العالم تريند

 استمرار النزيف برغم التسوية.. إلى أين تتجه الأزمة الداخلية الإسرائيلية بعد تعليق نتنياهو التشريعات؟

 عربي تريند_ قال رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ إنه عقب إعلان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو إرجاء المصادقة على التشريعات القضائية، فتحت فرصة لحوار حقيقي ومسؤول. معرباً عن أمله بأن وقف التشريعات سيعمل على تهدئة الخواطر، وإخماد ألسنة اللهب، والدفع نحو تسوية توافقية واسعة. وتابع: “لا شك أننا الآن أمام لحظة حساسة. جدران العداوة والريبة عالية جداً، وأكثر مما كان في الماضي، وعلينا أن نتحلّى بالمسؤولية”.

لكن قادة الاحتجاجات أعلنوا أنها مستمرة، فيما انقسمت المعارضة حيال ذلك، بعدما أعلن الائتلاف الحاكم أنه قام بإنهاء كل التحضيرات اللازمة لطرح أهم قانون في خطة الإصلاحات (قانون انتخاب القضاة) للمصادقة عليه في القراءة الأخيرة داخل الكنيست، بحال لم تنجح مفاوضات التسوية، وهذا ما اعتبرتْه أوساط سياسية وإعلامية كثيرة مؤشراً على نوايا خبيثة مبيتة لدى نتنياهو.

الانقسامات بدأت تتفاقم نتيجة أسباب داخلية وتحوّلات اجتماعية وديموغرافية تغيّر وجه المجتمع الإسرائيلي.

 فيما أعلن حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد، و”الحزب الدولاني” برئاسة بيني غانتس، عن تشكيل طواقم مفاوضات للحوار مع الائتلاف، يلتزم حزب “العمل” برئاسة ميراف ميخائيلي، الصمت. بينما دعا رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان لعدم المشاركة بالمفاوضات، وحذّرَ من أن نتنياهو يكذب ويخادع. ونبّه ليبرمان أنه لن يشارك ما دام الائتلاف الحاكم لم يسحب مشاريع القوانين التي يهدد بالمصادقة عليها.

مسدس على طاولة الحوار

وقبل تبليغ ليبرمان هرتسوغ بموقفه، عبر مكالمة هاتفية، كان ليبرمان قد قال، في تغريدة، إنه “كما حذّرتُ من قبل، نتنياهو يكذب مجدداً. بدلاً من الذهاب لحوار حقيقي واستعادة اللحمة بين الإسرائيليين. الائتلاف يبصق في وجه الجمهور، وهو يضع مجدداً نص قانون تغيير طريقة انتخاب القضاة على طاولة الكنيست. معنى ذلك القيام بأي لحظة بطرح مشروع القانون للمصادقة عليه نهائياً. هذا يعني أيضاً وضع مسدس على طاولة المفاوضات. لماذا هذا الاستعجال؟ وما الخطب الملّح؟ هذه ليست مفاوضات”.

 وسارع الائتلاف الحاكم للتوضيح بأنه لا ينوي طرح مشروع القانون للمصادقة عليه، زاعماً أن هذه خطوة تقنية بيروقراطية فقط.

وعبّر قادة حزبي “هناك مستقبل” و”الحزب الدولاني” عن تحفظهما من المبادرة، بعدما عَلِما بطرح الائتلاف الحاكم النصَّ النهائي لمشروع القانون الخلافي حول تعيين القضاة في إسرائيل. وأوضحوا أنهم فوجئوا بطرح مشروع القانون المذكور في الكنيست، رغم الاحتمال بأن يكون موجهاً بالأساس لإرسال رسالة لأحزاب اليمين، مفادها أن الائتلاف الحاكم لا ينوي إضاعة الفرصة لتشريع الإصلاحات القضائية. كما أكدوا أنهم لن يسمحوا بالتقدم في التشريعات في فترة الحوار، وأعربوا عن أملهم أن يدرك قادة المعسكر الآخر مسؤوليتهم.

 من جهته أوضح رئيس تحالف “الجبهة/التغيير”، النائب أيمن عودة، لـ “القدس العربي”، إنه، وزملاءه في الكتلة، سيشاركون في المفاوضات تحت رعاية رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، فور تلقيه دعوة منه للمشاركة، منبهاً أنه سيقوم بعرض موقف مختلف جوهري. وتابع: “هناك سنؤكد على أننا معنيون بديمقراطية حقيقية تنهي الاحتلال، وتكفل المساواة القومية والمدنية التامة للجميع”.

من جهته كان رئيس “القائمة العربية الموحدة” النائب منصور عباس قد أبدى موقفاً مشابهاً، وأوضحَ، في تغريدة، “أننا نريد أن نكون جزءاً من الحوار، وأن هذه ستكون غلطة إذا تم استثناء المواطنين العرب منه”.

كاذب ابن كاذب

ويبدو أن احتمالات نجاح المفاوضات ليست كبيرة، لفقدان الثقة بنتنياهو، الذي قال عنه وزير المالية في حكومته باتسلئيل سموتريتش إنه “كاذب ابن كاذب”، كما تبيّنَ من تسريب تسجيل صوتي من اجتماع داخلي، وهذا ما أكدّه وزراء الأمن السابقون إيهود براك وموشيه ياعلون وأفيغدور ليبرمان، اليوم الثلاثاء.  ويبدو أن نتنياهو لا يستطيع، وربما غير راغب (بسبب مصلحته بالسيطرة على الجهاز القضائي الذي يتقاضى أمامه بتهم فساد) بالتراجع فعلياً عن خطة الإصلاحات القضائية، وذلك لأن شركاءه في الائتلاف مصممون على تطبيق الخطة، وهو اليوم أيضاً يقف بين خسارة الخطة القضائية الإصلاحية، وبين خسارة حكومته، وعلى ما يبدو، سيختار الأخيرة. هذا يعني أن نتنياهو يطمع الآن في إثارة خلافات بين صفوف مكونات المعارضة، ويراهن على تخدير الشارع الإسرائيلي، وتهدئة النفوس، مستغلاً الرغبة الكبيرة لدى أغلبية الإسرائيليين بالخروج من المأزق، وعندها يعود لمواصلة تطبيق مخططته، هو ومن والاه في حزبه وائتلافه، وهذا ما يحذّر منه مراقبون ومسؤولون كثر.

الربيع والتطبيع العربييّن

على خلفية ذلك، من غير المستبعد أن تعود الاحتجاجات مع بدء الصيف، وعندها ستكون أكثر حدة وتحاملاً على الحكومة، في ظلّ وجود شكوك كبيرة بنوايا نتنياهو منذ البداية. لكن، حتى لو تمّت تسوية بوساطة رئيس الدولة، رغم كل المعيقات والتناقضات، فهناك ضرر حقيقي قد لحق بصورة ومكانة وهيبة الدولة، وليس الحكومة فحسب، وهناك احتمال بأن تنفجر مجدداً المواجهات الداخلية، في ظل وجود فجوة كبيرة في الموقف والرؤى بين المعسكرين المتناحرين، والأهم وجود فوارق وتغيرات وتوترات عميقة بين الدولة العميقة المسيطر عليها من قبل الصهاينة المؤسسين، وهم من اليهود الغربيين والعلمانيين، وبين من هم في رئاسة الحكومة من الشرقيين والتقليديين والمتدينين. هذه الانقسامات العميقة أجّجتْها خطةُ الإصلاحات القضائية التي أخطأ نتنياهو بطرحها دفعة واحدة، وبكمية كبيرة وبفظاظة السلطان المستبد، لكن

أحداث الربيع العربي، والتطبيع العربي، أقنعت الإسرائيليين بأن تراجعاً كبيراً قد طرأ على التهديدات الخارجية.

الانقسامات بدأت تتفاقم قبل ذلك نتيجة أسباب داخلية وتحولات اجتماعية (اتساع التديّن) وديموغرافية (زيادة طبيعية كبيرة لدى الشرقيين، وتناقص عدد الغربيين) تغير وجه المجتمع الإسرائيلي، ونتيجة عوامل خارجية، منها أحداث الربيع العربي، والتطبيع العربي التي أقنعت الإسرائيليين بأن تراجعاً كبيراً قد طرأ على التهديدات الخارجية التي كانت توحّد صفوفهم حتى الآن رغم التباينات، وإن كبرت.

انكسار الزجاج

في روايته الشهيرة “الزهير” يورد الأديب العالمي باولو كويهلو حِكماً وخلاصات حياتية تناسب البشرية كلّها، منها أن هناك أوقاتاً للتمزّق بين الناس، وأوقاتاً أخرى للترقيع. قال كويهلو “الترقيع”، ولم يقل “استعادة اللحمة”، فعندما ينكسر الزجاج ربما يكون ممكناً استعادة سلامته، لكن سيبقى هشاً متصدعاً، وهذا ما حذّر منه رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين بأعلى صوته، في خطاب “الأسباط” الشهير، ضمن مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015، وفيه أكد أن حالة الانسجام العميق بين الجماعات  المتنوعة في إسرائيل أخطر عليها من قنبلة إيران.

نتنياهو أرجأَ، ولم يلغ، التشريعات، والمعارضة، منذ الآن، لا تثق به، وهي الأخرى يفترض أنها ستعلّق الاحتجاجات في أحسن الأحوال، وستعود إليها أكثر قوة، وقد لا تتوقف، رغم المفاوضات.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى