الإمارات

نيويورك تايمز: دبي ملعب الأثرياء الروس وترحيبها المستمر بهم قد يقوض عقوبات الغرب على موسكو

 قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصلون بطائراتهم الخاصة ويخوتهم إلى الإمارات التي ترحب بهم، ولم تشجب بعد غزوه لأوكرانيا.

وأكدت الصحيفة أن دبي هي ملعب مهم للأغنياء، وأن ذلك قد يؤثر على فاعلية العقوبات الغربية على الأوليغارش الروس. وفي تقرير أعده كل من ديفيد كيركباتريك ومنى النجار ومايكل فورسايث، تحدثوا فيه عن أرخبيل الجزر الاصطناعية الذي يمتد في الخليج بعيدا عن الشواطئ وناطحات السحاب، وتم تصميمه على شكل شجرة نخيل ويتوزع على شكل خط من الجزر التي اصطفت عليها الفنادق والفلل والشقق السكنية الراقية. وشددوا على أن من بين الملاك لهذه الشقق والفلل، حلفاء للرئيس بوتين بمن فيهم حاكم سابق لمنطقة، ومدير محطة نووية ورجل أعمال بارز في مجال الإنشاءات وسناتور سابق ورجل أعمال بيلاروسي في مجال تجارة السجائر.

وقدرت الصحيفة أن هناك 36 من رجال الأعمال والمسؤولين المرتبطين ببوتين يملكون عددا من البيوت التي تقدر قيمتها مجموعة بـ314 مليون دولار. وحسب دراسة لم تنشر في السابق وأعدتها المؤسسة غير الربحية “المركز للدراسات الدفاعية المتقدمة”، أن من بين هؤلاء الملاك ستة فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات عليهم، وهناك ثري روسي آخر سيتم فرض العقوبات عليه ولديه يخت راسٍ هناك.

تجاهلت الإمارات والسعودية الطلب الأمريكي بزيادة معدلات إنتاج النفط لتخفيف مخاوف الأسواق العالمية، أما مصر فقد قررت كتم الانتقاد للغزو الروسي

وتقول الصحيفة إنه في الوقت الحالي يمكنهم اعتبار أنفسهم محظوظين، فمنذ الغز الروسي لأوكرانيا، فرضت معظم الدول عقوبات صارمة على المؤسسات المالية والشركات والأثرياء المرتبطين ببوتين، وحتى المراكز السرية المالية مثل سويسرا وموناكو وجزر كيمان، جمدت أرصدة تابعة لأثرياء روس، وصادرت يخوتا محجوزة على شواطئها. لكن ليس دبي، التي تعتبر المنطقة الكوزموبوليتية للشرق الأوسط.

ورغم شراكة الإمارات وواشنطن في الأمور المتعلقة بأمن الشرق الأوسط، إلا أن الدولة الخليجية أصبحت في السنوات الأخيرة ملعبا مفضلا للأثرياء الروس، لأنها لا تطرح أسئلة كثيرة عن مصادر المال الأجنبي المستثمر فيها. وربما أثرت الآن على بعض العقوبات التي فرضت على روسيا بترحيبها المتواصل بالأوليغارش المستهدفين. وقال آدم إم سميث، المحامي والمستشار السابق لمكتب الخزانة الأمريكية الذي يدير العقوبات: “العقوبات تكون قوية مثل الحلقة الأضعف”، مضيفا أن “استعداد أي مركز مالي للتعاطي التجاري عندما يرفض الآخرون توفيره هو تسرب في السد سيقوض كل الإجراءات”.

وتعلق الصحيفة أن الموقف الإماراتي يكشف عن التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب؛ بسبب ترددهم في معارضة الغزو الروسي. وعندما طُلب من الإمارات والسعودية ومصر التضامن في لحظة الحاجة لهم، فضلت هذه الدول تقديم الأولوية لعلاقاتها مع موسكو. فقد تجاهلت الإمارات والسعودية الطلب الأمريكي بزيادة معدلات انتاج النفط لتخفيف مخاوف الأسواق العالمية، أما مصر فقد قررت كتم الانتقاد للغزو والمضي في طلب قرض بقيمة 25 مليار دولار من روسيا لبناء مفاعل نووي. وقال مايكل حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: “يجب أن تكون لحظة فارقة”.

وتعتبر الإمارات الأكثر صراحة في موقفها، فهي تمارس دورها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، حيث امتنع الإماراتيون عن التصويت على قرار يشجب العدوان الروسي على أوكرانيا. وأكد مسؤولون إماراتيون للروس، أن سلطات بلادهم لن تفرض العقوبات حتى يصدر قرار من الأمم المتحدة، وهو مستبعد بسبب الفيتو الروسي.

وقال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: “لم نخرق أي قانون دولي، فلا أحد يحق له نقد دبي أو الإمارات أو أي دولة ترحب بأي شخص دخل بطريقة قانونية” مضيفا: “ما هي المشكلة؟ لا أفهم لماذا يشتكي الغرب؟”. وعبّر الروس في دبي عن امتنانهم للضيافة، وقال رجل أعمال روسي: “أن تحمل جواز سفر أو تملك أموالا روسية أمر سام جدا، ولا أحد يريد قبولك إلا في أماكن مثل دبي. لا مشكلة معك كروسي في دبي”. وكشف عن دعوة إلكترونية يتم تداولها بين الروس في المدينة: “حفلة كوكتيل على سطح منزل لأصحاب رؤوس الأعمال والشركات الناشئة والعملات المشفرة”، مع أن وزارة الخزانة الأمريكية حذرت يوم الإثنين البنوك وطلبت منها مراقبة العملات المشفرة حتى لا تكون عرضة للعقوبات. ووصف رجل أعمال عربي يقوم بتأجير الشقق المفروشة الفاخرة في دبي “الطلب الذي لا يصدق” عليها من الروس منذ الغزو، حيث قررت عائلة استئجار شقة من ثلاث غرف بعقد مفتوح وبـ15.000 دولار في الشهر، بالإضافة لبحث أكثر من 50 فرد وعائلة عن شقق.

ووجد مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، وهو مؤسسة في واشنطن ويجمع البيانات عن مناطق النزاع، أن حلفاء بوتين يملكون حوالي 66 عقارا في دبي إما بأسمائهم الحقيقية أو مسجلة بأسماء أقاربهم، وأن هناك الكثير من العقارات التي لا يمكن الكشف عنها. ومن بين الأسماء التي تملك عقارات وفرضت عليها عقوبات، عضو الدوما ألكسندر بوروداي، والذي قام بدور رئيس وزراء في إقليم أوكراني بعدما سيطر عليه الانفصاليون عام 2014. وهناك بيخان أغايي، الذي تملك عائلته شركة نفط، وأليكسي أليكسن، رجل أعمال في مجال الدخان. وهناك عدد آخر من الاثرياء الذين يملكون بيوتا يصل سعر الواحد منها إلى 25 مليون دولار.

وتكشف البيانات عن رسو يخت يعود إلى ملك الفولاذ وعضو مجلس الدوما أندريه شكوتش، في دبي. ووصلت يوم الجمعة طائرة تجارية تعود لأركادي روتنبرغ، وهو ملياردير فرضت عليه عقوبات. بالإضافة ليخوت ثلاثة أثرياء روس راسية في ميناء دبي. وتحدثت الصحيفة عن السفينة التي يبلغ طولها 220 وتعود للثري في مجال الحديد التي كانت في طريقها من سيشل، وأقلعت يوم الجمعة طائرة بوينغ 787 تعود لمالك نادي تشيلسي رومان أبراموفيتش، وأبحر في نفس اليوم، يخت عملاق طوله 460 قدما، ووضع على قائمة العقوبات.

وتقوم روسيا على مدى العقد الماضي ببناء علاقات مع الإمارات والدول العربية الأخرى مستثمرة عدم ارتياح تلك الدول من السياسة الأمريكية. وتضيف الصحيفة أن الحكام المستبدين في الدول العربية، عبروا عن غضبهم من البيانات التي صدرت من البيت الأبيض دعما للربيع العربي عام 2011، واعتبرت دول الخليج توقيع باراك أوباما اتفاقية مع إيران حول برنامجها النووي “خيانة”. وزاد إحباطها عندما لم يفعل دونالد ترامب أي شيء للدفاع عن السعودية بعد الهجمات على المنشآت النفطية الحيوية في 2019.

يقول المقربون من حكام هذه الدول إن حيادهم في الغزو الروسي لأوكرانيا يجب أن يعلم الولايات المتحدة درسا بعدم التعامل معهم كأمر مفروغ منه

ويقول المقربون من حكام هذه الدول إن حيادهم في الغزو الروسي لأوكرانيا يجب أن يعلم الولايات المتحدة درسا بعدم التعامل معهم كأمر مفروغ منه. ونقلت عن محلل سعودي قوله إن على واشنطن عدم النظر للعلاقة مع بلاده بأنها من طرف واحد، وتتوقع تنفيذ السعوديين ما تطلبه منهم. ولكن يشير آخرون إلى أن روسيا تجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدول التي تنتقدها واشنطن، وأن البحث عن قوة بديلة، منح الدول العربية مزيدا من النفوذ. وقال مصطفى السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: “من المفيد للدول العربية اتخاذ هذا الموقف”.

وتضيف الصحيفة، أن روسيا باعت أسلحة لكل الدول العربية، وأرسلت السعودية عددا من ضباطها لتلقي التدريب في روسيا. كما تعاونت مصر والإمارات مع روسيا في الحرب الأهلية الليبية. ودعمت الدول الثلاث خليفة حفتر، وحملته ضد الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس. وقدمت مصر قواعد عسكرية على الحدود، وأرسلت الإمارات طائرات حربية، أما روسيا فقدمت المرتزقة. وزار ولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات موسكو ست مرات في الفترة ما بين 2013- 2018، وعندما زار بوتين الإمارات في العام التالي، أضيئت المعالم الهامة بألوان العلم الروسي، وتم طلاء سيارات بالرايات الروسية والحروف السيريلية. وهناك أيضا النزاع في اليمن، الذي يربط دول الخليج مع روسيا. ففي أثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، دعمت روسيا وبشكل غير متوقع مشروع القرار الإماراتي لتصنيف الحركة الحوثية بالإرهابية. وقال محللون متعاطفون مع الموقف الإماراتي، إن أبو ظبي حصلت على دعم موسكو من خلال الامتناع عن التصويت في قرار شجب الغزو.

واستخدمت روسيا العلاقات المالية أيضا لإبعاد دول الخليج عن أمريكا، مستخدمة صندوق الاستثمار المباشر الروسي ومديره كيريل ديمترييف، الذي أضيف لقائمة العقوبات الأسبوع الماضي. وتم إنشاء الصندوق السيادي هذا عام 2011 لجذب رأسمال الأجنبي إلى روسيا بشراكة مع حكومتها. وحاول الصندوق التقرب أولا من وول ستريت، حيث استخدم ديمترييف الذي تخرج من ستانفورد وهارفارد علاقاته مع الولايات المتحدة وعمله السابق في صندوق للاستثمار في الجمهوريات السوفييتية السابقة. وحاول الاستعانة بالصندوق الروسي، وستيفن شوارزمان، من مجموعة بلاكستون وليون بلاك من أبولو غلوبال مانجيمنت. لكن الممولين الأمريكيين فرّوا من روسيا بعد ضم القرم عام 2014، ولهذا توجه ديمترييف نحو الشرق وأمّن استثمارا بـ5 مليارات دولار من الإمارات، و10 مليارات دولار من السعودية. كما عمل كمبعوث غير رسمي إلى دول الخليج حيث كان يتحدث عن الاستثمارات والسياسة الخارجية. وكان دوره واضحا عام 2016 كما ظهر في تقرير “مولر” حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، عندما عمل مع القادة الإماراتيين على ربط دونالد ترامب مع الروس، وكتب تقريرا موجزا للمصالحة وقع في يد مستشار ترامب، جاريد كوشنر.

لكن الأثرياء الروس كان لديهم سبب آخر غير القضايا الجيوسياسية للاستثمار في الإمارات. فقادة البلد جذبوا المال الأجنبي من خلال السماح بدرجة عالية من السرية حول الأرصدة وبمعلومات قليلة للجهات المختصة، كما تؤكد ماريا مارتيني الباحثة في منظمة الشفافية الدولية، حيث قالت: “كانت دبي لاعبا مهما في السنوات الأخيرة بخطط فساد وغسيل أموال كبيرة” مشيرة إلى رجال أعمال روس وابنة رئيس أنغولي سابق وتاجر أسماك ناميبي والأخوين غوبتا من جنوب أفريقيا. وأشارت مجموعة تراقب عمليات غسيل الأموال إلى تقصير الإمارات في مكافحة الفساد ووضعتها على القائمة الرمادية. ونظرا لجاذبية دبي بالنسبة للروس، فقد نشأت ما تشبه المستعمرة الروسية فيها، وكانت بديلا عن مناطق الروس في نايتسبريج في لندن والريفييرا الفرنسية.

وبحسب مجلس التجارة الروسي في دبي، هناك حوالي 3.000 شركة يملكها الروس في الإمارات. وقدرت السفارة في أبو ظبي عدد الروس في البلد بحوالي 100.000 روسي ويزوره كل عام مليون روسي. واشتهرت المذيعة التلفزيونية تاتيانا فيشنيفسكايا من خلال ترويجها للحياة والتجارة في دبي. وتملك الشركة الروسية بولدورز عددا من المطاعم الراقية والنوادي الليلية في المدينة.

وكما في الوضع الحالي، فقد قاومت دبي حملة أمريكية سابقة للعقوبات ضد إيران عام 2006، فرغم الخلافات السياسية، إلا أن إيران تقع على الجانب الآخر من مضيق هرمز وتتمتع بصلات تجارية وعائلية تعود إلى قرون. ولكنها اضطرت لاتخاذ إجراءات، فهل سيحدث مثل هذا مع المال الروسي؟

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى