مصر

منظمة حقوقية: اختيار مصر لاستضافة مؤتمر المناخ يضر بمصداقيته

عربي تريند_ اعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – منظمة حقوقية مستقلة- اختيار مصر كدولة مضيفة لمؤتمر الأمم المتحدة الـ 27 للمناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، رغم حجم وشدة أزمة حقوق الإنسان المستمرة بها، يضر بمصداقية المؤتمر وبآفاق معالجة وضع حقوق الإنسان.

وحذر المركز في ورقة بحثية أصدرها اليوم الأربعاء، الدول المشاركة في المؤتمر من تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة وخطورتها؛ والذي قد يساهم بفعالية في تطبيع أزمة حقوق الإنسان في مصر ويدعمها ضمنيًا.

وطالب المركز، المجتمع الدولي والدول المشاركة في المؤتمر، بالتطرق إلى المخاوف الحقوقية الملحة التي تؤثر على الأمن المناخي، وتعكس أزمة حقوق الإنسان الأوسع في مصر. واعتبر أن عدم تحمل الدول المشاركة لهذه المسؤولية، من شأنه تقويض شرعية مؤتمر المناخ، والمخاطرة باعتبار مشاركتها موافقة على سجل حقوق الإنسان سيئ السمعة للسلطات المصرية.

9 سنوات من قمع الاحتجاجات

وتشهد مصر –بحسب الورقة البحثية- منذ قرابة عقدٍ كامل، تحديدًا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2013، واحدة من أشد أزمات حقوق الإنسان في تاريخها الحديث، وأنه منذ ذلك الحين؛ تم حظر الاحتجاجات فعليًا، سواء باستخدام القوة المميتة (إذ قُتل ما لا يقل عن 817 شخصًا في غضون بضع ساعات في أغسطس 2013)، أو من خلال سلسلة من القوانين الصارمة، إضافة إلى الممارسات القمعية. فعلى مدى السنوات التسع الماضية، قمعت السلطات المصرية الاحتجاجات السياسية والمظاهرات السلمية المدفوعة بمشاكل اقتصادية أو اجتماعية، بما في ذلك الاعتصامات والإضرابات العمالية، من خلال الاعتقال الجماعي والسجن والإخفاء القسري والترهيب.

وزاد المركز: وفي ظروف احتجاز غير إنسانية، ضاعفت سياسات الحبس الاحتياطي الممتد، والحرمان من الرعاية الصحية الواجبة، وممارسات التعذيب وسوء المعاملة، من معاناة عشرات الآلاف من المحتجزين، الأمر الذي سبق وأشار له تقرير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بشأن أماكن الاحتجاز في مصر.

إسكات المعارضة

وتابع المركز: أزمة حقوق الإنسان في مصر هي نتيجة مباشرة لاستراتيجية واسعة، تهدف لإسكات جميع أصوات المعارضة السلمية، ففيما تسيطر شركات تابعة للأجهزة الأمنية على معظم وسائل الإعلام، تحجب السلطات المصرية أكثر من 600 موقع إلكتروني، بينها مواقع لوكالات أنباء ومنظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان، كما تُوصف مصر بأنها «أحد أكبر السجون في العالم للصحافيين». وأكد المركز، أن آلاف المصريين من مختلف أطياف المجتمع، بمن في ذلك أعضاء الأحزاب السياسية والمحامون ونشطاء المجتمع المدني والأكاديميون، يتعرضون للسجن والإخفاء القسري لمجرد تعبيرهم عن اختلافهم مع سياسات الحكومة.

تشريعات صارمة

وواصل المركز في ورقته: توظف مصر تشريعاتها الصارمة لمكافحة الإرهاب ومكافحة جرائم الإنترنت لقمع الأصوات المعارضة وغلق المجال العام، وحاليًا يقبع في السجون المصرية على سبيل المثال، الناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح، وسياسيون سلميون آخرون منهم عبد المنعم أبو الفتوح وزياد العليمي، بتهمة «نشر أخبار كاذبة»، أو «استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمساعدة منظمة إرهابية». كما أصدرت المحاكم المصرية خلال عام واحد (2021)؛ 356 حكمًا بالإعدام (وهو أكبر عدد سجلته منظمة العفو الدولية لدولة باستثناء الصين). واتسع نطاق القمع ليشمل أيضًا مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من غير السياسيين؛ فتم سجن صانعات المحتوى بتهم ملفقة تتعلق بالاتجار بالبشر و«المساس بقيم الأسرة المصرية» بسبب منشوراتهن على منصات التواصل الاجتماعي.

مجتمع مدني محاصر

كان المجتمع المدني المستقل أحد المستهدفين الأساسيين بقمع السلطات المصرية بحسب الورقة، ووفقًا لخبراء الأمم المتحدة، يمنح القانون المصري المنظم لعمل المنظمات غير الحكومية السلطات التنفيذية «سلطة تقديرية واسعة لتنظيم وحل منظمات المجتمع المدني» وبالتالي يقوض استقلاليتها. هذا بالإضافة إلى انتهاكات السلطات المصرية بحق الفاعلين في المجتمع المدني؛ بمن فيهم المتعاونون مع الأمم المتحدة، من خلال  الإخفاء القسري والتعذيب والسجن، كما تستخدم السلطات المصرية القضية 173، المعروفة إعلاميًا بـ «قضية التمويل الأجنبي»، التي تضم عشرات المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان والممتدة منذ أكثر من 10 سنوات، لمعاقبة وترهيب الحقوقيين، من خلال التحفظ على أموالهم وتجميد الأصول، ومنعهم من السفر، والتلويح باتهامات ملفقة بحقهم قد تصل عقوبتها للسجن مدى الحياة.

وزاد المركز: لا يقتصر عداء السلطات المصرية للمجتمع المدني على المنظمات والجهات الفاعلة المصرية فحسب، ففي 2019، أثناء استضافة مصر للدورة الـ 64 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان وشعوب الاتحاد الأفريقي، رفض مسؤولون مصريون إصدار بطاقات المشاركة للمدافعين عن حقوق الإنسان، ضمن انتهاكات أخرى وصلت حد الاعتداء الجسدي على إحدى المدافعات من جنوب السودان أثناء عملية التسجيل، كما ذكر المشاركون من المجتمع المدني أن مسؤولي الأمن المصريين أخضعوهم لدرجات غير مسبوقة من الترهيب والمراقبة والقيود.

تقويض مصداقية مؤتمر المناخ

وتابع المركز: عقب الإعلان عن استضافة مصر لمؤتمر المناخ، حذر نشطاء وخبراء حقوقيون من أن سجل السلطات المصرية في مجال حقوق الإنسان من المرجح أن يقوّض مصداقية المؤتمر، وهي التحذيرات التي ثبتت صحتها؛ بعدما تعمدت السلطات المصرية “انتقاء” المنظمات غير الحكومية المصرية المسموح لها بالتسجيل للمشاركة في المؤتمر، مستبعدةً المنظمات التي تنتقد الحكومة، وذلك من خلال عملية تسجيل سرية ووفق معايير اختيار غير معلنة.

وواصل المركز: يعد تقليص مشاركة المجتمع المدني بشكل مباشر أثناء مؤتمر المناخ أحد الأوجه المتعددة لكيفية تقويض السلطات المصرية لشرعية المؤتمر، فبسبب عدم تسامح السلطات المصرية مع الاحتجاجات بشكل عام، والتحذيرات المتكررة من احتمالية تنظيمها على هامش المؤتمر، أعلن  وزير الخارجية المصري تخصيص “مرفق خاص” يتم إعداده وتطويره ليكون موقعا للاحتجاجات بجوار مركز المؤتمرات؛ إلا أن هذا لا يتوافق مع الاستخدام المعتاد للمجال العام في التجمع السلمي خارج «المنطقة الزرقاء»، وهو الحق الذي يضمنه الدستور المصري والتزامات مصر الدولية لحقوق الإنسان، بينما تنتهكه تشريعاتها وممارساتها الصارمة. كما تخشى بعض المنظمات غير الحكومية والنشطاء في مجال حماية البيئة من أن مشاركتهم في مؤتمر المناخ قد تعرضهم لخطر الاستهداف من جانب السلطات المصرية بعد انتهاء المؤتمر. إن مشاركة المجتمع المدني وحرية الجمهور في التجمع السلمي والاحتجاج، والتي تعتبر تقليديًا سمات مكملة لمؤتمر المناخ، معرضة لتهديد خطير.

انتهاكات بيئية

واعتبر المركز أن نهج السلطات المصرية، إزاء القضايا البيئية، يمثل مؤشرًا مهمًا حول كيفية تقويضها لمصداقية مؤتمر المناخ، فبعدما أقرت محكمة مصرية بفشل المسؤولين الحكوميين في إنفاذ القانون مما تسبب في انتهاكات بيئية وصحية ممتدة لأكثر من 20 عامًا في مدينة أسوان، وقضت بإلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تصريف مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية في نهر النيل حول المدينة؛ استأنفت الحكومة قرار المحكمة في أغسطس الماضي، على نحو يعكس مواقف السلطات المصرية من القضايا البيئية، والتي تنطوي على مخالفات بيئية وقانونية أيضًا.

ولفتت الورقة، إلى أنه على مدى أربعة أشهر، وفي إطار «خطتها التنموية»، اقتلعت السلطات المصرية 390 ألف متر مربع من المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، دون أي مشاورات مجتمعية مسبقة، رغم الاعتراضات الشديدة من جانب المجتمعات المحلية المتضررة، وبدعوى «تطويرها»، واستبعدت الحكومة المصرية جزيرة الوراق، إلى جانب جزر أخرى في النيل، من قائمة المحميات الطبيعية، وتم إجلاء السكان المحليين في الوراق قسرًا من منازلهم، واعتقال بعضهم لمجرد محاولتهم التشبيك لمواجهة قرارات الحكومة، وفي بعض المواجهات مع قوات الأمن سقط بينهم قتلى.

وأكد المركز أنه في الوقت الذي على الدول المتقدمة تحمل مسؤولية تقديم الدعم المالي للدول النامية لمواجهة تغير المناخ، فإنها تتحمل أيضًا مسؤولية ضمان إنفاق هذا الدعم بكفاءة وفعالية على قضايا المناخ، وعدم استخدامه بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم المزيد من الانتهاكات الحقوقية.

وبحسب الورقة: على مدار العقد الماضي، تلقت مصر دعمًا ماليًا يزيد عن 100 مليار دولار أمريكي، وتقدر المساعدات المالية من دول الخليج وحدها بقيمة 114 مليار دولار أمريكي، هذا بالإضافة إلى الدعم من الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. ورغم ذلك، فإن مصر على حافة أزمة اقتصادية حادة.

وواصل المركز في ورقته: مع الإقرار بتأثير الأحداث الدولية، مثل جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، التي قد تكون سبب تفجر الأزمة الاقتصادية مؤخرًا؛ إلا أن جذور هذه الأزمة ترتبط بقابلية مصر الشديدة للتأثر بالصدمات الخارجية واعتمادها الكبير على المساعدات المالية، وهو نتاج لغياب المساءلة، وقمع المجال العام (بما في ذلك قمع المجتمع المدني المستقل، ووسائل الإعلام، والمعارضة السياسية)، والحكم السلطوي بشكل عام. وفي غياب الضمانات الحقيقية التي تتيح للمجتمع المدني ووسائل الإعلام العمل بحرية، فمن غير المرجح أن تفي المساعدات المالية الهادفة لمعالجة تغير المناخ بغرضها في مصر.

واعتبر التقرير، أن استضافة مصر لمؤتمر المناخ العالمي يمثل فرصة جيدة للسلطات المصرية لتبيض سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي.

ولفت المركز، إلى أن النقد الدولي لسجل حقوق الإنسان في مصر على مدى العقد الماضي كان هزيلاً، إلا أنه دفع السلطات المصرية لمزيد من الاهتمام بتحسين صورتها الدولية، واتخاذ خطوات منها تشكيل السلطات المصرية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، ومجموعة الحوار الدولي، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي الخطوات التي استهدفت بشكل أساسي صرف الانتباه عن النقد الدولي، إذ لا ترتبط هذه المبادرات بأي جهد حقيقي لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر بشكل ملموس.

الحوار الوطني

واعتبر المركز أن الدعوة التي أعلنها الرئيس السيسي، في أبريل/ نيسان الماضي، للحوار الوطني، تهدف جزئيًا لاحتواء السخط الداخلي المحتمل الناجم عن الوضع الاقتصادي المتردي، فضلاً عن كونها محاولة جديدة لتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي والدول المانحة، وأن عدم وجود أي نتائج مهمة من هذا الحوار الوطني، خاصةً فيما يتعلق بمطالب الإفراج عن جميع سجناء الرأي، هو مؤشر على غياب الإرادة السياسية لمعالجة أزمة حقوق الإنسان.

ودعا المركز الدولة المشاركة والبرلمانيين وممثلي المجتمع الدولي الضغط على السلطات المصرية بشكل خاص وعلني من أجل؛ الإفراج غير المشروط عن جميع سجناء الرأي، بمن فيهم علاء عبد الفتاح وزياد العليمي وعبد المنعم أبو الفتوح وآخرين، ووقف توظيف الحبس الاحتياطي كوسيلة لمعاقبة المعارضين السياسيين، واستمرار تجديده لأجل غير مسمى، والكف عن الممارسة المنهجية للإخفاء القسري، والكشف عن أماكن ومصير المختفين قسرًا، بما في ذلك المتوفيين منهم.

كما طالب المركز الدولة المشاركة للضغط على السلطات المصرية، للحد من ممارسات التعذيب الممنهج في أماكن الاحتجاز، وتنفيذ لوائح السجون بشأن الحق في؛ الزيارة والرعاية الطبية وممارسة الرياضة والتواصل مع العالم الخارجي، وإصدار أمر بتعليق تنفيذ أحكام الإعدام، وإزالة القيود القانونية وغير القانونية المفروضة بحق المجتمع المدني المستقل وحرية التعبير وحرية الإعلام.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى