العالم تريند

نتنياهو يخشى انقلاب الشارع الإسرائيلي ضد الحرب.. ويواصل محاولات التغرير والتخدير

رغم المظاهرات والاحتجاجات الواسعة في الغرب (الخجولة والمفقودة في الشرق)، تواصل إسرائيل حربها على غزة، لليوم السادس والسبعين، غير مكترثة بها، خاصة أن الحكومات الغربية تتأرجح بين الدعم المباشر والسخي كالموقفين الأمريكي والألماني وبين الضرائب الشفوية أو الصمت التي تمّيز مواقف دول أخرى. ويبدو أن الضغوط الداخلية في إسرائيل مرشحّة حتى نهاية هذا العام ومطلع العام الجديد لأن تكون أكثر فاعلية وجدوى لوقف الحرب، رغم عدم تحقيق أهدافها المعلنة، ورغبة حكومتها، بقيادة نتنياهو، بمواصلتها.

رغم الصدمة الكبرى في السابع من أكتوبر، ويبدو بسببها، أبدى الشارع الإسرائيلي تجندّا وتكافلاً غطّى على إخفاقات الحكومة التي أصيب بالذهول والشلل في الفترة الأولى. بيد أن الكشف المتزايد عن فضائح جديدة تتعلق بإخفاقات المستويين السياسي والعسكري، قبل وخلال الحرب على غزة، من شأنه، إذا ما اقترن مع متغيّرات أخرى، أن ينتج حالة وموجة احتجاج واسعة ترغم الحكومة على وقف الحرب، والذهاب لصفقة كبرى مقابل “حماس”.

منذ نحو الشهر، لا يمرّ يوم إلا ويكشف فيه عن معطيات جديدة تفضح حجم الفشل الذريع، قبيل السابع من أكتوبر، وتتكشف عن إخفاقات تتعلق بإدارة الحرب وحساباتها ومصداقية قادتها، ما يفاقم أزمة الثقة بين أوساط إسرائيلية متزايدة وحكومتهم. من هذه الإخفاقات، تكشف حجم الفشل الاستخباراتي الذريع في السابع من أكتوبر، والكشف عن وجود تقارير تنذر باستعداد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” للقيام بما قامت به.

لم يعد الإسرائيليون بحاجة لغربلة القمح من الزيوان، فبالنسبة لهم فإن نتنياهو كاذب ومخادع وأناني، وكل كشف جديد عن مثل المواقف المربكة يذكّرهم بما قاله عنه سموتريتش: كاذب ابن كاذب

في تقرير جديد، تكشف صحيفة “هآرتس”، اليوم، عن أن نتنياهو علمَ، في 2017، بخطة محتملة لـ “حماس” شبه متطابقة بتفاصيلها لما حصل على الأرض في السابع من أكتوبر، ولم يفعل شيئاً.

تحت عنوان: “نتنياهو حول حماس: بكلماته هو”، قال تقرير “هآرتس”، اليوم، إن نتنياهو يعلم، منذ عقد تقريباً، أن مخططات وأحلام “حماس” العنيفة تقضي بهجمة قاتلة تجبي الكثير من الدماء الإسرائيلية، وبأسر مخطوفين كورقة مساومة. وتوضح “هآرتس” أن نتنياهو طرح أمام لجنة “الرقابة” في الكنيست، قبل ست سنوات، (لمناقشة تقرير سري حول حرب “الجرف الصامد” 2014) تصوّراً له يتعلق باحتمال تنفيذ هجمة خطيرة على إسرائيل تقودها “حماس”، وفيه تحدث نتنياهو بنفسه عن ضربات متزامنة تشمل إطلاق آلاف الصواريخ، وعمليات كوماندوز بحرية وجوية وبرية، علاوة على اختراق قوات نخبة للمستوطنات والقواعد العسكرية الحدودية المقابلة لـ قطاع غزة. وجاء على لسان نتنياهو، طبقاً لتقرير “هآرتس”، أن تقديرات “حماس” أنها قادرة على إخراج الخطة لحيّز التنفيذ، بحال نجحت بمباغتة إسرائيل”.

وعن ذلك قال نتنياهو، عام 2017: “لا نستطيع التحكم بقرارات العدو. أقصى ما نستطيع فعله هو التأثير على قدراته بتنفيذ نواياه هذه”.

مثل هذا الكشف يشحن الإسرائيليين بالكثير من الغضب والتحامل على نتنياهو ووزرائه، ويزيد علامات السؤال حول أهليتهم، ويعمّق أزمة الثقة بقدراتهم وحساباتهم في مواصلة الحرب على غزة أيضاً.

بالطبع يضاف لهذا الكشف كشوفات أخرى، منها علم الحكومة، منذ أربع سنوات، بوجود نفق إستراتيجي يصل لحدود بيت حانون، لكن نتنياهو آثر التجاهل بقوله للجهات المعنية: “الصمت يقابل بالصمت”. كذلك فإن الأرشيف لا يرحم، ووسائل إعلام عبرية تنبش فيه، وتجد مواقف وتصريحات متصادمة ومتناقضة على لسان نتنياهو، تتعلق أيضاً بقطاع غزة، ومنها قوله بالصوت والصورة، وفق تقرير للقناة 13 العبرية، ليلة أمس: “لا مانع لديّ بدخول السلطة الفلسطينية للقطاع، لكن عندي مشكلة بدخول حماس للضفة الغربية”.

لم يعد الإسرائيليون، اليوم، بحاجة لغربلة القمح من الزيوان، فبالنسبة لهم فإن نتنياهو كاذب ومخادع وأناني، وكل كشف جديد عن مثل المواقف المربكة يذكّرهم بما قاله عنه وزير المالية سموتريتش قبل شهور: “كاذب ابن كاذب”، ويذكّرهم بفساده وتوريط إسرائيل بـ “إصلاحات قضائية” صرفت أنظارهم جميعاً عن التهديدات الخارجية، وشجّعت أعداءها للتجرؤ عليها.

عائلات المحتجزين
والمصداقية بالنسبة لعائلات المحتجزين أمر في غاية الحساسية والأهمية، فمنذ السابع من أكتوبر التزموا الصمت، بتوصية المؤسسة الحاكمة، على مبدأ أنها تسعى لاستعادة أعزائهم من الأسر، وأن الحرب تخدم هذه الغاية، وأن احتجاجهم في الشوارع يضرّ بمساعيها، ويرفع كلفة صفقة تبادل محتملة. بيد أن ذوي المحتجزين اكتشفوا، بالتجربة المرّة، أن 75 يوماً قد مرّت ولم تنجح إسرائيل باستعادة سوى مجندة واحدة بواسطة القوة والضغط العسكري، أما البقية فتمت استعادتهم بالمفاوضات، فقط كما كانت تؤكد المقاومة الفلسطينية منذ اليوم الأول. كما أن مقتل المحتجزين الثلاثة، وشهادة المفرج عنهم العائدين من غزة عن مخاطر المساس بهم نتيجة القصف الإسرائيلي العشوائي، علاوة على مناشداتهم، عبر فيديوهات، من هناك تدفع عائلاتهم للكفر بمزاعم الحكومة، ولتصعيد الاحتجاجات وسط تزايد التكافل معهم من قبل أوساط إسرائيلية إعلامية وشعبية كانت حتى الآن تبدي تضامناً حذراً وبارداً، وتتأثر بادعاءات الحكومة بضرورة التنبّه أكثر لمصالح إسرائيل العليا، مقابل حياة 130 محتجز.

يوماً بعد يوم، تتزايد أصوات معلقين وعسكريين إسرائيليين في الاحتياط، أمثال رئيس الموساد السابق تامير باردو، ورئيس الاستخبارات العسكرية سابقاً الجنرال عاموس يادلين، ونائب قائد الجيش سابقاً الجنرال في الاحتياط يائير غولان، وغيرهم من الداعين لوضع استعادة المحتجزين كهدف أول ينبغي التركّز به الآن، حتى بثمن وقف الحرب قبل تحقيق أي من أهدافها المعلنة. انضم لهؤلاء وزير الأمن الداخلي السابق، عومر بارليف، الذي قال للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم الخميس، إن إسرائيل ما زالت تقف خلف معضلة متفاقمة، معرباً عن مخاوفه من تورطها في حالة مراوحة في المكان داخل غزة واستمرار القتال لأيام طويلة. ورداً على سؤال، أكد بارليف تأييده لاستعادة المحتجزين الآن بثمن وقف الحرب: “ربما لن نستطيع الإجهاز على قيادة “حماس”، والوضع في الميدان صعب، ونحن أمام معضلة: إما استمرار الحرب، أو استعادة المخطوفين. علينا استعادتهم الآن وبمقدورنا العودة لمعالجة قيادة “حماس” بعد سنة، وبعد سنتين. لا يمكن مواصلة الحرب بهذه الطريقة، وعلينا اختيار واحد من الهدفين، واستعادة المخطوفين هو الهدف الأهم. كل يوم يمضي تستاء أحوال المحتجزين داخل القطاع”.

يشار إلى أن تسريبات إسرائيلية قد نقلت، قبل أيام، عن قائد الجيش هرتسي هليفي قوله إن “قتل أسامة بن لادن استغرق عشر سنوات”، وهذه إشارة لاحتمال أن الحرب ربما تطول، وأن تدمير “حماس” ليس بالأمر المضمون.

يتزامن الكشف عن مثل هذه المعطيات مع كشوفات عما تتخلله الحرب الراهنة، ومن آخرها الكشف عن أن يوتام حاييم، أحد المحتجزين الإسرائيليين الثلاثة الذين قتلوا قبل أسبوع بـ “نيران صديقة” كان قد هرب جريحاً، بعد استهدافهم، لعمارة مجاورة، وأخذ يصرخ بالعبرية: “أنا مخطوف، وأنا جريح”، ومع سماع توسّلاته أمر قائد السرية الجنود بالكفّ عن النار، ودعاه للخروج من العمارة، وعندما خرج جددوا إطلاق الرصاص عليه حتى الموت.

الثمن الباهظ
والمتغير الآخر، والأهم ربما بالنسبة لكل الإسرائيليين، هو الخسائر في صفوف الجيش، الذي يعلن ليل نهار عن تقدمه، وعن نجاحاته الميدانية، لكنهم يتنبّهون مع الوقت إلى أن الجيش الإسرائيلي عاجزٌ عن حسم المعركة مقابل فصائل فلسطينية صغيرة ومحاصرة منذ 75 يوماً.

كذلك من المؤكد أن الإسرائيليين بشكل عام يلاحظون أنه مقابل النجاحات المزعومة تزامناً مع صور الدمار والتدمير والتهجير داخل القطاع يستمر الكشف عن المزيد من الجنود القتلى والجرحى، خاصة أن مصادر مدنية تفضح ما تحاول المؤسسة الحاكمة التستّر عليه. بما يتعلق بالخسائر، فقد كشف تحقيق لصحيفة “هآرتس”، قبل عشرة أيام، معطيات جمعها من المستشفيات تفيد بإصابة 5000 جندي منهم 2000 يصنفون كمعاقين رسمياً.

أبراموفيتش: ما زالت قوات “حماس” تخرج من فتحات الأنفاق تهاجمنا من الخلف، في وقت يستنشق الجيش رائحة النهاية، ويحاول إحراز مكاسب جديدة قبل وقف النار

إبرة تخدير
استمرار المقاومة الفلسطينية في الصمود، بما تبقى من طاقات يعني تورّط إسرائيل في حرب استنزاف يخشاها عددٌ متزايد من المراقبين عبّر عنهم المعلق البارز في القناة 12 العبرية أمنون أبراموفيتش، قبل عدة أيام، بقوله محذراً: “نحن ذاهبون للبنان 2”. ويحذر زميله المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، اليوم الخميس، من ذلك، ويقول: “الأنباء عن توسيع جبهة القتال البري تعني أمرين: لم تنته عمليات التطهير شمال غزة بعد، فما زالت قوات حماس تخرج من فتحات الأنفاق تهاجمنا من الخلف، والثاني أن الجيش يستنشق رائحة النهاية، ويحاول إحراز مكاسب جديدة قبل وقف النار”.

ويمضي بارنياع في تحذيراته: “قال نتنياهو، أمس: نحن مستمرون في الحرب حتى النهاية، حتى القضاء على حماس، حتى الانتصار. في مصطلحات تاريخية ربما يكون نتنياهو محقاً: الحرب بين إسرائيل ومنظمات الإرهاب الجهادية من شأنها أن تطول سنوات، وربما أجيالاً. لكن بالنسبة لعائلات المحتجزين المحرومين من أعزائهم، وبالنسبة لكل الإسرائيليين الذين قلبت الحرب عوالمهم أقترح أن يتعاملوا مع التصريحات المطنطنة بحذر. الحديث عن حروب المستقبل يهدف للتستّر على رمادية الحاضر. على ما يبدو، خان يونس هي المحطة الأخيرة، فيما يعتبرها الجيش المرحلة شديدة القتال. المرحلة القادمة ستكون أكثر تواضعاً”.

ويتقاطع معه زميله محرر الشؤون الدولية في القناة 12 العبرية، المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” نداف أيال، محذّراً من تورّط إسرائيل بالمراوحة في المكان، وفي حرب عصابات مكلفة ضمن حرب لا انتصار فيها. وينضم أيال لعدد من الباحثين والعسكريين والمراقبين ممن يحذّرون من “إستراتيجية قتال” مغلوطة في غزة، ومن عدم وجود أهداف واضحة قابلة للتطبيق وتتعدى الشعارات.

من جهته، يدرك نتنياهو مخاطر تعاظم الضغط الداخلي على مصير الحرب ووقفها، رغماً عنه، وبخلاف أهوائه وحلفائه المتشدّدين في الائتلاف الحاكم، ولذا سارع، قبل عدة أيام، لعقد مؤتمر صحفي مهدّداً وملوحّاً بفزاعة لترهيب الإسرائيليين، بالقول إن وقف الحرب يعني انتصار “حماس”. وبعد ذلك كشف عن أن عائلات إسرائيلية ثكلى أرسلت له رسائل تطالبه بمواصلة الحرب على غزة. وفي التزامن تتواصل تسريبات حكومية عن قرب إنجاز صفقة تبادل، في محاولة لتخدير الشارع وإسكات عائلات المحتجزين.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى