العرب تريند

انفجار عكار: قصص موجعة لذوي الجرحى في مستشفى الجعيتاوي

باتت مأساة اللبنانيّين ودموعهم مشاهد يومية قلّما تفارقهم، ووسط كل الأزمات التي تعصف بالبلاد يستفيقون على كوارث، كان آخرها ما عرفه أهل عكار (شمال)، المحرومون من أغلب مقوّمات الحياة، والذين خرجوا من تداعيات حريقٍ كارثي قضى على الأخضر واليابس، ليهزّ ليلهم الموحش انفجار خزان وقودٍ في بلدة التليل.

“الله لا يسامحهم لا دنيا ولا آخرة، من رئيس الجمهوريّة إلى كلّ الحكام والنواب”، بهذه الصرخة المؤلمة عبّرت سوسن محمد، والدة أحد المصابين عن غضبها، والألم يعتصر قلبها على ابنها البالغ 22 سنة، والقابع في غرفة العناية المشدّدة بعد إصابته بحروقٍ بليغة وخطرة.

سوسن، التي خسرت زوجها في اشتباكاتٍ سابقة، تقف مكتوفة الأيدي أمام مستشفى الجعيتاوي في بيروت، بانتظار سماع خبر عن حال ابنها، وتقول لـ”العربي الجديد”: “ابني عسكري، ذهب ورفاقه للحصول على مادة البنزين، كي يقصد خدمته العسكرية على الحدود اللبنانية الشمالية مع سورية. وعندما تأخّر الوقت حاولت الاتصال به، من دون أيّ جدوى، وفجأة سمعت بالانفجار، فكان أن هرعتُ لأكتشف أنّ إصابته حرجة. وتمّ نقله من مستشفيات الشمال إلى بيروت، وهو لا يزال في وضعٍ صعب”.

من جهته، يردّد أحمد خضر، عبارة “في الله (الله موجود)”، تعبيراً عن سخطه وغضبه. أحمد العشريني يترقّب حال والده، العسكري المتقاعد الذي أُصيب بدوره في الانفجار، يقول: “أُصيب أخي كذلك، وهو تلميذ لا يتجاوز عمره 14 سنة، وهناك الكثير من الأشخاص الذين نعرفهم أُصيبوا، أو فارقوا الحياة”.

أمّا عامر عوض، الذي يؤكّد أنّ إصابة ابن أخته (21 سنة) طفيفة، فيقول: “ذهب ابن أختي والجيران وأولاد المنطقة لتعبئة الوقود بعد أن سمعوا أنّ وحدات الجيش اللبناني داهمت أحد معامل الباطون والبحص التابعة لمقاول بناء، وصادرت 60 ألف لتر بنزين كان المقاول قد خبّأها في خزانٍ حديدي قرب الطريق العام، من دون مراعاة أدنى معايير السلامة العامة. وهناك وقعت الواقعة وتحوّل المعمل إلى جهنّم”.

ويتابع: “هناك حديث عن أنّ الانفجار مفتعل، حيث أطلق أحدهم عياراً نارياً، وهناك حديث عن أنّ أحد العاملين في المعمل أشعل قداحة ورماها. لكنّها مجرّد ترجيحات بانتظار نتائج التحقيق. إنّما السؤال الأبرز، هو ما الداعي لتخزين البنزين بهذه الكميات في أرض مكشوفة؟! إذ من الطبيعي أنّها ليست لآليات المقاول، بل للمتاجرة بها في السوق السوداء والتهريب خارج البلاد”.

صحة
مستشفيات لبنان عاجزة أمام انفجار عكار ومحاولات لنقل الجرحى للخارج
يختم عوض بالقول: “كل هذا بسبب السلطة الفاسدة، كما نواب عكار وغيرهم. كلّهم كذّابون يملؤون جيوبهم وبطونهم ويذلّون الشعب. لا أحد منهم بريء، لا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة ولا رئيس مجلس نواب، كلّهم مسؤولون. فالعسكري يناضل للحصول على مادة البنزين من أجل الالتحاق بخدمته، لا للمتاجرة بها، وهو يدفع دم قلبه لخدمة وطنه، في حين أنّ راتبه بات اليوم بالكاد يعادل 60 دولاراً أميركياً جراء تدهور قيمة الليرة اللبنانية”. وهو يطالب كذلك “بإجراء فحوص الحمض النووي، بأقصى سرعة ممكنة، للجثث الموجودة في مستشفيات عكار، والتي تعرّضت لتشوّهاتٍ جسيمة، وربما بين هذه الجثث جثة ابن خالي، فهو مفقود منذ ليل أمس”.

ويوضح المدير الطبي في مستشفى “الجعيتاوي”، ناجي أبي راشد، لـ”العربي الجديد”، أنّ “المستشفى كان منذ ساعات الصباح الأولى، ساحة معركة. وقد استقبلنا لغاية كتابة التقرير، 9 مصابين بجروحٍ وحروقٍ بليغة، 3 منهم يعانون جروحاً بليغة جداً، ومصاب يعاني مشاكل في الجهاز التنفسي، أمّا باقي الحالات فتعاني من جروح وحروق مهمة، لكنّ وضعهم ثابت. وننتظر كذلك وصول مصابٍ بجروح بليغة سيتم نقله بواسطة طوافة الجيش اللبناني”.

ويشير إلى أنّ المستشفى تمتلك قسم حروق هو الأكبر في لبنان، ويقول: “كل الطواقم الطبية والتمريضية المتخصّصة موجودة للاهتمام بالمصابين، وهناك جهوزية تامة من الإدارة والمستشفى. فقد استطعنا أن نؤمّن العلاج بما هو متوافر من مستلزمات في قسم الطوارئ، لكن هذه الحروق لا تُشفى بيوم ويومين، إنّما تحتاج لأسابيع وأسابيع في العناية المشدّدة، ولكثير من المستلزمات والأدوية. من هنا رسالتي كطبيب لبناني هي الأمل بأن يعي القيّمون على المسؤوليات والمقدرات في هذا البلد، دورهم ومسؤولياتهم، وأن يلتفتوا إلى القطاع الصحي الذي سينهار يوماً ما، جراء الأزمة الراهنة”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى