العرب تريند

نفاد المواد الغذائية… مطاحن غزة بلا طحين

عربي تريند_منذ منتصف الليل وحتى منتصف النهار، يقف المواطن خالد أبو معمر من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في طوابير طويلة على أمل تسلم رغيف خبز يقسمه على أطفاله، ويا ليته يتحصل عليه، فأصوات القذائف أسكتت هدير المطاحن، وأصبحت مخابز غزة بلا طحين.
ويسرد أبو معمر لـ”القدس العربي” مشقة البحث عن مواد غذائية، ورغيف خبز “اليوم خرجت من بيتي ونمت أمام مخبز الشام لأتمكن من الحصول على ربطة خبز، ولم أستطع الحصول إلا على عشرة أرغفه، أقوم بتقسيمها على أولادي وقت الغداء”.
قبل أسبوع لم يكن أبو معمر مضطراً للوقوف أمام المخابز، لتوفر دقيق الخبز في بيته، لكن بعد نفاده ومواد غذائية أخرى أجبر على البحث عما يسد جوع أسرته، كما يقول. ويضيف الرجل العشريني “مع انقطاع تام للمواد الأساسية في محال البقالة، وجدت أخيرا علبة بسكويت من الحجم المتوسط، ولكي تبقى العلبة مدة طويلة، أوزع طرفين من البسكويت على عائلتي وقت الفطور والعشاء مع شربة ماء”.
ولم يتبق داخل محل خالد قنديل، أمام مجمع ناصر الطبي في خانيونس إلا بضعة أكياس من ورق المناديل. يفسر ذلك خلال حديثه لـ”القدس العربي” أنه بعد نفاد السلع الغذائية والتموينية كافة داخل محله لم يجد المواطنون أي شيء لشرائه بسبب أن البضائع لم تعد متوفرة في الأسواق والمخازن التجارية نتيجة استمرار إسرائيل بإغلاق المعابر، ومنع دخول البضائع للقطاع.
محافظة خانيونس التي كان يقطن فيها منذ شهر نحو 300 ألف نسمة، أصبحت الآن ملجأ لأكثر من مليون نازح من غزة، وكذلك بلدات بيت لاهيا، وبيت حانون، وجباليا شمالي القطاع، والعدد في ازدياد كل يوم، ما شكل ضغطًا على الخدمات، وأوقف كل أشكال الحياة.
محمد الغلبان (50 عاما) أحد سكان خانيونس، يقول: “كيس دقيق الخبز الذي كان يبلغ سعره 35 شيكلاً قبل الحرب والحصار، أصبح يباع بـ150 شيكلاً إن وجد أصلاً، نظراً لنفاد الوقود والغاز اللازم لتشغيل المطاحن من القطاع، ما قلّص عدد المخابز العاملة التي أعرفها بالاسم في مدينة خانيونس من 32 مخبراً إلى 3 فقط”.
الغلبان يبحث هو وابنه عن كيس دقيق فلا يجده، يكمل لـ”القدس العربي” إن “وجدنا اليوم سلعة غذائية فلن نجدها غدا، من زيادة الطلب للسلع، ولا يوجد في المحالّ شيء”.
أطفالي لا ينامون
“أنا كشاب بتحمّل لأيام بلا أكل وبدبّر حالي. ولكن عندي أطفالي أحياناً لا ينامون بسبب الجوع”، جملة قالها صهيب أبو جامع أحد النازحين من بلدة بني سهيلا إلى خانيونس، تعبر عن الهم والحزن والعجز وقهر الرجال، ويضيف خلال حديثه لـ”القدس العربي”: “المخابز لا تعمل، ولا المساعدات الغذائية التي أرسلتها الدول المانحة تتدفق إلى القطاع بصورة طبيعية، وحتى محال المواد الغذائية والأسواق باتت فارغة من البقالة والمعلبات وكل أنواع الطعام”.
ولا يعرف صهيب والآلاف مثله سوى الانتظار كل يوم في هذا الطابور الطويل على أمل الحصول على كسرة خبز تسدّ رمق صغارهم الذين لا حول لهم ولا قوة.
الدكتور الأكاديمي سالم قديح، يؤكد أن هذا التجويع الملموس في مختلف أماكن الإيواء ومراكزه في القطاع، سيؤثر بشكل قاطع في مستقبل أطفال غزة وصحتهم الجسدية والنفسية.
وحسب الدكتور المتخصص في الصحة العامة خلال حديثه لـ”القدس العربي” “يعاني هؤلاء الأطفال من الأمراض المزمنة ومن نقص الذكاء بسبب تأثر النمو، خصوصًا في ظل نقص الأدوية والفيتامينات المكملة اللازمة، فضلًا عن تأثير حرب التجويع على الأمهات المرضعات، وإنتاجهن من لبن الأم الضروري لاكتمال نمو الرضّع وأدمغتهم”.
وزاد: “سيسبب كل ما ذكرناه من سلبيات، التأخر في التعلم، وتنشئتهم على العنف والصدمة والخوف المستمر سيسبب تعاملا عنيفا مع أقرانهم ومع الناس، وسيؤثر فيهم عند كبرهم وفي أهلهم بالتبعية”.
كان بجانب الطبيب صديقه الذي يعمل معلماً لمادة اللغة العربية في مدرسة محمد النجار وسط المدينة، يقول: “تلك الحرب التي يمارسها الاحتلال على قطاع غزة بالتوازي مع حرب التجويع الوحشية، من حصار تام ومنع دخول الوقود والغذاء، وضرب الآبار، ومحطات الطاقة الشمسية المغذية للآبار، ومصادر المياه ومحطات التحلية، تمثل حرب إبادة وتطهيرا عرقيا بشكل قاطع”.
ووصف معلم اللغة العربية خلال حديث لـ”القدس العربي” تلك الحرب بأنها “أبشع أشكال المذابح والجرائم في تحدٍ واضح من دولة الاحتلال للتاريخ والحاضر والمستقبل والإنسانية، فحين يمنع المحتل عن الناس الماء والغذاء والدواء فهذه رسالة واضحة بأن الصهاينة لا يرون الفلسطينيين إلا حيوانات بشرية كما وصفوهم، محاولين فرض شريعة الغاب عليهم، غير معترفين بحقهم في أن يكونوا شركاء لهذا العالم بإنسانيتهم، ويكونوا جزءا من الحضارة التي تتغنّى بها إسرائيل ويتشدّق بها المجتمع الدولي ليلًا نهاراً”.
وإلى جانب أزمة الغذاء يعاني قطاع غزة أزمة مياه غير مسبوقة، فقبل الحرب كان نصيب الفرد من المياه في غزة 80 لتراً يومياً، إذ تبلغ الآن الحصة اليومية النموذجية 3 لترات فقط حسب مجلة “ذي إيكونوميست”.
ومعظم المياه يأتي من الآبار الزراعية، ما أشاع الأمراض والأوبئة والجفاف بين سكان القطاع وأطفاله الذين يضطرون لشرب المياه الآسنة الملوثة ومياه البحر لبل ريقهم وتحضير حليب الأطفال، وكذلك يعاني أهل القطاع من سوء الصرف الصحي، إذ صار الاستحمام رفاهية وجب عليهم نسيانها، وتحمل تبعاتها من أمراض جلدية

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى