المغرب العربي

اتفاق السودان.. عودة للمسار الديمقراطي أم مزيد من التأزيم؟

عربي تريند_ بعد 27 يوما من قرارات اعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا“، عاد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى النقطة الأولى بتوقيعه مع المدنيين الأحد اتفاقا بشأن الفترة الانتقالية التي بدأت في 21 أغسطس/ آب 2019 وتستمر 53 شهرا.

فلم يمر سوى عامين وأزيد قليلا، حتى قطع البرهان الفترة الانتقالية بإعلانه في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، وهو ما أطلق احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات باعتبارها “انقلابا عسكريا”.

وأثارت تلك الإجراءات رفضا إقليميا ودوليا قادته دول “الترويكا”، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج، بالإضافة إلى غضب شعبي واسع عبر احتجاجات مستمرة سقط فيها 40 قتيلا ومئات الجرحى.

ويتضمن اتفاق البرهان وحمدوك الأخير 14 بندا، أبرزها إلغاء قرار إعفاء حمدوك من رئاسة الحكومة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي.

ويؤكد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الرئيسية خلال المرحلة المقبلة، مع ضرورة تعديلها بالتوافق، بما يضمن ويحقق مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع، عدا حزب المؤتمر الوطني (المنحل).

وهذه الوثيقة خاصة بهياكل السلطة خلال مرحلة انتقالية يعيشها السودان منذ 2019 وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق السلام في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

كما ينص الاتفاق على أن يشرف مجلس السيادة الانتقالي على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية دون تدخل في العمل التنفيذي.

وفي أكثر من مناسبة، قال البرهان إنه أقدم على إجراءات 25 أكتوبر “لحماية البلاد من خطر حقيقي”، متهما قوى سياسية بـ”التحريض على الفوضى”، ومشددا على اعتزامه تشكيل “حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)”.

واشنطن وتل أبيب
واعتبر دكتور حاج حمد محمد، أستاذ جامعي، أن “ما تم توقيعه من اتفاق سياسي هو نسخة مكررة من الوثيقة الدستورية لعام 2019، وفي اتفاق الأحد حافظ الجيش على مشاركته في السلطة الانتقالية كما يريد”.

وأضاف أن “عودة الجيش وقائده (البرهان) للتوقيع مع المدنيين برئاسة حمدوك، تم جراء الضغط الدولي وكذلك الضغط الشعبي الرافض للحكم العسكري للبلاد مرة أخرى”.

وتابع أن “إسرائيل وحلفاءها في المنطقة، من دول الإمارات ومصر، كانوا داعمين للبرهان في خطواته”.

وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قالت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) إن المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، طلبت من إسرائيل “التدخل” في أزمة السودان من أجل العودة إلى “المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية”.

وأردف محمد أن “واشنطن مارست ضغطا على البرهان ومجموعته، عبر حلفائها وعلى رأسهم إسرائيل، التي ظهرت مؤخرا في السودان بقوة من خلال دعاة التطبيع (مع تل أبيب)، وعلى رأسهم البرهان”.

وفي 2020، وقعت حكومات السودان وثلاث دول عربية أخرى، هي الإمارات والبحرين والمغرب، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما أثار رفضا شعبيا عربيا، في ظل استمرار احتلال تل أبيب لأراضٍ في أكثر من دولة عربية، ورفضها قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967.

وأضاف أن “أمريكا ضغطت لعودة المسار الديمقراطي.. البرهان تراجع تحت ضغط دولي كبير، لا سيما من أمريكا، التي توجهت إلى إسرائيل وطالبتها بالضغط على البرهان، وهو ما تم”.

إبعاد قوى الحرية والتغيير
وفق أمير بابكر، محلل سياسي، فإن “البرهان نجح في تحقيق ما كان يريده، وهو إبعاد قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي”.

وقوى “إعلان الحرية والتغيير” هو ائتلاف مدني قاد الاحتجاجات التي أدلت إلى عزل قيادة الجيش للرئيس عمر البشير (1989-2019)، ثم أصبح شريكا مع الجيش في السلطة الانتقالية، وهو الذي رشح حمدوك رئيسا للحكومة.

لكن جرى إبعاد قوى “إعلان الحرية والتغيير” عن توقيع اتفاق الأحد، الذي أعاد المواد التي جمدها الجيش في الوثيقة الدستورية إلا تلك المذكور فيها “إعلان الحرية والتغيير”.‎

ورأى بابكر، أن “البرهان لم يتراجع، بل حقق ما يريده بأن أبقى على حمدوك رئيسا للوزراء وتحت إشراف مجلس السيادة، وأبعد قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي”.

وفي أغسطس/ آب 2019، وقع المجلس العسكري (المنحل) وقوى “إعلان الحرية والتغيير” (الائتلاف الحاكم) وثيقتي “الإعلان الدستوري” و”الإعلان السياسي”، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.

وأضاف بابكر أن “الضغط الإقليمي والدولي أسفر فقط عن إعادة حمدوك لرئاسة الوزراء ومشاركة المدنيين، وهذه لم تكن أولوية الشارع المطالب بحكم مدني متكامل وإبعاد العسكر عن السلطة”.

ومنذ إعلان قرارات البرهان في 25 أكتوبر، أعلنت كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والإفريقي رفضها لهذه القرارات، وطالبت الجيش بالعودة إلى المسار الديمقراطي.

وأجرى مسؤولون أمريكيون وأمميون وأوروبيون وأفارقة مباحثات مع مسؤولين سودانيين، في مقدمتهم حمدوك والبرهان، من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية وعودة المدنيين إلى الحكم.

مزيد من التأزيم
ورأى عثمان فضل الله، محلل سياسي، أن “البرهان تراجع خطوة للوراء، وهي خطوة جاءت في التوقيت الخاطئ، حيث كان يمكن أن تتم قبل ذلك”.

وتابع فضل الله أن “البرهان تراجع خطوة للوراء خوفا من العقوبات الأمريكية التي كانت ستطاله هو والجيش لانقلابه على السلطة المدنية”.

واعتبر أن “قائد الجيش لا يضع اعتبارا كبيرا لضغط الشارع، بقدر ما يضع حسابا للضغط الدولي، الذي جعله بالفعل يتراجع خطوة”.

واستدرك: “لكنه بتوقيع الاتفاق السياسي مع حمدوك مضي بالأمور إلى مزيد من التأزيم، فالشارع لا يريد غير الحكم المدني المتكامل، وهو ما لن يتم في ظل وجود المكون العسكري الذي سيمارس ذات السياسيات الحالية في قمع وكبت الحريات حتى في وجود حمدوك الذي سيجد نفسه في مأزق مع العسكر في السلطة”.

ومساء الأحد، شهدت مدن سودانية احتجاجات رافضة للاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك.

واعتبر تجمع المهنيين السودانيين، قائد الحراك الاحتجاجي، في بيان، أن الاتفاق يمثل “محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير، وسلطة المجلس العسكري، وانتحار سياسي لحمدوك”.

ورأى التجمع عبر بيان، أن “هذا الاتفاق الغادر هو تلبية لأهداف الانقلابيين المعلنة في إعادة تمكين الفلول (نظام البشير)، وخيانة لدماء شهداء ثورة ديسمبر (2018) قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر”.

(الأناضول)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى