مصر

إلغاء الطوارئ في مصر: تفاؤل حذر ومخاوف من قوانين فرضت إجراءات استثنائية

عربي تريند_ أعلن الرئيس المصري في ساعة متأخرة من ليل الإثنين، إلغاء الطوارئ بعد أكثر من 4 سنوات من فرضها بشكل مفاجئ. إعلان قابله تفاؤل حذر من قبل المعارضة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، وبينما أشاد البعض، بالخطوة، واعتبرها بداية لانفراجة في ملف حقوق الإنسان، خاصة أنها جاءت بعد شهر من إطلاق الرئيس المصري الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، رأى آخرون، أنها مجرد خطوة شكلية في ظل سلسلة القوانين التي صدرت خلال الأعوام الماضية مثل قوانين التظاهر والإرهاب والصحافة، التي فرضت إجراءات استثنائية على المواطنين.

«الشعب صنعه»

وأعلن السيسي، مساء الإثنين، إلغاء حالة الطوارئ في البلاد. وقال عبر صفحته على موقع فيسبوك: «يسعدني أن نتشارك معا تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر، بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد».
وتابع: «هذا القرار الذي كان الشعب المصري هو صانعه الحقيقي على مدار السنوات الماضية بمشاركته الصادقة المخلصة في كل جهود التنمية والبناء». وأضاف: «وإنني إذ أعلن هذا القرار، أتذكر بكل إجلال وتقدير شهداءنا الأبطال الذين لولاهم ما كنا لنصل إلى الأمن والاستقرار».
وأعلنت حالة الطوارئ للمرة الأولى في عهد السيسي لمدة ثلاثة أشهر، في نيسان/أبريل 2017 بعد تفجيرين في كنيستين أسفرا عن مقتل 45 شخصا على الأقل. ومنذ ذلك الوقت تمدد مصر حالة الطوارئ ثلاثة أشهر أخرى أو تعلنها مجددا بعد مرور يوم أو أكثر على المدة السابقة تفاديا لتطبيق نص في الدستور يفرض إجراء استفتاء في حال التمديد أكثر من مرة.

نصوص استثنائية

المحامي الحقوقي، ناصر أمين، قال: «كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ، قد تم نقلها إلى قوانين أخرى وهي مازالت سارية، ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ».
وأعطى أمثلة، بقانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية، مضيفا: «بالتالي مازال لدى السلطة التنفيذية السند التشريعي لعدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الطبيعي، لا شيء مهم».
مصير عشرات النشطاء السياسيين الذين يحاكمون أمام محاكم استثنائية، كان من الأمور التي شغلت المحامين، بعد إلغاء الطوارئ. وتنص المادة 19 من قانون الطوارئ، على أنه (عند انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة عليها وتتابع نظرها وفقا للإجراءات المتبعة أمامها. أما الجرائم التي لا يكون المتهمون فيها قد قدموا إلى المحاكم فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها الإجراءات المعمول بها أمامها).
فيما تنص المادة عشرون من القانون نفسه: (يسري حكم الفقرة الأولى من المادة السابقة على القضايا التي يقرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها طبقا لأحكام هذا القانون، ويبقى لرئيس الجمهورية كل السلطات المقررة له بموجب القانون المذكور بالنسبة للأحكام التي تكون قد صدرت من محاكم أمن الدولة قبل إلغاء حالة الطوارئ ولم يتم التصديق عليها، والأحكام التي تصدر من هذه المحاكم طبقا لما تقرره هذه المادة والمادة السابقة).

محاكم أمن الدولة طوارئ

المحامي الحقوقي خالد علي قال إن «القضايا التي مازالت في التحقيقات ولم تصدر النيابة قرارا بإحالتها للمحاكمة، عندما تحال بداية من الغد، تكون المحاكمة أمام القضاء العادي، وليس أمن الدولة طوارئ، أما القضايا التي صدر بشأنها قرارات حتى تاريخ اليوم بإحالتها للمحاكمة أمام الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة طوارئ هي التي تنظرها، وينطبق عليها قانون الطوارئ رغم إنهاء حالة الطوارئ». وزاد: «هذه القاعدة الأخيرة نفسها تنطبق على القضايا التي رفض الحاكم العسكري التصديق على الأحكام الصادرة فيها، وقرر إعادة محاكمتها سوف تتم إعادة المحاكمة أمام محاكم الطوارئ ووفقا لإجراءات قانون الطوارئ».
وعلق المحامي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، على إلغاء قانون الطوارئ وكتب على صفحته على الفيسبوك: «الإفراج عن سجناء الرأي، الإفراج عن كل من تجاوز مدة الحبس الاحتياطي. لا بديل ولا إجراءات شكلية، استراتيجية حقوق الإنسان كاذبة مجلس حقوق الإنسان، أكذوبة».

الحبس الاحتياطي

وحسب محامين، لن يؤثر إلغاء حالة الطوارئ على إجراءات الحبس الاحتياطي، خاصة احتجاز المتهمين على ذمة القضايا السياسية، طبقا لقانون الإجراءات الجنائية.
وينص قانون الإجراءات الجنائية على مدد الحبس الاحتياطي بأن لا تتجاوز ثلث العقوبة بحد أقصى، وهي 6 شهور في الجنح، وسنة ونصف السنة في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المؤبد أو الإعــدام.
محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، قال إن «إعلان السيسي إلغاء مد حالة الطوارئ خطوة تستحق الإشادة، ونتمنى أن تكون خطوة على طريق إصلاح يتضمن إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا رأي وتعديل مواد الحبس الاحتياطي وفتح المجال العام وتوسيع هامش حرية الصحافة والإعلام». وقالت الصحافية، إسراء عبد الفتاح، إن قرار إلغاء مد حالة الطوارئ «قرار حكيم كنا ننتظره لسنوات ونتمنى أن يتبعه، الإفراج عن المحبوسين احتياطيا، ووقف المحاكم الاستثنائية، وغلق القضية 173 وإلغاء قرارات التحفظ على الأموال ومنع السفر فعليا وليس ورقيا». وتابعت: «كذلك رفع الحجب عن المواقع الصحافية والحقوقية المستقلة، إعلان عن خطة تنفيذية بجدول زمني للتطبيق الفعلي الفوري للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».

7 خطوات

خطوة من 7 خطوات، عنوان بيان مقتضب، أصدرته «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» للتعليق على قرار إلغاء حالة الطوارئ. وقالت المفوضية في بيانها: «في مايو/ أيار 2021، أصدرت منظمات حقوقية مصرية، مطالبها قبل الحديث عن أي انفراجة في ملف حقوق الإنسان في مصر، بعنوان أول 7 خطوات، ومن بين هذه المطالب كان إلغاء حالة الطوارئ المفروضة في مصر منذ عام 2017 ويتم مدها أو إعادة تطبيقها كل ثلاثة أشهر». وأضافت: «بعد قرابة 5 سنوات، أعلن رئيس الجمهورية قراره بعدم تمديد حالة الطوارئ في مصر، وبينما ترحب وندعم أي تحركات من شأنها إنهاء حالة القمع والاستهداف المستمرة منذ سنوات للمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين والمعارضين وأصحاب الرأي، تشدد على ضرورة تطبيق باقي الخطوات السبع، كحد أدنى للشروع في معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر».
وتضمنت المطالب التي رفعتها المفوضية، ‎الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف «تدوير» السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون، و‎تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها، وإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني، وسحب مشروع قانون الأحوال الشخصية وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة يكفل الحقوق المتساوية للنساء، ورفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية والتي تجاوز عددها 600 موقع محجوب بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي.

تاريخ الطوارئ في مصر

وعرفت مصر لأول مرة مصطلح قانون الطوارئ، في أكتوبر عام 1956، خلال العدوان الثلاثي على مصر، بعدما كانت في السابق تعرف باسم «الأحكام العرفية» إبان تأميم قناة السويس، واستمرت حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
خلال فترة العدوان الإسرائيلي على مصر استمر العمل بقانون الطوارئ، إلى أن رفعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قبل اغتياله بحوالي 18 شهرا، ثم أعاد الرئيس الراحل حسني مبارك العمل بحالة الطوارئ، طوال فترة حكمه التي امتدت 30 عاما، وأثارت خلال تلك الفترة انتقادات حقوقية واسعة، ومطالبات محلية ودولية بإلغائها.
ومع قيام ثورة يناير/ تشرين الثاني 2011، كان من بين المطالب التي رفعها المحتجون إلغاء الطوارئ، وهو ما حدث بالفعل إبان الإطاحة بمبارك. لكن أعيد فرضها مرة أخرى بعد اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة في سبتمبر/ايلول من العام نفسه. إلى أن أوقف المجلس العسكري الذي كان يدير البلاد وقتها العمل بحالة الطوارئ في أيار/ مايو 2012.
وخلال العام الذي تولى فيه الرئيس الراحل محمد مرسي، لم يفرض حالة الطوارئ، باستثناء حالة واحدة، عندما قرر فرضها لمدة شهر في مدن القناة بعد أحداث عنف في ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني عام 2013 وعقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في آب/أغسطس 2013، أعاد الرئيس المؤقت وقتها عدلي منصور فرض حالة الطوارئ لمدة شهر واحد فقط.
ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلا عن تمكين الجيش من فرض الأمن.
كما يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
ويعطي القانون الحق لمن جرى اعتقاله بموجب الطوارئ في التظلم أمام محكمة أمن دولة عليا إذا انقضت ستة أشهر من تاريخ اعتقاله دون أن يفرج عنه. وتفصل المحكمة في الأمر على وجه السرعة، ولا يعتبر قرارها نافذا إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية.
وحسب مواد قرارات الرئيس في تمديد أو تجديد الطوارئ، تشترك أغلبها في موادها على أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة الأخطار، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.
وفي يوليو/تموز الماضي أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، تبدأ اعتبارا من الساعة الواحدة من صباح يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من يوليو/تموز عام 2021 ميلادية، وذلك بعد أن وافق عليه مجلس النواب.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى