خطوة نحو إنهاء الخلافات.. مدعٍ تركي يطلب وقف محاكمة قتلة خاشقجي ونقل ملف القضية للسعودية 
عربي تريند_ طلب المدعي العام التركي في مدينة إسطنبول، الخميس، من القضاء التركي وقف المحاكمة المتواصلة منذ سنوات لـ26 متهماً بالمشاركة في قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، ونقل ملف القضية والمحاكمة إلى السعودية، في خطوة يعتقد أنها تأتي في إطار مساعي إنهاء الخلافات وتحسين العلاقات بين أنقرة والرياض، وذلك عقب سنوات من الخلافات الحادة تصدرها ملف قتل خاشقجي.
وبحسب وسائل إعلام تركية مختلفة، فقد طلب المدعي العام التركي في إسطنبول، وقف المحاكمة الغيابية لـ26 متهماً في قضية مقتل جمال خاشقجي ونقل المحاكمة إلى السعودية، حيث قررت المحكمة إحالة الطلب لوزارة العدل من أجل “إبداء الرأي” قبيل اتخاذ قرار نهائي، وهو ما يعني ضمنياً وقف المحاكمة الغيابية المتواصلة منذ سنوات لحين صدور قرار نهائي.
طلب المدعي العام التركي في إسطنبول، وقف المحاكمة الغيابية لـ26 متهماً في قضية مقتل جمال خاشقجي ونقل المحاكمة إلى السعودية
وبدأ هذا المسار في جلسة نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما طلبت هيئة المحكمة من دائرة العلاقات الخارجية بوزارة العدل التركية رداً عما إذا كانت هناك محاكمة للمتهمين في السعودية أم لا، وعلى إثر ذلك، خاطبت وزارة العدل التركية المدعي العام السعودي الذي طلب بدوره نقل ملف القضية للقضاء السعودي، واعداً بالنظر فيها ومتابعتها. وفي جلسة الخميس، رأى المدعي العام التركي أن ملف القضية بات “معلقاً بسبب أن المتهمين أجانب ويصعب الوصول إليهم والاستماع لأقوالهم أو جلبهم بواسطة الإنتربول”، وبناء على ذلك طلب وقف النظر في القضية ونقلها للقضاء السعودي “مع مواصلة متابعتها حسب الأصول القانونية”.
وبناء على هذا الطلب، قررت المحكمة طلب رأي وزارة العدل التركية في إمكانية نقل ملف القضية للسعودية، وحددت تاريخ السابع من شهر أبريل/ نيسان المقبل موعداً للجلسة المقبلة، وفي حال ردت وزارة العدل التركية على هذا الطلب بالإيجاب، فيتوقع صدور قرار بنقل القضية، وبالتالي إغلاق الملف بشكل نهائي في القضاء التركي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الخميس، إن بلاده ليس لديها أي موقف أو خطوات سلبية تجاه السعودية في أي مجال سياسي أو اقتصادي أو غيره، لافتاً إلى أنه “تم القيام بخطوات مهمة مؤخراً في مسار تحسين العلاقات بين البلدين”.
وملف القضية يضم أسماء المتهمين الرئيسيين في القضية، وجميعهم مقربون من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن لا يوجد أي منهم قيد التوقيف في تركيا، وبالتالي فإن القرار لا يشمل أي عملية تسليم لموقوفين، وإنما يتعلق بدرجة أساسية بإغلاق المحاكمة الغيابية في القضاء التركي وإحالة الملف للقضاء السعودي الذي أعلن سابقاً أنه أغلق ملف القضية واتخذ قرارات مختلفة بحق المتهمين.
وتعتبر قضية قتل خاشقجي من أبرز ملفات الخلاف التي فجرت العلاقات التركية السعودية في السنوات الأخيرة إلى جانب خلافات أخرى مختلفة، ورفض المدعي العام والقضاء السعودي التعاون مع تركيا في القضية، كما طالبت السعودية مراراً بإغلاق ملف القضية في تركيا باعتبار أن القضاء السعودي أقام محاكمة كاملة للمتهمين، وأنزل أحكاماً نهائية بحقهم.
وفي إطار مساعي إنهاء الخلافات وتحسين العلاقات بين أنقرة والرياض، اشترطت السعودية مراراً إغلاق ملف قتل خاشقجي الذي طالب سابقا المسؤولون الأتراك مراراً بتسليم قتلته لمحاكمتهم في تركيا كون الجريمة وقعت على أراضيها، وهو شرط أساسي طالما شددت عليه الجهات الرسمية التركية، قبل أن تتراجع التصريحات الرسمية حول القضية في العامين الأخيرين بشكل لافت.
وزير الخارجية التركي: ليس لدينا أي موقف أو خطوات سلبية تجاه السعودية، وتم القيام بخطوات مهمة مؤخراً في مسار تحسين العلاقات بين البلدين
وفي أبرز تطور في هذا السياق، نقلت وكالة رويترز، في أبريل/ نيسان الماضي على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قوله: “سنبحث سبل إصلاح العلاقات بأجندة أكثر إيجابية مع السعودية”، وحول ملف خاشقجي، قال قالن: “لديهم محكمة وأجريت محاكمات.. اتخذوا قراراً وبالتالي نحن نحترم ذلك القرار”، وهو ما اعتُبر حينها بداية لتغير جذري في الموقف التركي الذي وصف سابقاً المحاكمة السعودية بـ”المسرحية” وطالب مراراً بأن تجري المحاكمة على الأراضي التركية التي وقعت عليها الجريمة.
وخلال الأيام الماضية، شهدت العلاقات التركية السعودية حراكاً جديداً تمثل في لقاء بين وزيري خارجية البلدين عقب أيام من زيارة رئيس الشؤون الدينية التركي إلى جدة، حيث بحث مع وزير الحج السعودي ملف الحج والعمرة، في الوقت الذي أدانت فيه الخارجية التركية الهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية.
وبحسب صحيفة “الرياض”، فإن وزيريْ خارجية السعودية وتركيا بحثا “العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين، بالإضافة إلى مناقشة أبرز المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، والموضوعات المطروحة على جدول أعمال الدورة الـ48 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي”. في حين كتب وزير الخارجية التركي عبر تويتر: “سنواصل العمل معا لتطوير علاقاتنا بشكل أكبر”.
والأسبوع الماضي، أدانت وزارة الخارجية التركية الهجوم الذي تعرضت له السعودية بطائرات مسيرة وصواريخ، وشدد بيان للوزارة على رفض “أي هجمات إرهابية من هذا القبيل، تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتنافى مع القوانين الدولية”، مؤكداً على تضامن تركيا مع السعودية في مواجهة هذه الهجمات.
وفي الأشهر الأخيرة، نجحت الدبلوماسية التركية في تحقيق اختراق في مسارات تحسين العلاقات مع العديد من الدول حول العالم، فإلى جانب الاختراق الكبير في العلاقات مع الإمارات وإسرائيل وأرمينيا، جرت مباحثات متقدمة مع اليونان ودول أخرى، دون تسجيل أي اختراق حقيقي في مسار تحسين العلاقات مع السعودية، بالتزامن مع الجمود الذي يشهده مسار تحسين العلاقات مع مصر.
مسار الاتصالات طوال الأشهر الماضية يظهر حجم التعقيد في العلاقات بين السعودية وتركيا، وعدم تحقيق أي تقدم كبير أو اختراق يوصل لعقد لقاء بين أردوغان ومحمد بن سلمان
وفي تصريحات له بطريق عودته من الإمارات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده والسعودية تواصلان الحوار، وإنه من المرتقب تحقيق تقدم عبر اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة، ونقل عن أردوغان قوله: “حوارنا الإيجابي مع السعودية مستمر، وننتظر تقدما من خلال الخطوات الملموسة في الفترة المقبلة. نريد التقدم في هذه العملية مع السعودية في اتجاه إيجابي”.
ونهاية العام الماضي، تحدث أردوغان أمام رجال أعمال عن أنه ينوي زيارة السعودية قريباً لحل الخلافات السياسية والاقتصادية بين البلدين، لكن الرئيس التركي أو أي مسؤول آخر لم يتحدثوا لاحقاً عن أي خطوات للتحضير للزيارة أو موعد زمني لها، بينما التزم الجانب السعودي الصمت، ولم تتحقق الزيارة حتى اليوم.
ومع عدم استبعاد حصول تقدم مفاجئ في مساعي تحسين العلاقات بين أنقرة والرياض، فإن مسار الاتصالات طوال الأشهر الماضية يظهر حجم التعقيد في الملف، وعدم تحقيق أي تقدم كبير أو اختراق يوصل لعقد لقاء بين أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو المؤشر الحاسم على تحقيق الاختراق المأمول من الجانب التركي.
وعلى مدى عام مضى، جرت سلسلة اتصالات على مستوى أردوغان والملك سلمان، ووزراء الخارجية والاقتصاد، وغيرها من المستويات السياسية، إلا أنه لم تجر أي اتصالات بين أردوغان ومحمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، والذي يتخذ موقفاً متشدداً اتجاه تركيا ورئيسها عقب أزمة اغتيال خاشقجي في إسطنبول، ومساعي تركيا لإدانة ولي العهد السعودي في القضية بصفته “رأس المستوى السياسي الذي أعطى الأوامر بارتكاب الجريمة”.