المغرب العربي

تحليل: الغزو الروسي لأوكرانيا يحول مياه سبتة المحتلة إلى مركز عالمي لتداول النفط.. فما موقع المغرب؟

عربي تريند_ العالم الجديد الذي صنعه الغزو الروسي لأوكرانيا، أنشأ مركزا جديدا لتجارة النفط في العالم وهو مدينة سبتة وهي عبارة عن جيب صغير على سواحل المغرب على البحر المتوسط، ومحتلة مثل مليلية من قبل إسبانيا.

ففي مياه هذا الجيب الهادئة تقوم روسيا بمبادلة ناقلات النفط الخام الروسي؛ وهو أسلوب يسمح لروسيا بخفض تكاليف الشحن والالتفاف على القيود والعقوبات الغربية، وتسهيل الإمدادات للعملاء الباقين للنفط الروسي.

والنتيجة كما يقول المحلل الاقتصادي خافيير بلاس في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، ونقلت وكالة (د ب أ) هو استمرار تدفق النفط الروسي للأسواق العالمية بكميات كبيرة، تقترب من مستويات ما قبل فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على قطاع النفط الروسي.

وتثير المعطيات تساؤلات حول موقع المغرب من هذا الوضع، خاصة في ضوء ما طرحه تقرير لـ”القدس العربي” من أنه في سابقة تاريخية، قَبِل المغرب بتحويل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إلى نقطة رسمية للجمارك. وأن القرار يأتي أياما قليلة قبل القمة المغربية- الإسبانية التي تراهن عليها الرباط كثيرا، لاسيما في ظل توتر علاقاتها مع المؤسسات الأوروبية ومع فرنسا.

وأفادت وزارة الخارجية الإسبانية عن البدء بالعمل في تحويل مدينتي سبتة ومليلية إلى نقطتين للتصدير والاستيراد بين البلدين، واعتبرت أن الأمر يتعلق بمنعطف في تاريخ البلدين. وكانت مندوبية الحكومة في سبتة قد أوضحت بأن هذه العملية بدأت الجمعة الماضية بعملية تجريبية لتصدير مواد تنظيف إلى الأراضي المغربية، وستتطور العملية خاصة بعد قمة رئيسي حكومتي البلدين، عزيز أخنوش وبيدرو سانشيز يومي الأربعاء والخميس المقبلين.

ولم يصدِر المغرب أي بيان رسمي حول هذا المستجد الذي يمكن تصنيفه بمنعطف حقيقي، ذلك أنه رغم وجود التهريب من المدينتين نحو الأراضي المغربية، كان المغرب يرفض الاعتراف الرسمي بالتبادل التجاري خاصة في حالة مدينة سبتة. بينما كانت مليلية نقطة تبادل تجاري وأساسا بعض صادرات المغرب فقط أكثر من صادرات إسبانيا، وذلك لأن هذه الوضعية ورثها المغرب من اتفاقية تعود إلى القرن التاسع عشر. ورغم مرور مئات الآلاف من الأشخاص من سبتة ومليلية إلى المغرب وفي الاتجاه المعاكس سنويا، كان المغرب لا يعترف بأنهما نقطتان رسميتان للجمارك ومركزا للحدود، بل يسميهما “باب سبتة” و”باب مليلية”.

كيف تحولت سبتة إلى نقطة جذب لروسيا؟

 ويؤكد التحليل أن روسيا لم تكن تستخدم المياه القريبة من ميناء سبتة كنقطة توقف لصادرات نفطها حتى غزوها لأوكرانيا. ففي ذلك الوقت كانت موسكو تشحن النفط مباشرة إلى المصافي الأوروبية بناقلات صغيرة. لكن الكرملين بدأ استخدام المياه القريبة من المدينة الواقعة تحت سيطرة إسبانيا، والتي تطالب المغرب باستعادة السيادة عليها إلى جانب جيب مليلة، كقاعدة لنقل الخام من ناقلات كبيرة إلى ناقلات أخرى أصغر بشكل متقطع، ثم أصبحت تستخدمها على نطاق واسع.

ويرصد بلاس مسار الشحنات الروسية على النحو التالي: تقوم روسيا بتحميل الخام في ناقلات صغيرة الحجم تسمى أفاراماكسيس في موانئ بحر البلطيق، مثل بريمورسك وأوست-لوجا. وتضطر هذه الناقلات لشق طريقها عبر ثلوج القارة القطبية خلال فصل الشتاء، متجهة إلى ميناء سبتة. وبالقرب من المدينة تنتظر هذه الناقلات التي تحمل الواحدة منها حوالي 700 ألف برميل، وصول ناقلة عملاقة من فئة “في.إل.سي.سي”. وبعد ذلك تقترب الناقلة الصغيرة، من الناقلة العملاقة لنقل الخام من الأولى إلى الثانية.

وتحتاج كل ناقلة عملاقة إلى ثلاث ناقلات صغيرة لملء مستودعاتها التي تسع حوالي مليوني برميل. وبعد ذلك تبدأ الناقلة العملاقة رحلتها نحو آسيا بالدوران حول أفريقيا.

ومنذ كانون الأول/ديسمبر الماضي تم تحميل 6 ناقلات عملاقة بحمولة أكثر من 15 ناقلة صغيرة.  وبعض العاملين في هذا النشاط من النشطاء القدامى في السوق السوداء، حيث كانوا يقومون بشحن النفط الخام الإيراني والفنزويلي للالتفاف على العقوبات الأمريكية بحسب شركة فورتيكسا لميتد لاستشارات النقل البحري.

ولا يبدو أن موسكو تنتهك القانون الدولي بهذه الممارسات. فالناقلات تنتظر على بعد 12 ميلا بحري من الشاطئ، أي أنها تقف خارج المياه الإقليمية للميناء، رغم أنها تبدو في بعض الأحيان داخل المياه الإقليمية. كما تلتزم روسيا بالقواعد الدولية، من خلال الإبقاء على منارات الناقلات مضاءة  أثناء عمليات المبادلة. لكن النشاط محفوف بالمخاطر، وأغلب الناقلات تقول إن مدينة سبتة تشهد منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي أفضل أيامها. ويبلغ عمر أقدم الناقلات العاملة في هذا النشاط 26 عاما وهو ما يعادل نحو 70 عاما بالنسبة للعمر البشري. كما أن أغلب هذه الناقلات مملوكة لشركات روسية أو صينية.

من ناحيتها تحرص إسبانيا على تسيير الدوريات البحرية بالقرب من المنطقة، لضمان عدم ارتكاب أي مخالفات. وهناك سبب يمنع روسيا من استخدام نقاط مبادلة الشحنات بين الناقلات الأخرى ومنها سكاو في الدنمارك وساوث وولد في إنكلترا، وهو أن السلطات المحلية هناك لا ترحب بمثل هذه المناورات.

في المقابل هناك ثلاثة أسباب تجعل منطقة سبتة مناسبة للنشاط الروسي، أولها، أنه رغم إنفاق روسيا مئات الملايين من الدولارات لبناء أسطول من الناقلات الصغيرة أفاراماكسيس غير محددة الملكية، فإن روسيا لا تمتلك الكثير من الناقلات القادرة على اختراق الثلوج، وهي من أغلى أنواع الناقلات، لذلك فإن إرسال هذه الناقلات من روسيا إلى الصين أو الهند  مباشرة، يعني استنفاد كل قدرات الشحن لديها بسرعة بسبب طول زمن هذه الرحلة، في حين أن الناقلة الصغيرة لا تحتاج لأكثر من 10 أيام حتى تصل إلى سبتة، مقابل 50 يوما لتصل إلى الصين.

السبب الثاني هو تقليل النفقات بشدة، حيث نقل النفط إلى آسيا باستخدام الناقلات العملاقة أقل تكلفة من نقلها باستخدام الناقلات الصغيرة. ونظرا لوجود عدد كبير من الناقلات الكبيرة في السوق، فإنها أرخص حاليا. وتبلغ تكلفة إيجار الناقلة العملاقة أقل من 20 ألف دولار يوميا في حين يبلغ إيجار الناقلة الصغيرة 55 ألف دولار يوميا.

أما السبب الثالث، فهو أن مدينة سبتة هي المكان المناسب، لوجودها داخل البحر المتوسط بعيدة عن الرياح القوية والأمواج العالية في شمال المحيط الأطلسي.  كما أنها قريبة من مضيق جبل طارق حيث تستطيع الناقلات العملاقة بعد تحميلها بالنفط العودة السريعة إلى المياه المفتوحة في المحيط الأطلسي للوصول إلى آسيا.

(وكالات)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى