياً، بدءاً بعودة التعاون الاقتصادي وتبادل زيارات بين مسؤولي البلدين.

«حوار الطرشان»

على الرغم من تفاؤل الوسيط الكويتي وتشبّته بعودة اللحمة إلى البيت الخليجي مجدداً، وإعلان الدوحة المتواصل استعدادها المبدئي للحوار، فإن الدول المتسبّبة في الأزمة لا تبدو مقتنعة، أو على الأقل مستعدة لطي صفحة الخلافات! وتُفضل الاستمرار في منطق «حوار الطرشان» في التعامل مع النداءات الدولية الملّحة لوقف الحصار الذي تسبّب في شتات آلاف العائلات والأسر الخليجية، وحرمانها من حقوقها الأساسية!
وقد لخّص نائب رئيس الوزراء وزير الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ما يحدث من شقاق في البيت الخليجي في إحدى تصريحاته مؤخراً، بالقول: «قبل الحصار بأيام لم تكن هناك أزمة، ولذلك فإن ما حدث ليس بأزمة خليجية، على قدر ما هو عداء للسياسات القطرية، ما أدى لاختلاق أزمة مفتعلة»، معتبراً أن «حصار دولة قطر مرتبط برغبة دول الحصار في بسط نفوذها وفرض سياساتها على المنطقة».
وجدد آل ثاني موقف الدوحة الثابت والمبدئي لحل الأزمة الخليجية عبر الحوار، إلا أنه قال إن «دعوة قطر للحوار كسبيل لحل الأزمة ليست شيكا على بياض ليتم فرض الشروط عليها».
وأضاف: «نحن مستعدون للحوار وبحث المخاوف وفقا للقانون الدولي، ودون المساس بسيادة قطر ومقدرات شعبها، ونرى هذه العوامل منطقية، ومتى ما قبلت بها دول الحصار فنحن موجودون».
ومع مرور الأيام؛ تزداد الخلافات بين الإخوة الأشقاء في مجلس التعاون تجذّراً، وتتوالى التصريحات التي تجعل الشعوب الخليجية تقتنع بأن الحل لن يكون غداً، في ظل «تعنّت» دول الحصار، وتقلّب مواقفها، في صورة تنازلها عن مطالبها الثلاثة عشرة في بداية الأزمة، قبل أن تعود لتتّخذها شماعة تعلّق عليها اخفاقاتها وافتقادها للحجة ورفضها للحوار، في مقابل إجماع دولي على رفض تلك المطالب واستحالة تنفيذها، كما جاء على لسان وزير الخارجية الألماني الأسبق الذي وصفها تلك المطالب بـ «الاستفزازية».
وجاء تقرير صحيفة «لوموند» الفرنسية ليؤكد عمق الهوة وانعدام الثقة بين الفرقاء الخليجيين، حيث كشفت الصحيفة عن تهديد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشن ضربة عسكرية ضد قطر إن حصلت على مضادات الصواريخ الروسية «أس 400»، ومطالبته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التدخل لوقف الصفقة المتوقعة بين الدوحة وموسكو، والحيلولة دون حصول قطر على تلك المنظومة الدفاعية التي تحوزها الرياض أصلا!
وتعكس خطوة «أم ب اس» – كما يختصر الإعلام الغربي تسميته – حدة الغضب والمخاوف التي تسكن صناع القرار في دول الحصار من التقدم الذي تحققه الدوحة، واتساع رقعة إنجازاتها وطموحاتها الاستراتيجية، ولجوئها إلى تحصين نفسها اقتصادها وقدراتها العسكرية والاعتماد على نفسها مستقبلا، في مواجهة مخاطر عسكرية وأمنية، قد تأتيها مستقبلا من دول خليجية جارة، بعد أن باتت درجة الثقة معدومة بين الفرقاء الخليجيين، في محيط إقليمي ملتهب.

سنغافورة الخليج

وبعد مرور 365 يوماً، تجمع العديد من التصريحات والتقارير لحكومات ومنظمات دولية وخبراء دوليين على أن القرارات السياسية والاقتصادية العقابية المفروضة على الدوحة، و»تنمّر» دول الحصار على الجارة الخليجية الصغيرة، لم يخضع قطر في ظرف أشهر كما توقع خبراء الدول المحاصرة، ولم يدفع الدوحة للتنازل أو التراجع عن سياستها الخارجية ومشاريعها الطموحة لتصدر مؤشرات النمو والتقدم العالمية، وفي مقدمتها مونديال 2022 الذي أبانت الاعترافات المتكررة لمسؤولي دول الحصار بأنه أحد الدوافع الحقيقية التي أثارت غيرتها وغضبها، ولم تتقبّل أن تكون قطر نموذجا لسنغافورة جديدة في المنطقة، تنافس الإمارات والسعودية.
وعلى الصعيد الداخلي، أثبتت قطر نجاحها في تجاوز الحصار، لدرجة أن أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أعلن صراحة أن الحصار جعل بلاده أقوى مما كانت عليه، مخاطباً دول الحصار بقوله «نحن بألف خير من دونهم».
والواقع أن تصريحات أمير قطر لم تكن من قبيل «البروباغندا» الموجهة للاستهلاك الإعلامي، أو محاولة لرفع معنويات شعبه، بل إن الدوحة أثبتت فعلا، بشهادة العديد من الدول وتقارير المنظمات الأممية والحكومية، أنها تبلى بلاء حسنا بعد عام من الحصار، وأنها تجاوزت الأزمة في ظرف قياسي، وأثبتت استقرار مؤشراتها الاقتصادية والإنمائية، موازاة مع نجاح قطر في كسر محاولات خصومها لفرض عزلة دبلوماسية عليها.

دبلوماسية التعقل

على الصعيد الدبلوماسي، أثبتت الدوحة خلال عام من الحصار نجاحها دبلوماسيتها الهادئة والعقلانية في مواجهة آلة دبلوماسية وإعلامية سعت جهدها لـ «شيطنة قطر».
لم توفر الدبلوماسية السعودية والإماراتية والبحرينية والمصرية أي جهود لمحاولة إقناع العالم بعزل قطر، وطردها من المنظمات الدولية، وفرض عقوبات عليها، بحجة «دعم قطر وتمويلها للإرهاب» لكن تلك الحملات لم تجد صدى إيجابيا، ولم تقنع الدول الكبرى، ولا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بالتخلّي عن الدوحة حليفا استراتيجيا في مكافحة الإرهاب، كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزعماء آخرين.
وعلى النقيض من طموحات دول الحصار، كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مناوراتها العسكرية مع قطر التي نجحت في عقد أكبر عدد من صفقات التسلح خلال عام واحد. وجاء الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي الأول من نوعه مع دولة عربية، ليعلن تمسك واشنطن بالحليف القطري، وعدم استعداده نقل القيادة الجوية المركزية من قاعدة العديد، رغم الضغوطات والإغراءات السعودية الإماراتية.
وبالمثل، رفضت دول الاتحاد الافريقي الخضوع لـ «ابتزازات» دول الحصار، واتخذت لنفسها موقفاً محايداً من الأزمة الخليجية، تماماً مثل دول آسيا وأمريكا اللاتينية.
وأثبتت قطر، الدولة الصغيرة مساحة، أنها عصيّة على التطويع والتركيع من قبل خصومها الخليجيين الذين ردّدوا مراراً كحال وزير الخارجية السعودي أن «مشكلة قطر صغيرة جدا جدا»، لكنها تحولت إلى كابوس يؤرقهم ويحاربونه في كل خرجاتهم الدبلوماسية والإعلامية. وقد ولّدت سياسات دول الحصار ردود فعل عكسية، وأثمرت حركات احتجاجية لشعوب طاردت المسؤولين بدول الحصار في محطاتهم الخارجية، وووجهوا بسيل من الانتقادات بسبب حصارهم للشعب القطري وما خلفته حروبهم الاستنزافية في اليمن ومناطق أخرى من العالم.
اقتصادياً، واجهت قطر منذ بداية الحصار حربا اقتصادية شرسة، بشهادة تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لأجل حثّ الدول والشركات الكبرى على سحب أموالها من بنوك الدوحة، والتشكيك في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية، بما في ذلك مشاريعها الاستراتيجية، وفي مقدمتها ملاعب مونديال 2022.
وبعد عام من الحصار، أثبتت قطر نجاعة رؤية 2030 في التنبؤ بالأزمة التي أولدت همة في نفوس القطريين، فقرروا الانتقال من اقتصاد استهلاكي قائم على الاستيراد، إلى اقتصاد منتج، قوامه الاعتماد على النفس وتشجيع المؤسسات الوطنية والاستثمارات القطرية، موازاة مع الانفتاح على أسوق خارجية جديدة.
وخلال 365 يوماً حققت قطر منجزات تفوق ما حققته في سنوات طويلة، بتدشين ميناء حمد، وفتح خطوط بحرية دولية جديدة، موازاة مع افتتاح مصانع لإنتاج المواد الغذائية، وشركات وطنية جعلت القطريين يكتشفون قدرتهم على الاعتماد على النفس، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية خلال سنوات قليلة، بعدما كانوا يستوردون أكثر من 80 في المئة من احتياجاتهم الغذائية من دول الحصار نفسها.

المعركة الحقوقية

على الصعيد الإنساني، كانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر أول من خرج إلى العالم في اليوم الثاني من الحصار لتؤكد أن ما تتعرض له قطر ليس مقاطعة دبلوماسية تكفلها العلاقات بين الدول، بقدر ما هي حصار جائر انتهك حقوق الآلاف من المواطنين والمقيمين في قطر ودول الحصار نفسها. وأثمرت لقاءات الدكتور علي بن صميخ المري مع أزيد من 450 شخصية ومنظمة دولية عبر31 جولة خارجية في إقناع العالم بعدم شرعية الحصار الجائر المفروض على قطر، كما جاء في تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتقرير المنظمات الحقوقية الدولية الأخرى.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى