العالم تريند

قراءات فلسطينية للانقسامات الإسرائيلية المتصاعدة.. حدودها ومخرجاتها المحتملة

عربي تريند_ على ماذا يدور النقاش الحقيقي العاصف الجاري الآن داخل الدولة العبرية، وهل هو فعلاً انقسام أو صدع كبير ينطوي على تهديد إستراتيجي لها ولمستقبلها، وما آفاقه، وكيف سينتهي، وما سيترك خلفه في العمق؟ وجهات نظر إسرائيلية كثيرة تحذّر، منذ الكشف عن ملامح خطة حكومة نتنياهو السادسة بإجراء تغييرات عميقة في النظام السياسي، من أنها تهدد بخراب البيت وبالانهيار الداخلي من خلال مسيرة تصاعد هجرة النخب الاقتصادية والثقافية اليهودية منها، كما قال رئيس المعارضة يائير لبيد في مقال نشرته “هآرتس” قبل أيام، وهذا ما تعتبره أوساط مقرّبة من الحكومة مبالغة ومحاولة للنيل من مكانة وسمعة ائتلاف حاكم انتخب بشكل ديمقراطي من قبل ملايين الإسرائيليين، كما قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

في المقابل تختلف رؤية وقراءة مثقفين فلسطينيين في الداخل يراقبون المشهد الإسرائيلي عن قرب.

تحت عنوان: “لا تعولوا على حرب أهليه بين الإسرائيليين.. قلوبهم على بعضهم وبنادقهم مجتمعة علينا” يقول الدكتور في علم الاجتماع ابن النقب، عامر الهزيّل: “إن هنالك حولاً سياسياً أصاب كثيراً من المراقبين والمحللين السياسيين بقولهم إسرائيل على حافة حرب أهلية يهودية يهودية”. وضمن قراءته يرى الهزيّل، أحد مؤسسي “التجمع الوطني الديمقراطي” أن الصراع بين اليمين، بقيادة يائير لبيد وبيني غانتس، ويمين اليمين، بقيادة نتنياهو، سموتريتش وبن غفير، ليس على العدالة والمساواة داخل الدولة اليهودية، ولا على وضعية وحقوق العرب فيها، أو السلام العادل وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بل على القوة والسيطرة بين اليهود الغربيين والشرقيين، وبين المتدينين والليبراليين داخل بيت دولة اليهود مغلق الأبواب في وجه غيرهم. مرجحاً أن تتم تسوية هذا الصراع بحلول وسط لن تمنع من إسرائيل الثالثة من المضي قدماً في تطرفها وفاشيتها، والإصرار على حسم الصراع مع الفلسطينين قبل عام 2050.

ويخلص الهزّيل للقول، في منشور على صفحته: “هذا إجماع صهيوني بين اليمين، بقيادة لبيد غانتس، وبين يمين اليمين بزعامة نتنياهو وحكومته السادسة اليوم”.

تخوم الجدل الإسرائيلي بشأن حكومة نتنياهو

وهذا ما يراه الباحث في الشؤون الإسرائيلية الكاتب أنطوان شلحت، من مركز “مدار”، الذي يوضح أن هذا الجدل الإسرائيلي يخصّ بالأساس قضايا داخلية، ولا ينطوي على خرق لتخوم شبه الإجماع حيال القضية الفلسطينية، والموقف من الفلسطينيين في الداخل. ويوضح أنه من ناحية الوقائع الجافة صوّت 58 عضو كنيست مع تمديد أنظمة الطوارئ المعروفة بأنظمة الأبرتهايد، قبل أسبوع، بينهم أعضاء الائتلاف الحالي.

وصوّت 13 عضو كنيست ضد التمديد، هم أعضاء الكنيست من القائمتين العربيتين، ومن حزب “العمل” وصوّت حزبا “يوجد مستقبل” و”المعسكر الرسمي” مع التمديد.

للعلم، أنظمة الطوارئ في الضفة الغربية وُضعت لأول مرة في العام 1967 من أجل تنظيم العلاقة بين المستوطنين في الضفة الغربية، وهم، بحسب تعريفهم القانوني، “مواطنون إسرائيليون يعيشون خارج الحدود الرسمية لإسرائيل”، وبين القوانين الإسرائيلية.

ومن أجل تأكيد فقدان فارق حقيقي في الموقف من القضية الفلسطينية بين معسكرين إسرائيليين متصارعين على السلطة يقول شلحت إن في مجرّد هذه الوقائع ما يفصح عن هموم متماثلة إزاء الاحتلال والاستيطان في الأراضي المحتلة خصوصاً، كما إزاء القضية الفلسطينية عموماً، بين الائتلاف الحكومي الحالي وأغلبية المعارضة، مثل ما كانت الحال عليه بين أغلبية الائتلاف الحكومي السابق وأغلبية المعارضة في الكنيست الماضي.

 في المقابل، يخلص شلحت للقول إن هذا الكلام لا يعني بحال من الأحوال التخلي عن مساءلة جوانب أخرى في هذا الجدل تتعلق بمُضي حكومة نتنياهو قدماً بتكريس كل ما يتماشى مع سياسات اليمين المتطرّف والفاشي على الصعيد الداخلي، والذي لا بُدّ أن ينعكس على كل الصعد الأخرى، والقادرة في اجتماعها معاً على نسج صورة عامة لإسرائيل، وبالذات في ما هي مختلفة عليه، وفي ما يقف في صلب إجماعها.

هل هو مخاض الديمقراطية أم الفاشية الإسرائيلية؟

بذلك يتساءل أمير مخول، المثقف والناشط السياسي والأهلي داخل أراضي 48، ويرى أن الشرخ السياسي الاجتماعي والنخبوي الإسرائيلي يجعل إسرائيل تسير نحو هاوية لا يمكن رؤية نهايتها راهناً، لكن بالإمكان رؤية منحدرها ووتيرة تسارعها. وبخلاف الهزيّل، الذي يرجح أن تنتهي الأزمة داخل إسرائيل بالتسوية، يرى مخول، في مقال نشره “مركز التقدم العربي للسياسات”، أن هناك مأزقاً أعمق وأخطر، وللتدليل على ذلك يستذكر مخول دعوة الوزير عن عوتسما يهوديت ألموغ كوهين، ومعه أحد أبرز قادة الحزب الجنرال السابق تسفي فوغلمان، إلى اعتقال كل من وزير الأمن وقائد الأركان السابق بيني غانتس، ورئيس الحكومة السابق يئير لبيد، والجنرال السابق يئير غولان بتهمة الخيانة، ويعتبرها مخول دعوة إلى اغتيال سياسي، وهذا ما أشارت إليه محاولة سائق من مؤيدي الحكومة من مستوطنة إلعاد لدهس عدد من المتظاهرين ضدها في بئر السبع.

ويعتبر مخول أن ما يجعل الأمور أكثر خطراً تغييب سلطة رئيس الحكومة نتنياهو، وتحوّل كل الوزارات التي تشرف عليها أحزاب الصهيونية الدينية لوزارات سياديّة فعلياً، لا تنصاع لأوامره وتوجيهاته، ذات الأحزاب التي وقّع معها على الاتفاقات الائتلافية وكل الخطوط العريضة والسياسات التفصيلية، وباتت هذه الاتفاقات بمثابة قانون.

ويوضح مخول أن صراع الشرعية من أهم دلالات تحوّل الأزمة الإسرائيلية العميقة، وهذا تحوّل، وليس مجرد صراع سياسي، إذ إن صراعات الشرعية والتخوين ورفض شرعية الآخر وثقافة الكراهية قد تقود إلى حالة دموية إسرائيلية داخلية. ويقول إنّ ما يبدو على الواجهة هو قبول تيار اليمين الوسط، وما تبقى من صحف ليبرالية بنتائج الانتخابات، لكن لا يعترف بشرعية الحكومة الجديدة في ما يطلق عليه الانقلاب على النظام الإسرائيلي، وحتى المؤسسة الأمنية، يضاف إليها دكتاتورية الأغلبية الراهنة في الكنيست. ويضيف: “هذا ما يقع في صلب الصراع الإسرائيلي، الذي يمكن اعتباره خلافاً جوهرياً بشأن المنظومة الحاكمة، وليس بشأن سياسات الدولة”.

ويقول أيضاً إن الانصياع السريع لأجهزة الدولة، وبالذات الشرطة، التي أعلنت مجاهرةً اعتمادها لأوامر بن غفير كما يراها هو، بمثابة مؤشر للقادم، وإلى توازنات القوى الإسرائيلية الداخلية. ويعتبر مخول أن من يتحكم بأجهزة الدولة هو الأقوى، حتى ولو لا يحظى بتأييد الأغلبية من المواطنين ليقوموا بتغيير هذه الأجهزة من داخلها لصالح سياساتهم أثناء فترة حكمهم.

كتلتان متصارعتان

وعلى غرار شلحت والهزيل، يرى مخول أيضاً أن الحالة الإسرائيلية تتميز بوجود كتلتين متصارعتين على الحكم، مشكّلتين من يمين متطرف صهيوني ديني، وأحزاب اليمين المركز، مع خلوّ الساحة من يسار إسرائيلي حقيقي قائم بحد ذاته، وله القدرة على المواجهة السياسية الجوهرية، وبالذات في ما يخص الاحتلال والعنصرية. ورغم الدعوات للتمرد المدني وإغلاق الشوارع، يعتبر مخول أن أحزاب اليمين الوسط لا تقوم بالمواجهة الصدامية مع اليمين المتطرف، بل تسعى إلى الحفاظ على “أدوات اللعبة الديمقراطية”، وعلى منظومات الدولة كما هي، وبالذات الجهاز القضائي وفصل السلطات، بمنهجية ومواظبة وسرعة تراهن فيها على الرأي العام اليهودي. كما يشير إلى أنها غير معنية بالتحالف مع الجماهير العربية الفلسطينية داخل أراضي 48، لكنها معنية بدعم الأخيرة لها دونما رفع صوتها المستقل أو شراكة، وعلى أساس جدول أعمال المركز الإسرائيلي، الذي لا يتطرق لقضية فلسطين والعنصرية تجاه الفلسطينيين مواطني دولته.

حالة صدام عنيف

ومع ذلك، تبدو، برأي مخول، حالة صدام داخلي عنيف لم تشهده إسرائيل منذ أواسط سنوات التسعينيات، وهو ليس نتاج اليمين الوسط الذي بات في صفوف المعارضة، وإنما اليمين الصهيوديني الحاكم، والذي يقوم بتخطيط مسبق لإعادة تشكيل البنية القائمة لمؤسسات الدولة، وإخضاعها المطلق لعقيدته الفاشية.

وحسب مخول، يؤدي هذا الوضع الى إضعاف إسرائيل كدولة من وجهة النظر الصهيونية، وللخروج منه هناك عدد من الاحتمالات الممكنة: استعجال نتنياهو بالقيام بعمل حربي غير محسوب لإنقاذ حكمه، وهذا مستبعد على الأقل للمدى القريب، إحداث تغيير جوهري عميق في مؤسسات الدولة، وشرخ عميق جداً داخل المجتمع الإسرائيلي، وهذا ما يتم تطبيقه بتسارع وباستغلال الأغلبية اللحظية لحسم الأمور بأسرع وقت ممكن، وجعلها أمراً واقعاً.

كما يشير لخيار التحول إلى دكتاتورية الحكم والفاشية، وهو ما يتسبب بأزمة مع اليهود الأمريكان وإدارة بايدن، ويبدو أن نتنياهو يسعى إلى الإبقاء على هيكلية “الديمقراطية الإسرائيلية” كواجهة لحكومته، ولكسب شرعيتها الدولية. ويشير أيضاً لاحتمال إسقاط حكومة نتنياهو دون اعتراف أقطابها بأية نتائج من هذا النوع، وهذا أيضاً مستبعد في ظل توازنات القوى السياسية الإسرائيلية حالياً، وفي مستوى الضغط الدولي الحالي الذي بدأ يتحوّل من ضغط، بسبب طبيعة مركبات الحكومة، وبالذات الفاشية والعنصرية، إلى اعتماد مواقف موضعية من ممارساتها، وهذا ما يريده نتنياهو، على الأقل حتى الانتخابات الأمريكية التالية.

ويعتقد مخول، بخلاف مراقبين آخرين لا يعولون على المجتمع الدولي، أن كل هذه الاحتمالات ممكنة لأن استقرار الحكومة يتأثر أيضاً بالحالة الدولية والضغط الدولي، خاصة الأمريكي واليهودي العالمي. ويضيف: “ثم أنه قد يدفع إلى تسليم المعارضة الإسرائيلية، وعدم اكتراث المجتمع، وهذا ما يدفع أوساط واسعة للهجرة من البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور الاقتصاد الإسرائيلي، وتراجع تدرجها الائتماني ومستوى الاستثمارات فيها كمؤشر لأزمتها الشاملة.

أوجه الشبه مع ترامب وبوليسنارو

ويتنبه مخول لوجود تشابه كبير بين سلوك أحزاب الائتلاف ونمط عملها، وبين ترامب وبولسينارو، وهما صديقا نتنياهو شخصياً، وأكثر من ذلك سياسياً. كما أن جمهور هذه الأحزاب الحاكمة، ومجموعاته الإرهابية من منظمات المستوطنين وميليشياتها، جاهز لاقتحام الكنيست والمحكمة العليا عند الضرورة كما تراها، وجاهز لاعتداءات دموية على قادة المعارضة، وهناك شبه كبير مع أنصار الرئيسين السابقين الأمريكي والبرازيلي.

متوافقاً مع شلحت والهزيّل، يشير مخول هنا إلى أن قضية فلسطين تبقى خارج حسابات المعارضة الإسرائيلية الصهيونية، وهذا يشمل قضايا فلسطينيي 48 في ما يتعلق بحقوقهم الجماعية والعنصرية بمستوييها الشعبوي والبنيوي والتطهير العرقي في النقب والتهويد. ويتابع: “بل تنحو المعارضة في هذا الاتجاه سعياً منها لكسب شرعية الشارع الإسرائيلي، ومن هنا كانت معارضتهم لرفع ناشطين العلم الفلسطيني في المظاهرات المناهضة للحكومة”.

معارضة في مسارين

وفيما تسود حالة استكانة لدى فلسطينيي الداخل (نتيجة عوامل مختلفة، منها ربما أزمة القيادة الراهنة)، حتى حيال قضاياهم الخاصة، وحيال مخاطر تهددهم، كاستشراء الجريمة والعنف، يعتقد مخول أن هذا التجاهل الإسرائيلي العنصري يستوجب على الحركة السياسية والشعبية العربية الفلسطينية في الداخل تنظيم نفسها من جديد لحماية جماهيرها وقضية شعبها الفلسطيني، واعتماد إستراتيجية قائمة على معارضة الحكومة الحالية بمسارين مستقلين: واحد للمعارضة الإسرائيلية، وواحد لفلسطينيي 48 يقوم على أجندته الخاصة به، ولتكن نقاط تقاطع لعمل مشترك، لكن بين كيانين مستقلين، ودونما إتباع أو إلحاق.

في معرض تلخيصه، يقول أمير مخول إنه في التوازنات القائمة هناك ما يكفي من المؤشرات بأن التحوّل إلى الفاشية ليس محسوماً بعد، لكن التيار الأقوى هو التيار الفاشي، وقد ضاعف قوته، وهو يتحكم بسدّة الحكم وأجهزة الدولة، ويقوم بتطويع الأجهزة التنفيذية لنهجه وإفراغ الجهاز القضائي من مواطن قوته وأثره.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى