المغرب العربي

بعد مبادرة العاهل المغربي.. علاقات الرباط والجزائر إلى أين؟

عربي تريند_ في كلمته بمناسبة الذكرى الـ22 لتوليه الحكم، خصص العاهل المغربي محمد السادس، حيزا كبيرا للحديث عن العلاقات المأزومة بين بلاده وجارتها الشرقية الجزائر.
ومن أبرز ما جاء في كلمة الملك المتلفزة، حديثه الطويل عن الحدود المغلقة بين البلدين منذ 27 عاما، حيث أكد أنه مقتنع بأن “الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين”.
ومنذ عقود، تشهد العلاقات بين البلدين انسدادا، على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وإقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”، المدعومة من الجزائر.
وتبادل البلدان فرض تأشيرة دخول، حيث بدأت الرباط ذلك عام 1994، وردت الجزائر بالمثل وقررت إغلاق الحدود، بعد اتهامها بالوقوف وراء تفجير إرهابي استهدف فندقا بمدينة مراكش جنوبي المغرب.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقر‎ير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

الملك محمد السادس أكد أنه مقتنع بأن “الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين”.

ماذا بعد؟
حديث الملك محمد السادس أثار تساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين الجارتين، خاصة أنه ليس الأول من نوعه.
وقال يونس مسكين، كاتب وصحافي مغربي، إن “الدعوة الملكية بفتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، وفتح صفحة جديدة، ليست الأولى، بل سبق أن وجه العاهل المغربي نداء مماثلا قبل أكثر من عامين”.
ولم تحدث هذه الدعوة أي اختراق إيجابي في علاقات البلدين، على اعتبار أن الجانب الجزائري لم يقابلها بإجراءات عملية.
ولم يصدر تعقيب رسمي جزائري بشأن الدعوة الجديدة للعاهل المغربي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قال عبد المجيد تبون، خلال حملته لانتخابات الرئاسة الجزائرية، إن “الحدود البرية بين البلدين يمكن أن تُفتح يوما من الأيام.. لكن الحدود لم تغلق بسبب مشكل الصحراء“.
ولمح إلى أن إغلاقها يعود إلى ترحيل مواطنين جزائريين من المغرب، ردا على عمل إرهابي شهدته مراكش، واتُهم جزائريون بالضلوع فيه.

تبديد المخاوف
وقبيل كلمة العاهل محمد السادس، عاشت العلاقات بين البلدين شوطا جديدا من التوتر، على خلفية تصريحات لمندوب المغرب لدى الأمم المتحدة بشأن وضع منطقة القبائل شمال شرقي الجزائر.
وهذا التوتر المستمر يدفع المراقبين إلى الحذر كثيرا في توقع انفراج وشيك في العلاقات بين البلدين.
ورأى “مسكين” أن كلمة الملك “تكتسب أهميتها بالنسبة للمغاربة في تأكيده احتفاظ الدبلوماسية المغربية بثوابتها التاريخية، والمتمثلة في اعتبار الوحدة المغاربية مشروعا وطنيا ينبغي إبقاء إمكانيات تحقيقه مستقبلا قائمة”.
وفي 1989، تأسس اتحاد المغرب العربي في مراكش كمنظمة إقليمية، تضم 5 دول تقع في الجزء الغربي من العالم العربي، وهي: الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا.
وواجه الاتحاد منذ تأسيسه عراقيل لتفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية، حيث لم تُعقد أي قمة على مستوى قادة الاتحاد منذ قمة 1994 بتونس.
وأضاف “مسكين”: “كما تتمثل أهمية هذا الخطاب بالنسبة للمغاربة لتبديد المخاوف من انحراف خطير حاولت أصوات متسرعة أن تدفع في اتجاهه خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل في اللعب بورقة دعم حركة انفصال داخل الجزائر، في مقابل دعم الأخيرة لحركة انفصال داخل الصحراء المغربية”.
وأردف أن “التحول الذي لوحت به بعض الأصوات من داخل المغرب أدى إلى افتعال أزمة دبلوماسية جديدة مع الجزائر، وإلى قلق داخلي بالنسبة للمغرب، لما ينطوي عليه من انحراف خطير في خيارات المغرب الإقليمية”.

المنطقة المغاربية
وكثيرا ما وضعت بعض الأوساط انفراج العلاقات بين البلدين في ميزان “المكاسب الاقتصادية”، التي يمكن أن يحققها المغرب.
لكن خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة شرقي المغرب، قال إن المملكة “لم تطرح المبادرة في هذا السياق، على اعتبار أن الاقتصاد المغربي ينتعش بعد أزمة كورونا، إثر التدابير التي صاحبت مواجهة الجائحة، وبالأخص إنشاء صندوق لدعم الاستثمارات وإطلاق خطة تنموية جديدة”.
ورأى “شيات” أن “دافع المغرب هو شعوره بالانتماء الحضاري للمنطقة المغاربية والإسلامية، وكونه دولة عريقة تقع عليها مسؤوليات حضارية للعب دور فعال في التكامل المنشود”

أعرب الرئيس تبون عن رفضه إعادة فتح الحدود البرية مع المغرب، بقوله إنه “لا يمكن فتح الحدود مع جار يعتدي علينا يوميا”.

من البحر إلى الصحراء
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعرب الرئيس تبون عن رفضه إعادة فتح الحدود البرية مع المغرب، بقوله في مقابلة مع مجلة “لوبوان” الفرنسية إنه “لا يمكن فتح الحدود مع جار يعتدي علينا يوميا”.
ويتقاسم البلدان حدودا برية بطول 1500 كم من البحر المتوسط وحتى الصحراء الكبرى.
وفي 2014، شرعت الجارتان في تشييد تجهيزات على طول 110 كلم، عبر بناء المغرب لسياج حديدي، وحفر الجزائر لخنادق.
وكان من تبعات هذه الإجراءات، الحد من نشاط التهريب، الذي يسمى بـ”المعيشي” في الاتجاهين.
ورغم هذا الوضع، سمحت سلطات البلدين بنقل جثامين مواطنيهما المهاجرين، الذين قضوا في سواحل البحر المتوسط، وأحدثها استقبال المغرب عبر معبر “زوج بغال”، في 14 أبريل/ نيسان الماضي، جثمان مهاجر قضى في السواحل الجزائرية.

انفتاح أو تنافر
ووفق “مسكين”، فإن المغرب اتخذ منذ سنوات قرارا بإعادة فتح الحدود مع الجزائر، لكنه بقي قرارا معلقا لما يتطلبه من التزامات متبادلة.
وأضاف أن “الجزائر تتذرع بكون المغرب هو الذي بادر إلى إغلاق الحدود في التسعينيات (من القرن الماضي)، حين تعرضت مدينة مراكش لهجوم إرهابي، استهدف أحد الفنادق ووجه أصابع الاتهام إلى الجزائر”.
وأردف أن “الجزائر تصر على اعتذار مغربي مسبق قبل فتح الحدود، وهو ما يجعلها تبدو في موقف الباحث عن الأعذار للتهرب من هكذا خطوة”.
وخلال السنوات الماضية، تواترت دعوات إلى إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر، سواء من الملك نفسه أو مسؤولين مغاربة.
واعتبر “شيات” أن “هذه الدعوة (من الملك) يمكن أن تكون الأخيرة، وفي كل الأحوال الأمر يتوقف على مدى تفاعل الجانب الجزائري الذي لم يصدر عنه أي موقف حتى الآن”.
وتابع: “يمكن للجزائر أن تتعاطى مع الأمر بخيارين، الأول يعتبر الدعوة مدخلا للاستقرار والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي في أفق تحقيق الاتحاد المغاربي، والثاني يديم التنافر بين البلدين”.
واختتم “مسكين” حديثه بالقول إن “الأمل في بقاء مشروع الوحدة المغاربية قائما، وانتظار خروج الجزائر من اصطفافها التاريخي، مع المراهنة على تشكل وعي جديد لدى دول المنطقة، يحملنا على الاقتناع بأن استمرار تجميد اتحاد المغرب العربي سيجعل كلا منها لقمة سائغة للقوى الدولية والاقليمية الأخرى”.

(الأناضول)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى