المغرب العربي

موقع بريطاني: في تونس.. يقف الناس في طوابير الخبز ويعودون بسلال خاوية

عربي تريند_ نشر موقع “ميدل إيست آي” في لندن، تقريرا أشار فيه إلى أن تونس تعيش وسط أزمة مالية عميقة، حيث فرغت المتاجر من المواد الغذائية الأساسية، في وقت تفكر الحكومة بحزمة الإنقاذ التي تتفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي.

وقال ستيفن كويلين، إن أهل تونس يذهبون إلى المخابز في الصباح ليعودوا وسلالهم فارغة. ففي الساعة السابعة صباحا كان الطابور قد تشكل أمام مخبز محلي في حي باب جديد بالعاصمة تونس. وتفرغ الرفوف بسرعة من خبز الباغيت المسعر بـ 0.07 دولار، حيث يتزاحم الشباب والكبار لشراء هذه المادة الغذائية التي تتناقص يوميا.

وقال رجل كبير في السن: “علينا أن نحضر مبكرا وإلا فلن نحصل على الخبز.. أحيانا أقف 15 دقيقة أو أكثر لكي أحصل على الباغيت”، والمشهد في باب جديد يتكرر حول البلاد.

أهل تونس يذهبون إلى المخابز في الصباح، ويقفون في طوابير طويلة، ليعودوا وسلالهم فارغة

فمن المدينة الشمالية بنزرت، إلى جربة في الجنوب، وتطاوين، يشتكي التونسيون من الطوابير الطويلة وتناقص إمدادات الخبز. فهو مكون مهم في الطعام التونسي خاصة لأطباق الملوخية والعجة والشكشوكة.

لكن الخبز ليس هو البعيد المنال فقد، فالأطباق التي يدخل القمح في مكوناتها مثل الطحين والكسكس والباستا باتت نادرة بشكل متزايد، إلى جانب المواد الغذائية الأخرى مثل الأرز والسكر. وفي أحياء العاصمة الراقية التي يمكن الحصول فيها على الأطعمة الشهية مثل فطائر “فواغرا” في المتاجر، فإن الرفوف عادة ما تخلو من المواد الأساسية.

وقال علاء الدين المقيم في سيدي بوزيد، وسط تونس: “لو انتظرت للظهر فلن تجد الخبز في أي  مكان.. لا تكلف نفسك بالحصول عليه في المتجر المحلي، فهو متوفر فقط في المخبز”.

ويقول الاقتصاديون إن جذور المشكلة نابعة من محاولات الحكومة تغطية المواد المدعومة التي اعتمد التونسيون عليها لوقت طويل. وقال طارق بوعصيدة، الاقتصادي التونسي: “طالما قامت الدولة التونسية بتوفير المواد الأساسية خاصة المواد الغذائية مثل الخبز والباستا والكسكس، ولكن مع الأزمة الاقتصادية، أصبح الأمر صعبا”.

وفي ظل العجز بمليارات الدولارات في الميزانية والديْن الدولي المتزايد، توقفت الحكومة عن بيع الطحين المدعم لمئات المخابز الخاصة في الأسبوع الماضي، مما أدى إلى إضرابات يوم الإثنين. وتنتج تونس ما معدله 1.1 مليون طن من القمح في العام، لكن الاستهلاك يقدر بحوالي ثلاثة ملايين طن.

ومن أجل مواجهة احتياجاتها المحلية، تعتمد تونس بشكل كبير على القمح الروسي والأوكراني واليوناني والروماني. ولكن موسم إنتاج القمح المحلي هذا العام تراجع بنسبة 60% مما زاد الأمور سوءا وفاقم أزمة الخبز.

تنتج تونس ما معدله 1.1 مليون طن من القمح في العام، لكن الاستهلاك يقدر بحوالي ثلاثة ملايين طن. وتراجع موسم إنتاج القمح المحلي هذا العام بنسبة 60%

ويعاني اقتصاد تونس من الاضطرابات منذ عام 2011، والمشاكل السياسية ووباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، مما أضر بخزائن الدولة. وأدت الحرب في أوكرانيا لاختفاء المنتجات التي تقوم على الحبوب، مما أدى لندرة المنتجات في المحلات والمتاجر.

وفي غياب التحسينات في اقتصاد الدولة منذ استحواذ قيس سعيد على السلطة في 2021، تفاقمت أزمة نقص القمح لأدنى مستوياتها. وبحسب الجمعية غير الحكومية “قاتل ضد اقتصاد الرعاية” تأخرت تونس عاما كاملا عن دفع المال لجهاز دعم الحبوب، مما أجبرها على تخفيض الاستيراد بنسبة 30% هذا العام.

ويقول فاضل كبوب، الاقتصادي والأستاذ في جامعة دينسون، ورئيس المعهد الدولي للازدهار المستدام، إن نقص الخبز والمواد، وتحديات دعم المواد الغذائية، هي نتاج عقود من السياسات الفاشلة، و”في قلب المشكلة، أننا خسرنا سيادتنا على الطعام، ودائما ما نستورد أكثر مما نصدر، ونقترض أكثر مما نستثمر… نحن نقترض للاستهلاك”.

وللحد من استيراد القمح، حاولت الحكومات التونسية المتعاقبة معالجة الموضوع، إما بزيادة تدريجية للأسعار، أو تخفيض حجم رغيف الخبز.

إلا أن بعض هذه الجهود أدت لحالة من الغضب وتظاهرات شعبية عامة. وفي عام 1984 وبضغط من صندوق النقد الدولي، أوقفت حكومة الحبيب بورقيبة الدعم عن القمح والسميد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 100%. وشهدت البلاد ما سمي بتظاهرات الخبز التي خلفت عشرات القتلى، قبل أن تتراجع الحكومة عن تلك السياسة.

وأظهر سعيد ترددا في قطع الدعم كما يطالب صندوق النقد الدولي، مقابل منحه 1.9 مليار دولار كحزمة مساعدات. وكان حلّه للمشكلة بأنه يجب إنتاج “نوع واحد من الخبز” وأمر بعدم تزويد المخابز الخاصة بالدقيق المدعم، واستخدامه في منتجات أخرى كلفتها أعلى.

كان حلّ قيس سعيد للمشكلة، بأنه يجب إنتاج “نوع واحد من الخبز” وأمر بعدم تزويد المخابز الخاصة بالدقيق المدعم

ومنذ آب/ أغسطس، منعت وزارة التجارة 1500 مخبز خاص من شراء الدقيق المدعم، مما عرّض تجارتها للخطر وأدى لتظاهرات. وقال كبوب: “يمكن للحكومة أن تأتي  بطرق إبداعية لقطع الدعم، وأن تحصل على الأموال من صندوق النقد الدولي، بدون أن يشعر الرأي العام”، مضيفا: “من الصعب معرفة كيف سيحدث هذا”.

إلا أن الحل الأكثر ديمومة لمشكلة الأمن الغذائي في تونس هو “استراتيجية متماسكة وشاملة للاستثمار في سيادة الطعام وعلم بيئة الزراعة”.

وبالنسبة للطبقة العامة في تونس، ففكرة إنهاء الدعم لا يمكن التفكير بها. ويقول نور الدين، المستهلك المنتظم في مخبز باب جديد: “يجب أن يكون مؤقتا.. وقف الدعم سيقود للفوضى”.

إلا أن محمد الذي يدير المخبز، يقول: “أعتقد أن هذه بداية النهاية لوقف الدعم عن الخبز، ولو كان هذا هو الحال، فسيكون التونسيون هم الضحية في نهاية المطاف”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى