العرب تريند

أصوات خارج سرب حكومة إسرائيل.. الصراع الداخلي يحتدم في سباق على أخطر قانون في “الإصلاحات القضائية”

عربي تريند _بعدما أرجأ خطابه، ليلة الخميس الماضي، دعا وزير الأمن في حكومة الاحتلال يواف غالانت، في بيان صحفي، متلفز وقصير، الليلة الفائتة، لوقف المظاهرات ووقف “التشريعات القضائية” التي تقودها حكومته، لكونها “خطَراً واضحًا وفوريًا” على أمن الدولة، فيما تزايدت أعداد الإسرائيليين المتظاهرين ضد ما يعتبرونه “انقلاباً على الديمقراطية”.

 ضباط يخشون مقاضاتهم لاحقاً على خلفية الاحتلال والاستيطان في محكمة الجنايات الدولية، بحال تم إضعاف المحكمة العليا الإسرائيلية.

 وأشار غالانت لخطورة التشظي التي بدأت تتغلغل في الجيش والمؤسسة الأمنية، وقال إنه لن يؤيد ذلك، منوهاً أيضاً لخطورة الانقسام في صفوف الإسرائيليين، فيما قال مقربون منه إنه يتلقّى أيضاً تحذيرات من ضباط إسرائيليين يخشون مقاضاتهم لاحقاً على خلفية الاحتلال والاستيطان في محكمة الجنايات الدولية، بحال تم إضعاف المحكمة العليا الإسرائيلية، التي كانت حتى الآن بمثابة درع واق لهم.

 وبالتزامن، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن قائد جيش الاحتلال هيرتسي هليفي تحذيرات مشابهة بقوله إن “إسرائيل تواجه واحدة من أصعب أزماتها الداخلية”، مؤكداً أن “القيادة العسكرية الإسرائيلية قلقة أيضًا من احتجاج جنود في الجيش النظامي وتهديدهم بالكفّ عن الخدمة العسكرية”. وتابع هليفي بالقول إنه “بسبب احتجاج جنود الاحتياط فإن الجيش على وشك تقليص نطاق عمليات معينة”.

يشار إلى أن احتدام الصراع بين المعسكرين المتناحرين يزداد سخونة في ظل رغبة الائتلاف الحاكم تشريع أخطر قوانين “الخطة القضائية”، وهو القانون المتعلق بإضعاف المحكمة العليا من خلال تغيير طريقة تعيين قضاتها وجعلهم تحت رحمة السياسيين.

انفجار في “الليكود”

جاء تصريح غالانت إيذاناً ببداية حالة تمرّد داخل حزب “الليكود” الحاكم، حيث سارعَ عددٌ من قادته إلى إعلان دعمهم لتصريح غالانت،

منهم النائب يولي اديلشطاين، والوزير دافيد بيتان، وكذلك وزير الزراعة رئيس “الشاباك” الأسبق آفي ديختر، الذي دعا لوقف التشريعات والمظاهرات والبحث عن صيغة توافقية للتعديلات القضائية. هذا الانقسام العلني الأول داخل “الليكود”، الذي وصفتْه صحيفة “يسرائيل هيوم (بوق إعلامي لنتنياهو) بـ “انفجار في الليكود” الذي بدأ يتحدث بصوتين، صوت يؤيد غالانت، وصوت يندّد به ويدعو لإقالته.

نتنياهو، الذي عاد للبلاد، فجر اليوم، وكان ما زال في لندن عند إلقاء غالانت بتصريحاته الدرامية في الليلة الماضية، لم يخرج عن صمته بعد. وفي محيط وزير القضاء ياريف ليفين، المقرب جداً من نتنياهو، يقولون إنه ينتظر عودة رئيس الحكومة للبلاد، قبل أن يردّ، لكنه قال، داخل الغرف الموصدة، مهدداً بأن من لا يصوّت لصالح التعديلات فقد أنهى حياته السياسية في “الليكود”.

هليفي: بسبب احتجاج جنود الاحتياط فإن الجيش على وشك تقليص نطاق عمليات معينة.

يشار إلى أن نتنياهو، قبلَ سفره إلى لندن، بعد زيارتين لبرلين وروما هذا الشهر، قال، في ظهور إعلامي خاص، إن التشريعات تعزز الديمقراطية، لا العكس، واتهم المعارضة بتغذية الاحتجاجات بدوافع حزبية، وكشفَ أنه سيقوم بالتدخل، بعد اليوم، بالأزمة، رغم أن المحكمة العليا منعتْه من التدخل في مسائل القضاء جراء تضارب مصالح، ولكونه يخضع لمحاكمة في تهم فساد. وسارعت المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال إلى توجيه الانتقادات لنتنياهو، وقالت إن مشاركته في دعم الانقلاب يمكن أن تُعتبر خيانة الأمانة، وإن إقرار قانون منع التعذّر، ومنع تعليق صلاحيات رئيس حكومة، لا يحلّه من التزاماته بمنع تناقض المصالح، وإن إعلانه أنه سيبدأ التدخل يمكن أن يكلّفه مواجهة مع المحكمة العليا. وتعرّضت المستشارة القضائية للحكومة لهجمات جديدة من قبل عدد كبير من وزراء ونواب “الليكود” الذين اتهموها بالتحيز للمعارضة، وأن همها الأول والأخير فرملة الحكومة وإفشالها.

تجرؤ غالانت

وسارع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، رئيس حزب “العظمة اليهودية”، لدعوة نتنياهو لعزل غالانت عن منصبِه، بعد تصريحه الداعي لوقف التشريعات والمظاهرات وتمرد الضباط والجنود.  كما أطلق رئيس الائتلاف الحكومي في الكنيست، أوفير كاتس، تهديدات بكل الاتجاهات بالقول إن “من يمتنع عن التصويت لصالح التعديلات القضائية، يكون قد أنهى مسيرته السياسية في حزب الليكود”. وكما كان متوقعاً، أشادت المعارضة الإسرائيلية بتصريحات غالانت، ووصفَها رئيسها يائير لبيد بالشجاعة، وتبعَه رئيس حزب “المعسكر الصهيوني”، بيني غانتس، وزير الأمن السابق، الذي أكد على ضرورة وقف التشريعات والدخول في حوار حقيقي، بغيةَ إحراز تسوية منصفة. في كل الأحوال؛ يبدو أن غالانت سيسدّد ثمناً شخصياً باهظاً بسبب تجرؤه على نتنياهو وحزبه، وهو بنفسه قد أشار لذلك ضمن خطابه بتلميح غليظ قال فيه إنه يطلق دعوته لوقف الاحتجاج والتشريعات رغم وعيه لدلالة ذلك من ناحية سياسية شخصية.

وبعد مظاهرات عاصفة في أرجاء البلاد، ليلة أمس، أعلنَ منظمو الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو وخطة إضعاف جهاز القضاء عن تصعيد احتجاجهم، بدءاً من اليوم الأحد.

 يبدو أن غالانت سيسدّد ثمناً شخصياً باهظاً بسبب تجرؤه على نتنياهو وحزبه، وهو بنفسه قد أشار لذلك ضمن خطابه.

الأزمة إلى أين؟

على خلفية هذا السجال الساخن بين المعسكرين المتصارعين، يتساءل مراقبون ماذا ستكون نتيجة تصريحات غالانت؛ هل تفرمل مركبة نتنياهو المندفعة نحو استكمال “خطة التشريعات الإصلاحية”، وتجبره على إعلان وقف التشريعات، والدخول في حوار يخرجه ويخرج إسرائيل من أزمتها الداخلية الخطيرة، أم تؤدي عملية الفرملة لزعزعة سير مركبة “الليكود”، دون إخراجها من مسارها، حتى تبلغ هدفها في استكمال التشريعات، خاصة القانون الأهم المتعلق بتغيير تركيبة لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا.

يبدو أن نتنياهو سيمضي في التشريعات، حتى بثمن استقالة أو إقالة غالانت، لأنه لا يريد الظهور كمن خضع واستسلم، ولكونه داخل وضع دقيق خياراته ليست كثيرة، وهو اليوم بين أن يختار بين التنازل عن التشريعات، أو التنازل عن حكومته، فهناك أوساط في الليكود والأحزاب الأخرى ستدفع لانهيار الحكومة، بحال وافق نتنياهو على وقف التشريعات. نتنياهو يدرك عمق الانكسار العميق وغير المسبوق، والذي يبدو أنه لم يتوقع حدّته وقوّته لدى الإسرائيليين، لكنه صاحب مصلحة شخصية بإضعاف جهاز القضاء كي ينجو من محاكمته، ولكن ربما ينجح بالخروج من الأزمة بالاندفاع لحرب خارجية توحّد الإسرائيليين رغما عنهم. هذا يضاف لكونه مؤيداً ومؤمناً بعدد كبير من التشريعات التي فجّرت صراعاً مستتراً وعميقاً بين علمانيين ومتدينين، بين شرقيين وغربيين، بين ليبراليين ومتشددين، بين من يرغب بتسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني ومن يريد حسمه بالحديد والنار.

حالة طوارئ

ودعا الجنرال في الاحتياط جرشون هكوهن الحكومةَ للتوقف، لأن ذلك جيد لها ولمستقبلها أيضاً، معتبراً أن غالانت قد اتخذ خطوة شجاعة في خطابه القصير والمؤثر، والذي أعلنَ فيه عملياً، وبجرأة، عن حالة الطوارئ الأمنية. وتابع، في تصريحات للقناة العبرية 12: “مثل مريض في حالة انهيار، سقطت دولةُ إسرائيل في ورطة تبدو غير قابلة للحل في هذه المرحلة. بالنسبة لأولئك الذين قد يرون في نداء غالانت على أنه استسلام، يجب التوضيح أنه حتى في القتال فإن التراجع إلى الوراء هو أحد أشكال المعركة، التي تكون ضرورية في بعض الأحيان. يجب أن يفهم الائتلاف أنه في الوضع الحالي، يعتمد وجود الحكومة ذاته على سلسلة من التكهنات، وأن تقييماً شاملاً للوضع أصبح مطلوباً”.

وأشاد عدد كبير من المحللين الصحفيين الإسرائيليين بخطوة غالانت، وتساءلوا عن مفاعيلها وتأثيرها على الصراع الدائر اليوم، فرجّح محللُ الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هريئيل أن الضغوطات التي فعّلها نتنياهو على غالانت لم تصمد لأكثر من 48 ساعة. بالأمس راهنَ غالانت على كل أوراقه، على ما يبدو، بسبب الضغوط والتحذيرات التي سمعها من قادة المؤسسة الأمنية الحاليين والسابقين.

نتنياهو اليوم بين أن يختار بين التنازل عن التشريعات، أو التنازل عن حكومته.

 وقال زميلُه في الصحيفة، محللُ الشؤون السياسية يوسي فيرتير، إن نتنياهو هو الخطر، وإن تصريحات يواف غالانت وضعتْ علامات استفهام حول القوانين التي ستتيح لحكومة يمين متطرف ومتدين السيطرة على المحكمة العليا، إذا قرر أربعة أعضاء كنيست من “الليكود” التصويت ضد التشريعات في الكنيست. وقال المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” نحوم برنياع إنه ليس مصادفة أن يقول غالانت: “لن أدعم استمرار التشريعات، ويمكن أن يمثل التصريح إعلاناً بأنه لن يصوّت لصالحها، أو أنه سيمتنع عن التصويت عليها”. مع ذلك، الصورة ليست واضحة بعد، هل تؤدي تصريحات غالانت إلى حالة جرف داخل الليكود، وإقدام بعض النواب، أمثال غالانت وغيره ممن يؤيدونه، على التصويت ضد التشريعات عند طرحها على التصويت، وبالتالي إسقاطها، أم سيكتفون بالتغيب عن التصويت، وبالتالي السماح عملياً بتمريرها.  ولذلك يتساءل المعلق الصحافي شمعون شيفر بالقول: ما الذي سيحصل لنا؟ من الصعب التكهّن إذا ما كانت القواعد قد تكسّرت، وسيكون من الصعب علينا إصلاحها؟

حسابات شخصية أيضاً

في المقابل، قال المحلل الصحافي في صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية الموالية لحكومة الاحتلال أرئيل كهانا إن غالانت لا يستطيع البقاء وزيراً للأمن بعد اليوم، بعدما وضع سابقة خطيرة. ومضى في تحليله- أمنيته، بالقول: “بغضّ النظر عن الإصلاح. بغضّ النظر عن السؤال من هو على حق في الجدل حوله. بغضّ النظر عن السؤال عمّن بَدَأَها، فإن تصريحه، الليلة الماضية، لم يعد يسمح له بالعمل كوزير أمن في دولة إسرائيل”.

في كل الأحوال، من الواضح أن هناك حسابات شخصية لدى هذه المجموعة المعارضة داخل الليكود، التي أبدت حالة تململ وتذمّر، في مطلع العام، عند توزيع الحقائب الوزارية وعدم الاهتمام الكافي بهم من هذه الناحية من قبل نتنياهو.

نتنياهو لم يعلّق بصوته بعد على تصريحات غالانت، لكن الإذاعة العبرية العامة نقلت عن مقربين منه قولهم إنه بحال قررَ غالانت التصويت ضد مشاريع القوانين التي ستُطرح في الكنيست، هذا الأسبوع، لن يستطيع البقاء في منصبه الوزاري. وعُلم أن نتنياهو سيجتمع برؤساء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، عند الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم الأحد، للتباحث في التطورات الجارية.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى