لوموند: الحرب في غزة تزعزع الأنظمة العربية
عربي تريند_ قالت صحيفة “لوموند” إنه بينما تحتشد الشعوب في مختلف أنحاء العالم العربي من أجل القضية الفلسطينية، يشكل زعماء المنطقة جبهة موحدة ضد إسرائيل، خوفاً، بشكل خاص، من ألا ينجو النموذج الاستبدادي، الذي حاول الكثير منهم فرضه، من غضب الشارع.
الصحيفة الفرنسية، عادت إلى الخلف للتذكير بأنه خلال الحرب بين إسرائيل و”حماس”، في صيف 2014، استنكر الشارع الغزّي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي باراك أوباما. فلم يبدُ، وقتها، أن المشير، الذي وصل إلى السلطة قبل عام بفضل الانقلاب العسكري ضد جماعة “الإخوان المسلمين”، كان متعجلاً لفرض وقف إطلاق النار على إسرائيل. ففي القاهرة، كما هو الحال في أبو ظبي والرياض، بدا، حينها، أن الرغبة في توجيه ضربة حاسمة لحركة “حماس” الفلسطينية الإسلامية، هي السائدة، ما أثار استياء كبيراً من قطر. وساهمت الخلافات بينهم، آنذاك، في استمرار الحرب لما يقرب من خمسين يومًا، ومعها معاناة سكان غزة.
انفجرت التطلعات الفلسطينية في وجوه القادة العرب، بعد أن أهملوها بالاعتقاد بإمكانية إرساء استقرار إقليمي جديد من دون حل سياسي للصراع الإسرائيلي العربي
واليوم – تُوضح “لوموند”- وبعد مرور تسع سنوات على حرب على غزة، عام 2014، لا يوجد نشاز عربي في الوقت الحالي، إذ يشكل زعماء المنطقة جبهة موحدة ضد إسرائيل.. فمن القاهرة إلى عمان، ومن الرياض إلى الدوحة، لم يرد أحد إدانة الهجوم الذي نفّذته “حماس”، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على إسرائيل. ويلقي كل من الرئيس السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اللوم على الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المتكررة للعنف الجامح ضد الحقوق الفلسطينية. ويحثّون الدولة اليهودية على وقف قصفها على قطاع غزة، وينتقدون الدعم الأعمى الذي تقدمه لها الولايات المتحدة وأوروبا برفضها، باستثناء عدد قليل من الدول، الدعوة إلى وقف إطلاق النار، على الرغم من الخسائر المذهلة في صفوف المدنيين الضحايا وحجم الأزمة الإنسانية.
الأمن الإقليمي تحت التهديد
وتحت العنوان الفرعي: “الأمن الإقليمي تحت التهديد”، تابعت “لوموند” القول إن عودة القضية الفلسطينية أخرجت جميع خيارات التطبيع مع إسرائيل، التي تهز العواصم العربية منذ ثلاث سنوات، عن مسارها.
وانفجرت التطلعات الفلسطينية في وجوه القادة العرب، بعد أن أهملوها خطأ، بالاعتقاد بإمكانية إرساء استقرار إقليمي جديد من دون حل سياسي للصراع الإسرائيلي العربي.
فلم يستيقظ الغضب في الشوارع العربية أمام صور المجازر التي تعرّضَ لها المدنيون في قطاع غزة فحسب، بل أيضاً أمام البنية الأمنية الإقليمية برمتها، المبنية ضد إيران، والتي باتت الآن مهددة بخطر توسيع الصراع إلى جبهات أخرى. من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، سواء ضد إسرائيل، أو ضد دول الخليج.
ولم يكن أمام السعودية خيار سوى إنهاء المفاوضات، التي تقودها واشنطن، للتطبيع مع إسرائيل. وتحث الإمارات العربية المتحدة، التي تقود اتفاقيات أبراهام، الموقعة عام 2020، مع الدولة اليهودية، على قبول وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتحذّر مصر والأردن، أول دولتين وقّعتا السلام مع إسرائيل، عامي 1978 و1994، تل أبيب من تداعيات نقل سكان غزة والضفة الغربية إلى أراضيهما. ولا تدعم أي من هذه الدول “حماس”، رغم أنها دفنت أحقادها مع الحركة الإسلامية، و مع قطر وتركيا، الداعمتين للحركة سياسياً، بعد عشر سنوات من الربيع العربي.
وفي مقال بصحيفة “نيويورك تايمز”، يزعم المبعوث الأمريكي الخاص السابق للشرق الأوسط، دينيس روس، أن المسؤولين العرب يقولون له سراً إنه لا بد من تدمير “حماس” في غزة.
وأكد رئيس العلاقات الدولية للمكتب السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية موسى أبو مرزوق، يوم الأحد، هذا الشعور، في تصريحات نقلتها وكالة شهاب الفلسطينية، على ما تُشير “لوموند”.
الثورة المضادة في خطر
وتحت العنوان الفرعي “الثورة المضادة في خطر”، مضت “لوموند” قائلة إن “القادة العرب يشعرون بعدم الارتياح تجاه الحلفاء الغربيين الذين لا يفهمون المعضلة التي يجدون أنفسهم فيها: الشعور بالظلم الذي يتقاسمه الفلسطينيون والشارع العربي اليوم يهدد أنظمتهم ”، كما تنقل الصحيفة عن المحلل السياسي الفرنسي- اللبناني زياد ماجد. فهم (القادة العرب) يراقبون بقلق الغضب الشعبي الذي ينفجر ضد إسرائيل وحليفتها الأمريكية.
وتختبر القضية الفلسطينية حدود ثورتهم المضادة، والنموذج الاستبدادي للاستقرار والتنمية الاقتصادية، الذي حاولوا فرضه من خلال سحق كل التطلعات الديمقراطية. وتترك عمان والقاهرة هذا الغضب يعبّر عن نفسه في مظاهرات حاشدة، بينما تحاولان توجيهه حتى لا ينقلب عليهما.
وحتى الرياض، التي تحظر كل المظاهرات، أخذت زمام المبادرة وأجازت الخطب المطالبة بتحرير المسجد الأقصى في القدس. لأن ما يقلق الزعماء العرب السنة أيضاً أن تصبح إيران وأعوانها، “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس”، أبطالاً للقضية الفلسطينية في الشارع العربي بفضل الحرب التي يشنّونها ضد إسرائيل.
يزعم المبعوث الأمريكي السابق دينيس روس أن المسؤولين العرب يقولون له سراً إنه لا بد من تدمير “حماس” في غزة
واعتبرت “لوموند” أن كل يوم يمرّ في هذا الصراع يقدم انتصاراً لـ “حماس” وحلفائها، بعد أن اكتسحت الثورة المضادة “الإخوان المسلمين”، وتشوهت صورة “حزب الله” اللبناني الثورية بسبب دعمه العسكري للديكتاتور السوري بشار الأسد، منذ عام 2012: “هناك شعور حقيقي لدى الأنظمة العربية لصالح القضية الفلسطينية، لكن عليها أن تجد التوازن بين أمنها القومي وأمنها الإقليمي، بغض النظر عن القضية الفلسطينية. فليس لديها مصلحة في خسارة الترتيبات أو المناقشات السابقة مع إسرائيل”، يلخص حسين إبيش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. ويعتمد هذا التوازن على تطور الصراع في قطاع غزة، وما إذا كان سيمتد إلى خارج القطاع أم لا.
وتضيف “لوموند” القول إنه حتى لو تم تقييد هذا الصراع، فإنه سيجبر الزعماء العرب على السعي إلى حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على رأس جدول أعمالهم، وخاصة المملكة العربية السعودية، إذا أعادت فتح مفاوضات التطبيع مع إسرائيل.