العالم تريند

الاجتياح البري المؤجل لقطاع غزة.. خيارات صعبة ومصيرية للاحتلال في مواجهة المقاومة

عربي تريند_ كعادة الفلسطينيين، تعاملوا بسخرية وتهكم مفرطين مع زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى “غلاف غزة” يوم السبت، وذلك للمرّة الأولى منذ تنفيذ كتائب القسام عملية “طوفان الأقصى”.

ظهر نتنياهو في صور ومقاطع فيديو، مرتديا سترة واقية من الرصاص، وهو يصافح عددا من ضباط وجنود الاحتلال، ويحثّهم على الاستعداد لمواصلة القتال ضد قطاع غزة.

أما النشطاء الفلسطينيون، فقد قدموا ترجمة محرفة لمضمون الفيديو الذي يستهدفهم بمقدار ما يستهدف الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وقاموا بقلب الفيديو الذي أراد نتنياهو من خلاله طمأنة الجنود وتبيان مقدار استعدادهم للحرب البرية على القطاع، ليكون مصدرا للسخرية من الحرب الدعائية الإسرائيلية.

وإن كانت مواقف الفلسطينيين الشعبية تذهب نحو السخرية والتهكم، وهو ما لا ينفي الترقب والقلق، فإن فصائل المقاومة أبعد ما تكون عن ذلك، وتمثلت مواقفهم ببث كتائب القسام لفيديو يظهر تدريبات عناصرها تأهبا للدخول في الحرب البرية، والتصدي للدبابات بالصواريخ المضادة، ومهاجمتها وأسر مزيد من الجنود. أما سرايا القدس، فقد ظهر الناطق الرسمي باسمها “أبو حمزة” في كلمة مسجلة يوم الأحد، أكد خلالها أنها “أعدت جحيما لجنود الاحتلال الذين يتجهزون لاقتحام قطاع غزة”.

جاءت هذه المواقف مع وصول استعدادات الحشد في مناطق غلاف قطاع غزة إلى ما يقرب من 400 ألف جندي، وتصريحات للجيش الإسرائيلي أن قواته تستعدّ لتنفيذ مجموعة واسعة من الخطط العملياتية الهجومية ضد القطاع، والتي تشمل، من بين أمور أخرى، هجوما متكاملا ومنسّقا من الجو والبحر والأرض، بعد استكمال تعبئة قوات الاحتياط بمئات آلاف الجنود.

وكان السؤال الجدي الذي يطرحه اليوم كل المهتمين بملف الحرب الدائرة على قطاع غزة: متى تبدأ الحرب البرية على القطاع أمام قرارات تأجيلها لأكثر من سبب؟ وكيف سيكون شكلها في ظل تعقيدات الواقع في القطاع؟ وما مقدار الخسائر التي يمكن أن يتكبدها الاحتلال وكذلك المواطنون والمدنيون الفلسطينيون؟

مساء السبت الماضي، انتهت المدة التي حددها جيش الاحتلال لأهالي مدينة غزة بالنزوح نحو الجنوب، فيما قال جيش الاحتلال في بيان صحافي، إن ذراع البر وهيئة الشؤون التكنولوجية واللوجستية يعملون على إعداد قوات الجيش تمهيدا لتوسيع رقعة القتال، وأشار إلى إنشاء مراكز لوجستية أمامية لتزويد قوات الجيش بشكل سريع ومناسب بكل ما يلزمها، وذلك بعد نقل الآليات وحشدها قرب غلاف غزة.

فيما تجري الاستعدادات الإسرائيلية على قدم وساق للدخول البري إلى قطاع غزة، لكن تقارير صحافية أمريكية خالفت أحاديث الجهوزية، ففي تقارير وتصريحات صادرة عن جيش الاحتلالن فإنه أجّل بدء الاجتياح البري بسبب سوء الأحوال الجوية، وكثافة الغيوم والسحب، التي ستحد من إمكانية تغطية القوات البرية من الجو، وسيكون المرة الأولى منذ عام 2008 التي تحاول فيها إسرائيل السيطرة على الأراضي والاحتفاظ بها، حتى ولو مؤقتا.

وبحسب مصادر أمريكية، فإن إدارة بايدن تحاول الدفع بإسرائيل نحو إرجاء عمليتها البرية كي يكون من الممكن تأمين ممر آمن للفلسطينيين داخل القطاع.

لكن في المقابلة المطوّلة للتلفزيون الإسرائيلي مع رئيس الموساد السابق (يوسي كوهين) حذّر مراراً من التسرّع في الهجوم البري، مُفضلاً خيار الحصار الخانق الطويل، وكان صريحاً في الإشارة إلى إمكانية عجز وفشل الجيش “الإسرائيلي” في مهامه القتالية، ومن هنا أهمية الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة.

ولا يعتبر هذا التحذير الأول، كما أنه ليس الأخير الذي بدأ الاحتلال يسمعه من مؤسسات ومراكز بحثية وخبراء عسكريين. وبحسب الباحث السياسي الفلسطيني عبود حمايل، فإن الكثير من الصحف والمراكز البحثية الأوروبية والأمريكية، بدأت تغير وجهتها في تفسير وتأويل الحدث يوم السبت الماضي، بما فيه الحث على ضبط دولة الاحتلال، إما بالدخول البري، أو بالحصار، أو بالقصف العشوائي.

ويضيف: “لربما لن يكون ذلك مهما في ظل سير المعارك ولكنه مهم على مستوى آخر، أن المركز الإمبريالي بدأ يفكر خارج حماقات بايدن ومواقفه الأولية التي أتاحت حملة انتقام مسعورة”.

ويفسر أكثر من مراقب، الاندفاع العسكري الأمريكي في المنطقة، بأنه قراءة للوقائع على الأرض. حيث تشير إلى أن الأمريكيين على الأقل، باتوا يشككون بقدرة الجيش الإسرائيلي على فعل أي شيء أبعد من القصف؛ وبات لديهم قلق وجودي يتحسبون فيه أنهم قد يضطرون للتدخل لمنع انهيار كيان الاحتلال.

وفي ذات السياق، كشف موقع “والا العبري” نقلا عن مصادر دبلوماسية مطلعة، أن إيران نقلت رسائل للاحتلال من خلال الأمم المتحدة، بأنها ستدخل في المعركة إذا استمر الهجوم على غزة، وهو أمر قد يفسر جزئيا تأجل الدخول البري. وبحسب ذات الموقع، فإن وزير الخارجية الإيراني قال لممثل الأمم المتحدة، إنهم غير معنيين بالتصعيد لكن لديهم خطوط حمراء، وإذا تجاوزتها دولة الاحتلال فإنهم سيشاركون مباشرة في الحرب.

بدوره، قال رئيس الموساد الإسرائيلي الأسبق داني ياتوم: “يجب علينا النظر دائما باتجاه الشمال، وأن نضع في الاعتبار أنهم جهزوا لنا مصيدة إستراتيجية، وليس مجرد مصائد تكتيكية، لأننا عندما ندخل إلى غزة سيسحبوننا إلى هناك مع سبق الإصرار، وعندها يمكنهم تحقيق إصابة قوية جدا.. يجب التعامل مع هذا الأمر بالتخطيط السليم”.

مأزق العملية
بدوره كتب الباحث زياد ابحيص حول “مأزق العملية البرية” قائلا إنه “لا يمكن أن يستبعد أن صناعة مناخ من الحيرة حول العملية البرية وحجمها وموعدها يخدم التضليل والخداع بحثاً عن قدرٍ من المفاجأة؛ إلا أن العنصر الأهم والأبرز من وجهة نظري، يكمن في كون العملية البرية مأزقاً يهرب منه الاحتلال، فهي آخر الخيارات العسكرية على قائمته ضمن عقدة آخذة بالتكرس منذ اجتياح جنين 2002 ثم مجزرة الدبابات في وادي الحجير عام 2006، ومعركة الشجاعية في 2014”.

ويقول ابحيص: “تركت هذه المعارك الثلاث جراحاً غائرة في وعي الجندية الصهيونية الآخذة بالتآكل، والتي يتراجع فيها منسوب الإرادة والتضحية بشكل مستمر عبر عقودٍ من الزمن”.

ويرى أن “النظرية الغربية في هذه الحرب مبنية على جوهرٍ أساسي هو استثمار فارق الإمكانات لصالح الجيش النظامي عبر خمس ركائز، الأولى عبارة عن التفوق الاستخباري، والثانية بناء استحكامات دفاعية معقدة من الأسيجة والكهرباء والكاميرات والمجسات والأبراج وحقول الألغام، والثالثة توظيف التكنولوجيا الهجومية من خلال أدوات التوجيه والرصد بحيث تضرب مفاصل القيادة والتحكم عند المقاتلين غير النظاميين، والرابعة المبادرة المستمرة لاستنزاف الطرف الأضعف لمنعه من المراكمة. وأخيراً بإعداد الجنود لخوض حرب العصابات من خلال محاكاة الواقع وإضفاء مرونة على التشكيلات العسكرية مع زيادة قدرة مختلف الأذرع المقاتلة على التكامل الميداني”.

ويشدد ابحيص أن هذه الركائز الخمس كانت قلب خطة “تنوفا” لتحديث الجيش الصهيوني منذ 2019 وقد تُوجت وفق تصريحات قادته في مناورة “عربات النار” صيف 2022.

ويرى أن الاحتلال يعيش في معضلة في ظل وقائع الميدان، وهي تطرح مجموعة من السيناريوهات في رد فعل الجيش الإسرائيلي، أما الأول فهو أن يكون الاحتلال قد حضّر قوة خاصة بديلة لهذه اللحظة، تكون صغيرة العدد فائقة التدريب وخبيرة بالأرض، بحيث تتمكن من فرض اختراق فوري مضاد لموازنة المشهد، ومجريات المعركة تقول إن هذا الخيار ليس موجوداً. والثاني: أن تتمكن عبر التفوق الاستخباري والذخيرة الدقيقة من الوصول إلى أهداف مؤثرة في منظومة قيادة المقاومة، والثالث: الذهاب إلى الضغط على القاعدة المدنية بالقتل العشوائي وإلحاق أكبر ضرر ممكن وشلّ كل مناحي الحياة، والتركيز على الحصار والطيران، وهو ما اختاره الصهاينة، والرابع: هو الذهاب بعد القصف الشديد لعملية برية قائمة على الحجم والزخم، على صف أرتال الدبابات والحديد لتكتسح ما أمامها وتفرض الاقتحام، مع تحمل الثمن المتوقع لغاية التمكن من الاختراق.

استراتيجية الجنون
أما الباحث عبود حمايل، فيرى أن دولة الاحتلال تراهن على أمرين اليوم: “أولًا، إمكانية ردع حلفاء المقاومة في غزة، وثانيا، إمكانية القضاء على جبهة غزة دون تدخل حلفاء المقاومة”.

وأضاف أن الاحتلال يسعى لنقل المعركة إلى الخصم في ظل مغالاة خطابية ورؤى ضبابية، مما يشير إلى أننا أمام أشكال متعددة من التخبط والغموض والمجهول على مستوى القرارات التي يتم اتخاذها.

وبحسب حمايل، فإنه وفي ظل الأهداف التي وضعها الاحتلال لحربه على غزة (أولا تحقيق انهيار في الأنظمة الاجتماعية والمؤسساتية القائمة، وثانيا تدفيع المدنيين في غزة ثمنا كبيرا، وثالثا محاولة ضرب البنية التحتية العسكرية وفتح ممرات جديدة تمهّد لعملية الدخول البري) فإنه هناك شكوكا في قدرة الاحتلال على القيام بحملة برية ناجحة، وأن الدخول إلى غزة قد يؤدي إلى إغراق دولة الاحتلال في إشكاليات أكثر من نجاحات.

ويصف حمايل الاستراتيجية الإسرائيلية بأنها تقوم على “الجنون” في الوقت الحالي. فهي تسعى لإسكات كل الأصوات المعارضة وترهيب مناصري فلسطين في العالم الجنوبي والشمالي. ولأن هناك مصالح تريد القضاء على جبهة غزة في العالم العربي، فإن دولة الاحتلال تمتلك مساحة واسعة من العمل وحرية التحرك بما في ذلك العمل العسكري القائم على “الاستثناء” وتعليق قواعد الحرب السابقة والتي كانت تسعى لإحقاق المجزرة ومنسوبها والتي ارتبطت بالصواريخ الدقيقة، والتحذير المسبق. بمعنى أننا اليوم أمام مجزرة دون قواعد، أو على الأقل هكذا تبدو في أدواتها، حيث تتبع دولة الاحتلال منطقا انتقاميا خالصا، تهدف عبره لانتزاع أكبر عدد من أرواح المدنيين الآمنين لتقيم ميزان دم جديد.

ويطرح سؤالا: “هل تستطيع دولة الاحتلال الوفاء بوعودها أمام حلفائها؟ هل يمكنها القضاء على المقاومة بحملة برية أو جوية؟”.

ويجيب أن الصعوبة الرئيسية التي تواجه دولة الاحتلال هي أنها قد تستطيع نظريا تدمير غزة، ولكنها ستجد صعوبة كبيرة في تدمير المقاومة. هذه المعادلة تجعل من أي حرب برية مفترق طرق حاسما في تاريخ دولة الاحتلال، حاسما أكثر من الضربة الأولى، لأنها أيضا تفتح نفسها بهذا القرار إلى إمكانية تحويل الهزيمة الأولية إلى هزيمة أعمق في حال قيامها باجتياح بري، ورغم خسائرها البشرية فيه، تفشل في القضاء على المقاومة.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى