العالم تريند

قراءة في نتائج انتخابات الدنمارك: صفعات لليمين وعقبات أمام حكومة يسار الوسط

عربي تريند_ بعيداً عن تعبير الدنماركيين عن أسفهم لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية أمس الثلاثاء، والتي عادة ما تتخطّى 85 بالمائة وتصل إلى 87 بالمائة في بعض الأحيان، والتي بلغت هذه المرة نحو 84 في المائة (من أصل 4 ملايين و269 ألف ناخب)، إلا أن ذلك لا يغير في نتيجة 92 دائرة انتخابية.

“صدمة عنيفة” أصيب بها معسكر اليمين ويمين الوسط، بحسب ما يصف محللو الانتخابات وعناوين خطابات ما بعد النتائج النهائية في وقت متأخر من ليلة أمس، حيث ظهر حزب “الشعب الدنماركي” الشعبوي المتطرف متلقياً هزيمة كبرى على يد ناخبه التقليدي، الذي اختار التصويت ليمين الوسط أكثر، في وقت كان قد راهن على تقدم أقطاب معسكره الأوروبي في السويد وإيطاليا لتحقيق نتيجة جيدة.

وصل “الشعب الدنماركي” بشعاره الانتخابي الأول “ترحيل المهاجرين” إلى عتبة الحسم (2 في المائة)، بعد أن كاد يخرج تماماً من الحياة البرلمانية، لولا بضعة آلاف من الأصوات التي جعلته يحافظ على 5 مقاعد برلمانية، ويخسر في الواقع 11 مقعداً، حتى تحوّل إلى حزب غير مؤثر، حتى لو تشكلت حكومة يمين وسط.

المفاجأة الكبيرة في تفاصيل الانتخابات الدنماركية أن رئيس حكومة يمين الوسط السابقة لارس لوكا راسموسن استطاع من خلال حزبه الجديد “المعتدلون” إزاحة المحافظين وحزبه الليبرالي السابق “فينسترا” عن تحقيق أغلبية برلمانية. راسموسن حصل على 16 مقعداً، ما يُعدّ نجاحاً كبيراً بعد أشهر قليلة على تأسيس حزبه، ليضعه في المرتبة الثالثة، مفضلاً حكومة بعيدة عن التكتلات والأيديولوجيات. وذلك سحب أيضاً البساط من تحت أقدام وزيرة الهجرة السابقة، المتشددة حيال المهاجرين، إنغا ستويبرغ، لتحقيق نتيجة كاسحة، فتراجعت من أكثر من 10 في المائة في الاستطلاعات إلى 9 في المائة، دون مجال لصرف هذه الأرقام حكومياً.أخبار

إلى جانب ذلك، كان تعبير “صفعة قوية من الناخبين” الأكثر استخداماً في قراءة نتائج الانتخابات صباح اليوم الأربعاء.

فمعسكر يمين ويمين الوسط في نهاية المطاف لم يحقق سوى 73 مقعداً من أصل 179. ولعل أبرز نتيجة صادمة، إلى جانب خسارة الشعبويين، الذين أمنوا سابقاً أساساً برلمانياً لذلك المعسكر، أن مرشح رئاسة حكومة يمين وسط، وزعيم حزب المحافظين سورن بابي بولسن، أخذ حزبه نحو خسارة مقعدين، وتراجع خلال أسابيع في الاستطلاعات التي منحته 16 في المائة، إلى تحقيق فقط 5.5 في المائة.

الصفعة الأخرى تلقاها أكبر أحزاب يمين الوسط العريق “فينسترا” الليبرالي (تأسس قبل نحو 170 سنة)، والأكثر تشكيلاً لحكومات البلد، إلى جانب يسار الوسط. خسر الحزب نصف مقاعده بالتمام والكمال، وبلغة الأرقام خسر 20 مقعداً، وفي النسب المئوية تراجع من نحو 23 في المائة إلى نحو 13 في المائة. وبما أن “فينسترا” قدّم رئيسه ياكوب إلمان ينسن (نجل الراحل حديثاً وزير خارجية الدنمارك الأسبق أوفه إلمان ينسن)، لرئاسة حكومة معسكر يمين وسط، فإن الخسارة مضاعفة، رغم تقدم القيادة الشابة في حزب “التحالف الليبرالي” بـ10 مقاعد، من خلال الوصول إلى المصوتين للمرة الأولى من الشباب عبر تطبيق “تيك توك”، حتى باتت تسمية تلك القيادة بـ”جيل التيك توك”، من دون فرصة لترجمتها واقعياً في التشريع.

عملياً، هذا يعني أن مجموع ما حققه معسكر اليمين ويمين الوسط (73 مقعداً) لا يؤهله لتحقيق أغلبية 90 مقعداً، حتى لو اختار رئيس الحكومة السابق راسموسن منحه 16 صوتاً. في المقابل، فإن رئيسة الحكومة الحالية من يسار الوسط، ميتا فريدركسن، خرجت بمفاجأة فوز حزبها، ليس فقط بالحفاظ على مقاعده، على عكس التوقعات والاستطلاعات، بل بزيادة رقمه من 48 مقعداً إلى 50، متفوقاً على أقرب منافسيه في حزبي المحافظين و”فينسترا” الليبرالي، اللذين لم يحققا معاً أكثر من 33 مقعداً.

اتساع الفجوة بدا واضحاً بتحقيق اليسار ويسار الوسط 87 مقعداً، رغم تراجع بعض أطرافه، كحزب “راديكال فينسترا” (اليسار الراديكالي، وسطي)، مع تقدم اليسار في “حزب الشعب الاشتراكي”. وتستطيع فريدركسن، التي توجهت قبل ظهر اليوم إلى قصر الملكة مارغريتا الثانية لتقديم استقالتها من أجل مفاوضات الحكومة المقبلة، تحقيق أغلبية 90 مقعداً، بالاعتماد على أصوات “شمال الأطلسي”، أي أصوات جزيرة غرينلاند وجزر الفارو، لمواصلة حكومة متفردة من الحزب الاجتماعي الديمقراطي. ففي تلك الجزر التابعة سياسياً لكوبنهاغن يجرى انتخاب محلي لأعضاء في البرلمان الدنماركي، وفي الأغلب يحصل يسار الوسط على الأغلبية.تقارير دولية

في المجمل، لا يُتوقع أن تكون طريق تشكيل الحكومة الدنماركية المقبلة معبدة بالنوايا الطيبة أو بفرح فوز يسار ويسار الوسط. ذهبت زعيمة يسار الوسط، فريدركسن، إلى الانتخابات تحت شعار “حكومة عابرة للأحزاب والتكتلات”، وهي تتفق بذلك مع الخطاب نفسه لدى “المعتدلين” بزعامة راسموسن، وهو ما يضعها في مأزق مع بقية أحزاب اليسار ويسار الوسط، الذين يضعون شروطاً كبيرة وعميقة تتعلق بالسياسات الاقتصادية ومواجهة الأزمة الحالية (بسبب أزمة الطاقة والتضخم)، وفي مجال التعهد برفض تشديد سياسات الهجرة، ومنع توقيع اتفاقية مع رواندا الأفريقية لنقل طالبي اللجوء إليها.

وبانتظار ترجمة النتائج في مفاوضات برامج حكومية يجري التفاوض على نقاطها بالتفصيل لتأمين قبول الأحزاب، تبقى حالة الانتظار في الشارع سيدة الموقف، وبالأخص حيال ما إذا كان من الممكن فعلاً التوصل إلى تشكيلة عابرة للتكتلات الحزبية، برئاسة فريدركسن، أو ذهاب هذه السيدة للنكث بوعودها وتشكيل حكومة مع الأحزاب اليسارية .

وبالنسبة لمواطني الدنمارك من أصول مهاجرة، شكّلت انتخابات 2022 حالة غير مسبوقة لناحية عدم تحولهم إلى مادة رئيسة فيها، إلى جانب محاولات إنجاح حزب “الأخضر الحر” بزعامة شاب من أصول باكستانية يُدعى اسكندر صديقي، الذي لم يتخطَّ عتبة الحسم، وحقق نحو 1.4 في المائة.

ويبدو أن “الحرب في أوروبا”، كما يُطلق محلياً على حالة الحرب في أوكرانيا، ساهمت عملياً في عودة الدنمارك، بعد سنوات طويلة من التركيز على اللجوء والهجرة والدمج، إلى الممارسة السياسية “الكلاسيكية”، بالتسليط على هموم المواطنين وقلقهم على مستقبل دولة الرفاهية والازدهار التي صبغت معظم الحملات الانتخابية، قبل أن يقتحم اليمين الشعبوي في 1995 الخريطة الحزبية بمواقف متطرفة جداً.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى