العرب تريند

في اليوم الثالث للأزمة السودانية: الخرطوم لم تتعود على الحرب ومخاطر الحرب الأهلية تزداد وسط تدخل من الخارج

عربي تريند_ لم يتعود السودانيون في تاريخهم على مشاهدة حروب الشوارع في عاصمتهم، صحيح أنهم شاهدوا عسكريين في دباباتهم يحتلون الكباري والجسور تحضيرا لانقلابات إلا أن المعارك الدائرة في الخرطوم هي ظاهرة جديدة. وكانت آخر مرة شاهد فيها السودانيون العنف هي عام 2019 عندما قتل أكثر مئة محتج ورميت جثث عدد منهم في نهر النيل، وكانوا يطالبون بخروج العسكر من السياسة وتسليم الحكم إلى المدنيين، كان ذلك بعد نهاية حكم عمر حسن البشير.

 واليوم يخوض جنرالان حربا من أجل السيطرة على مصير السودان. في الماضي كانت أخبار الحرب تأتي من غرب، شرق أو جنوب السودان أما اليوم فهي دائرة في قلب عاصمة الحكم. وفي تقرير أعدته إزابيل كوي وديكلان وولش لصحيفة “نيويورك تايمز” قالا إنه في تاريخ البلد من العنف الإبادي والتمردات فإن مشاهد المعارك الجارية في العاصمة جديرة بالملاحظة، فحتى الآن كانت الحروب تحدث في الهوامش الجغرافية والسياسية في الدولة الأفريقية الواسعة. فعلى مدى العقود خاض الجيش السوداني حروبا في الجنوب والغرب والشرق من البلاد، وقاد القتال لانفصال الجنوب عام 2011 وحرب إبادة في إقليم دارفور في غرب السودان وخسارة أراض ونزاعات حدودية مع الجارة أثيوبيا: كل هذا أدى إلى أعداد ضخمة من القتلى والتشريد والمعاناة.

قتل في الحرب الأهلية في الجنوب حوالي مليوني شخص قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاقية أدت إلى انفصال الجنوب

وأشار الكاتبان إلى الحرب الأهلية في الجنوب التي طالب فيها منشقون جنوبيون بالاستقلال عن الحكومة المركزية في الخرطوم. وقتل في الحرب حوالي مليوني شخص قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاقية أدت إلى انفصال الجنوب. يذكر أن تلك الحرب استمرت أكثر من ثلاثة عقود. ثم جاءت بعدها الحرب في دارفور واستمرت ما بين 2003- 2008 وقتل فيها أكثر من 300.000 شخص وشرد الملايين، حيث قامت الميليشيات المسلحة بتدمير وترويع القرى في الإقليم. وقادت المذابح لاتهام الجنائية الدولية الرئيس السابق عمر البشير بجرائم ضد الإنسانية. ومن أهم الرموز في النظام السوداني الحالي والذي يتصارع مع قائد الجيش على السلطة كان الفريق محمد حمدان دقلو أو حميدتي الذي قاد جماعات الجنجويد في دار فور. ويقود حميدتي الآن قوات الدعم السريع، مركز الخلاف مع الجيش.

 ثم هناك الخلافات الحدودية على الأراضي مع إثيوبيا، وفي منطقة الفشقة التي تعتبر من المناطق الزراعية الخصبة. وزاد النزاع في نهاية عام 2021 بعدما شن مسلحو التيغراي حربا ضد الحكومة في أديس أبابا. ودخلت القوات السودانية إلى المناطق المتنازع عليها وطردت المزارعين الإثيوبيين، وقتلت أعدادا من سكان المنطقة، ورغم توقف القتال إلا أن النزاع الرئيسي لا يزال قائما. ثم هناك النزاع في منطقة النوبة حيث اندلعت المواجهات بين القوات السودانية والمتمردين النوبة في جنوب ولاية كردفان بعد ظهور حركة الانفصال في الجنوب حيث دعم مقاتلو النوبة المتمردين في الجنوب. وهرب الآلاف من قراهم وسكنوا الكهوف، في وقت قالت فيه منظمات الإغاثة إن هناك نقصا في المواد الإغاثية. وتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار عام 2016. ولكن الحرب الآن انتقلت للعاصمة.

وقالت الصحيفة إن المعركة للسيطرة على السودان دخلت يومها الثالث، مشيرة إلى أن حوالي 100 شخص قتلوا حتى الآن بسبب القتال بين الجيش والميليشيات المسلحة.

وقال عبد اللطيف ضاهر في تقرير له من العاصمة نيروبي، إن واحدة من كبرى الدول في أفريقيا انزلقت عميقا في العنف نتيجة التنافس بين جنرالين على حكم السودان في شمال- شرق أفريقيا. ولا يعرف بعد من استطاع تحقيق السيطرة رغم زعم كل طرف تحقيق انتصارات مهمة.

وعانى السودان ولعدة عقود تحت ديكتاتورية العسكر والانقلابات وعدم الاستقرار السياسي وحكومات متعاقبة أشرفت على القمع والعنف الإبادي، وبخاصة في دار فور. وكافح البلد للتخلص من تاريخه المضطرب حتى بعد نهاية حكم البشير الطويل في 2019. واستطاع الجنرالات وعلى مدى السنوات الماضية توطيد حكمهم وقتل المدنيين وسجنهم في محاولة لإحباط عملية الانتقال للحكم الديمقراطي.

ويغلي الخلاف بين اللواء عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان، والفريق حميدتي منذ فترة وتحول إلى مواجهة عنيفة بين قواتهما يوم السبت. وأدى العنف لتلاشي الآمال في التحول الديمقراطي ويهدد بأزمة إنسانية واسعة في بلد يواجه وضعا إنسانيا خطيرا وتزايدا في الجوع والبطالة. وقال سكان العاصمة الخرطوم إنهم شاهدوا تصعيدا في الطلعات الجوية للمقاتلات والمروحيات والتي باتت تحلق حول العاصمة والمنطقة القريبة من مطار الخرطوم الدولي. وقالت مواطنة إنها لجأت مع 10 أشخاص من ضمنهم أفراد عائلتها “كأنها تحلق فوق رؤوسنا”.

وقال أحد سكان منطقة كافوري، شمال الخرطوم إن المقاتلات ضربت موقعا تابعا لقوات الدعم السريع، كما أصاب صاروخان الحي، مما أدى لتهشيم النوافذ وهز البيوت فيه. وخاض الطرفان حرب شوارع في عدد من الأحياء بالعاصمة بما فيها حيا الرياض وبري. وبقي معظم سكان الخرطوم عالقين في بيوتهم بدون كهرباء أو ماء في الأيام الأخيرة من شهر رمضان.

وقالت نقابة الأطباء السودانيين المركزية إن 41 شخصا قتلوا معظمهم في الخرطوم، مما يرفع عدد القتلى إلى 97 منذ اندلاع المواجهات. وأدت المواجهات إلى حالة من القلق العالمي حيث دعا القادة في المنطقة والعالم إلى جانب المنظمات الإنسانية الطرفين إلى وقف القتال. وقال وزير الخارجية الأمريكي يوم الإثنين إن القلق مشترك بين الولايات المتحدة وحلفائها وحث الجنرالين على “التأكد من حماية المدنيين وغير المقاتلين والمواطنين من دول أخرى”.

حرب أهلية

 وعلقت صحيفة “فايننشال تايمز” أن ثالث دولة في أفريقيا تشهد صراعا على السلطة بين الرئيس ونائبه، حيث ظهر كلاهما كزعيمين للبلد في المرحلة الانتقالية بمرحلة ما بعد البشير. وتحول التنافس بين الرجلين إلى حرب مفتوحة، في وقت بات الكثيرون يخشون من انزلاق البلد نحو حرب أهلية.

كلا الطرفين لديه قواعد حول البلد وكلاهما يتعامل مع النزاع وكأنه معركة وجودية

وقال آلان بوزويل من مجموعة الأزمات الدولية “كلا الطرفين لديه قواعد حول البلد وكلاهما يتعامل مع النزاع وكأنه معركة وجودية. وهذا نزاع واضح على السلطة وحول من سيسيطر على السودان”، مضيفا “لقد أدت هذه الحرب لتلاشي أي أمل بعودة سريعة إلى الحكم المدني”. وكان البرهان وحميدتي مسؤولين رسميا عن نقل البلد إلى حكم المدنيين، لكن الآمال تلاشت بعد استقالة عبد الله حمدوك عام 2022 وفي أعقاب انقلاب نظمه الاثنان عام 2021. وقال تشيدي أودينكالو، من مدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس: “كان الزواج بين البرهان وحميدتي دائما، زواج مصلحة ولم يكن ليدوم”.

والآن وقد اندلعت المعارك، فقد بات رجال البرهان يطلقون على حميدتي وصف المجرم ووضعوا ثمنا على رأسه، أما حميدتي فقد أخبر قناة الجزيرة بأنه يجب تقديم البرهان للعدالة وإلا “مات مثل الكلب”. ونقلت الصحيفة عن الملياردير السوداني مو إبراهيم قوله إنه لا البرهان أو حميدتي كانا راغبين في التنازل عن السلطة والمصالح المالية التي تأتي معها و”كل منهما لديه رهانات كثيرة وليس السلطة فحسب بل والاقتصاد والمال”. وتسيطر القوات المسلحة على معظم المصالح الاقتصادية في البلد، فيما اهتم حميدتي بمناجم الذهب ودعم الجيش المقاتلين في ليبيا واليمن.

وعلقت الصحيفة أن تصعيد الحرب يعني تداعيات إقليمية، فقد كانت السعودية والإمارات من الداعمين الكبار للمجلس العسكري الانتقالي الذي كان حميدتي لاعبا فيه. وقال دبلوماسي غربي إن السعودية والإمارات داعمان لحميدتي منذ انقلاب عام 2019. وقال “لقد قدموا له الكثير من المال خلال العشر سنوات الماضية، وهو قوي الآن بسبب الدعم الذي قدموه له”، أما مصر فقد كانت داعمة للبرهان. وتعتبر السعودية والإمارات جزءا من المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين تدعمان التحول الديمقراطي وتسهل المحادثات. وكلاهما قلق على التجارة حول البحر الأحمر. ودعت الرياض وأبو ظبي في التصريحات العلنية الطرفين لوقف القتال.

وحذر بوزويل من مجموعة الأزمات من أن تجر الأزمة المنتشرة حول البلاد “لاعبين من الخارج وتنتقل عبر الحدود إن لم يتم السيطرة عليها حالا”. وقال أليكس دي وال، المستشار السابق للاتحاد الأفريقي بشأن السودان إن مخاطر التصعيد عالية. والطرفان متساويان في القوة، فالجيش لديه قدرات قتالية أما حميدتي فلديه المال والخبرة. وقال “يبدو أنها بداية حرب أهلية” و”كلا الطرفين لديه قاعدة دعم مسلحة وخائفة من بعضها البعض، ولا يوجد طرف في السودان لديه القدرة على التدخل”.

وقال عمر دغير من حزب المؤتمر السوداني، أحد الأطراف السودانية في التفاوض على حكومة مدنية إنه لم يفقد الأمل بالتحول الديمقراطي “الأولوية الآن هي وقف القتال بين المكونين العسكريين داخل الجيش. وأعتقد أنه لا بديل عن العملية السياسية وتشكيل حكومة مدنية”. وقال إبراهيم إنه يخشى من عدم استعداد الجيش للتخلي عن السلطة، حيث حكم البلاد في معظم الوقت منذ استقلالها عام 1956، ويوافق أن البلد لن يتقدم بدون التحول الديمقراطي. وقال “ليس لدي فكرة حول كيفية نهاية هذا” و”لو كان لدي أمنية فهي هزيمة الطرفين في الجيش، والسودان سيكون في حالة أفضل بدونهما”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى