تأثير التغير المناخي على درجات الحرارة في الشرق الأوسط

يشهد العالم اليوم تحولات مناخية غير مسبوقة، لكن الشرق الأوسط يبدو من أكثر المناطق تأثرًا بها، فبين موجات الحر الشديدة، والجفاف الطويل، والعواصف الرملية المتزايدة، أصبحت درجات الحرارة في المنطقة ترتفع بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي.
هذا التغير لم يعد مجرد نقاش علمي، بل واقع يعيشه الناس في حياتهم اليومية، من نقص المياه وارتفاع تكاليف الطاقة إلى تراجع الإنتاج الزراعي.
في هذه المقالة سنتعرف على أبرز مظاهر تأثير التغير المناخي على درجات الحرارة في الشرق الأوسط، وأسبابه، وتوقعات المستقبل وفق الدراسات الحديثة.
أولًا: ما هو التغير المناخي؟
التغير المناخي هو تبدّل طويل الأمد في أنماط الطقس ودرجات الحرارة على سطح الأرض، وينتج بشكل رئيسي عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.
هذه الغازات تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، فيما يُعرف باسم الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة على الكوكب، وتغير أنماط الأمطار والرياح والمناخ عمومًا.
ثانيًا: الشرق الأوسط.. بؤرة حرارة متزايدة
تشير تقارير منظمات البيئة الدولية إلى أن منطقة الشرق الأوسط ترتفع حرارتها بمعدل ضعف المعدل العالمي تقريبًا.
فخلال العقود الثلاثة الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في العديد من بلدان المنطقة بنحو 2 إلى 3 درجات مئوية، مقارنة بما كانت عليه في منتصف القرن العشرين.
ويُتوقّع، بحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2024، أن تشهد المنطقة مزيدًا من الارتفاع يتراوح بين 4 إلى 6 درجات مئوية بحلول عام 2100، إذا استمرت الانبعاثات في الازدياد بنفس الوتيرة.
ثالثًا: الدول الأكثر تأثرًا في المنطقة
رغم أن جميع دول الشرق الأوسط تعاني من آثار التغير المناخي، إلا أن بعض الدول أكثر عرضة من غيرها، مثل:
الخليج العربي: حيث ترتفع درجات الحرارة صيفًا إلى مستويات قياسية تتجاوز أحيانًا 50 درجة مئوية.
الأردن وسوريا والعراق: تعاني من تراجع كميات الأمطار وتزايد موجات الجفاف التي تؤثر في الزراعة والمياه الجوفية.
اليمن والسودان: تتأثر بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الأمطار الموسمية، ما يؤدي إلى شح المياه وتهديد الأمن الغذائي.
لبنان وفلسطين: تواجه موجات حرّ متكررة غير معتادة، وحرائق غابات متزايدة في الصيف.
رابعًا: كيف يؤثر ارتفاع الحرارة على الحياة في الشرق الأوسط؟
الزراعة والمياه
مع ارتفاع درجات الحرارة، يزداد التبخّر وتقلّ معدلات هطول الأمطار، مما يؤدي إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية.
ففي الأردن والعراق مثلًا، انخفضت المساحات المزروعة بنحو 30% خلال العقد الأخير بسبب نقص المياه وحرارة الصيف.
المدن والطاقة
تستهلك المدن كميات أكبر من الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف، مما يزيد الضغط على شبكات الطاقة ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي بعض الدول الخليجية، تصل نسبة استهلاك الطاقة للتبريد إلى أكثر من 70% من إجمالي الطاقة المنزلية في فصل الصيف.
الصحة العامة
ارتفاع الحرارة يضاعف من مخاطر الإجهاد الحراري وضربات الشمس، خاصة بين كبار السن والعمال في الأماكن المكشوفة.
كما أن تزايد درجات الحرارة يؤدي إلى انتشار بعض الأمراض المنقولة عبر الحشرات، مثل حمى الضنك في المناطق الساحلية.
البيئة والتنوع الحيوي
الكائنات الحية في البيئة الصحراوية تعاني من فقدان المواطن الطبيعية، بينما تتراجع المساحات الخضراء في المناطق الجبلية والغابات.
كذلك، يؤدي ارتفاع الحرارة إلى تراجع الثروة السمكية نتيجة ارتفاع حرارة مياه البحر وتغير ملوحتها.
خامسًا: الظواهر المناخية المتطرفة
التغير المناخي في الشرق الأوسط لا يظهر فقط في ارتفاع درجات الحرارة، بل أيضًا في تزايد الظواهر المناخية القاسية، مثل:
العواصف الرملية والترابية التي تزداد كثافة وانتشارًا في الخليج والعراق.
الفيضانات المفاجئة في مناطق كانت جافة لسنوات طويلة، مثل جدة ومسقط.
حرائق الغابات في لبنان وسوريا والمغرب بسبب الجفاف الطويل وارتفاع الحرارة.
هذه الظواهر أصبحت أكثر تكرارًا وأطول مدة، مما يؤكد أن المنطقة تمر بمرحلة مناخية غير مستقرة.
سادسًا: ماذا يقول العلماء عن المستقبل؟
وفقًا لتقارير “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)”، إذا لم تتخذ الدول إجراءات عاجلة لتقليل الانبعاثات، فقد تصبح بعض مناطق الشرق الأوسط غير صالحة للسكن صيفًا بحلول نهاية القرن بسبب الحرارة العالية ونقص المياه.
كما تتوقع الدراسات أن تزداد أيام الحر الشديد (أكثر من 45 درجة مئوية) بنسبة 200% في بعض الدول، وأن تصبح مواسم الصيف أطول بـ 40 يومًا إضافيًا مقارنة بالوضع الحالي.
سابعًا: الحلول الممكنة لمواجهة التغير المناخي
لا يمكن وقف التغير المناخي بالكامل، لكن يمكن الحد من آثاره عبر خطوات عملية، مثل:
التحول إلى الطاقة المتجددة: كالطاقة الشمسية والرياح، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
إعادة التشجير وزراعة الأحزمة الخضراء حول المدن لتقليل درجات الحرارة.
تحسين إدارة المياه من خلال تحلية البحر وإعادة استخدام المياه الرمادية.
تبنّي تصاميم عمرانية ذكية تعتمد على العزل الحراري وتوفير التهوية الطبيعية.
رفع الوعي المجتمعي حول أهمية ترشيد الطاقة والمياه والتقليل من التلوث.
ثامنًا: دور الأردن ودول الخليج في مواجهة الظاهرة
بدأت العديد من الدول العربية اتخاذ خطوات جادة:
الأردن أطلق “الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2023–2050” التي تركز على خفض الانبعاثات بنسبة 30%.
الإمارات والسعودية تبنتا مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية مثل “مدينة مصدر” و”نيوم الخضراء”.
مصر استضافت مؤتمر المناخ (COP27) لتسليط الضوء على قضايا المنطقة البيئية.
هذه المبادرات تمثل بداية وعي حقيقي بخطورة الوضع وأهمية العمل الجماعي.
الخلاصة
يعد التغير المناخي في الشرق الأوسط تحديًا وجوديًا وليس بيئيًا فقط، إذ يهدد الأمن الغذائي والمائي والصحي والاقتصادي.
إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا لتقليل الانبعاثات والتكيف مع الواقع الجديد.
فكل درجة حرارة إضافية تعني حياة أصعب لملايين البشر، لكن الأمل يبقى قائمًا في أن توجّه المنطقة طاقاتها نحو مستقبل أكثر استدامة.