العرب تريند

صحيفة إسرائيلية: نصر الله أمام معضلة مزدوجة في أزمة لبنان

عربي تريند_ العناوين الكبيرة التي صنعها خطاب رئيس الحكومة الانتقالية في لبنان، حسن دياب، والتي تقول إن “لبنان يقف أمام انفجار اجتماعي بعد أيام معدودة”، لم تؤثر على آن غريو، السفيرة الفرنسية في بيروت. دياب، الذي دعا سفراء الدول الأجنبية إلى إجراء لقاء طارئ خاص ودعاهم فيه إلى إنقاذ لبنان واتهم المجتمع الدولي بفرض الحصار على لبنان، يبدو أنه أمل بالحصول على تضامن دولي والتزام سريع بإنقاذ دولته من الأزمة التي تخنقها منذ سنتين.

لكن غريو، وهي ممثلة الدولة التي فعلت أكثر مما فعلت الدول الأخرى من أجل مساعدة لبنان، لم تستطع ضبط النفس. ففور انتهاء كلامه، أوضحت له مصدر المشكلات في لبنان. “ما يخيف، سيدي رئيس الحكومة، هو أن هذا الدمار نتيجة متوقعة لإدارة فاشلة وغياب العمل طوال سنوات. هذا الدمار ليس نتيجة حصار خارجي. أنت المسؤول عن هذه النتيجة، جميعكم مسؤولون، كل المستوى السياسي، هذا هو الواقع”.

غريو تعرف عما تتحدث، مثلما باقي السفراء ورؤساء الدول ومن تهمهم مصالح لبنان، وهو أن الأزمة الشديدة التي يمر فيها لبنان هي نتاج صنع أيدي السياسيين في الدولة. “الحصار” الذي قصده دياب هو عدم موافقة الدول المانحة على إلقاء المزيد من مليارات الدولارات في برميل لبنان المخروق، أموال ستذهب مباشرة إلى جيوب النخبة الاقتصادية والسياسية. غريو ذكّرت دياب بحقيقة أن حكومة انتقالية تدير الدولة لا تفسر تصميمه على عدم إجراء نقاشات أو إجراء إصلاحات هامة. ولا يوجد سبب يمنع الحكومة الحالية عن إجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتتوصل معه إلى تفاهمات، على الأقل حول الإصلاحات التي يطلبها الصندوق كشرط لإعطاء القروض.

“الخطاب المتباكي” لدياب، مثلما سمته بعض صحف لبنان، لم يؤثر في ممثلي الدول العربية. وزير الخارجية القطري، محمد آل ثاني، أعلن بأن دولته ستقف دائماً إلى جانب لبنان، وستسعى إلى إزالة العقبات التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة. ولكنها في كل ما يتعلق بالمساعدات المالية، تكتفي قطر في هذه الأثناء بالوعد بإرسال 70 طناً من الغذاء والدواء كل شهر للجيش اللبناني، الذي سافر قائده جوزيف عون في أيار لجمع الصدقات لجيشه.

إن تشكيل حكومة هو الشرط للحصول على أموال المساعدات بمبلغ 11 مليار دولار، والتي تم وعد لبنان بها قبل نحو ثلاث سنوات، قروض من مؤسسات تمويل دولية ومساعدات أخرى بالقدر الذي يوافق فيه أصدقاء لبنان على التبرع به. الفرضية هي وجود حكومة جديدة متفق عليها تتخذ القرارات الاقتصادية والقانونية الصعبة، قرارات ستبرر المساعدات وستشكل نظام رقابة وسيطرة على الأموال التي ستصل إلى الدولة. هذه فرضية عمل طموحة جداً مثلما تعلمنا تجربة الماضي.

ولكن من أجل تشكيل هذه الحكومة يجب حل الخلافات العميقة بين سعد الحريري والرئيس ميشيل عون وصهره جبران باسيل، العدو اللدود لسعد الحريري. رفض عون تشكيل الحكومة التي عرضها الحريري، وطلب إضافة وزيرين مسيحيين لها، وهو طلب لم يوافق عليه الحريري. ولكن هذا يبقى عائقاً هامشياً. فاللغم المتفجر يكمن في طموح عون (86 سنة) بمواصلة فترة رئاسة أخرى بعد الفترة الحالية التي يتوقع أن تنتهي في أيار 2022، أو اهتمامه بأن يصبح صهره باسيل الرئيس القادم. الرئيس اللبناني انتخبه البرلمان وهو بحاجة إلى تأييد ثلثي الأعضاء. وخوف عون هو من أنه إذا جرت انتخابات مبكرة، مثلما يطلب الحريري، فإن حركته، التيار الوطني الحر، التي يرأسها صهره، ستفقد قوتها بسبب التآكل الجماهيري العميق الذي أصابهما في السنوات الأخيرة.
اعتمد عون حتى الآن على التحالف السياسي الذي عقده مع “حزب الله” منذ العام 2006، والذي أصبح بفضله رئيساً يتلاعب بالحكومة. ولكن منظمة “حزب الله” التي أقنعت قبل خمس سنوات سليمان فرنجية، السياسي المسيحي المخضرم والذي كان جده رئيساً للحكومة، بعدم التنافس أمام عون، يمكن أن تغير توجهها وتدعم فرنجية في هذه المرة. وطالما أن مؤيدي عون ينجحون في تأجيل الانتخابات واتخاذ قرار حاسم حول ولاية الرئيس، فإنهم يعتقدون أن بإمكانهم التلاعب بتعيين واحد منهم، الرئيس الحالي أو صهره.
في الوقت نفسه، يقوم نصر الله، الذي يستغل الأزمة بشكل جيد، بطرح موقف معقد؛ فهو يؤيد عون، لكنه لا يعارض تولي الحريري رئاسة الوزراء، وحتى أنه يؤيد تشكيل الحكومة التي عرضها، وإن كان قد امتنع عن اتخاذ موقف علني حول ذلك. فمن جهة، يحذر رئيس “حزب الله” من أن يظهر كمن يفشل تشكيل الحكومة ولا يساعد على حل الأزمة الاقتصادية. ولكنه في الوقت نفسه، يضمن بأن الحريري لن يضر بمكانة وقوة المنظمة إذا شكّل الحكومة. لذلك، غضب “حزب الله” من التقارير التي تفيد بأن عون وجبران باسيل ينويان زيارة بشار الأسد لطلب المساعدة منه في تشكيل حكومة كما يريدان. ولا يريد نصر الله أي وساطة لا تمر من خلاله، حتى لو كان الوسيط هو الأسد.

في المقابل، يجب على “حزب الله” أن يعد نفسه لوضع يملي فيه الضغط الدولي والأزمة الاقتصادية برنامج عمل خارجي سيشمل، ضمن أمور أخرى، المطالبة بإبعاد “حزب الله” عن الحكومة. ولكن في ذلك شكاً إذا ما تحققت نية كهذه، لأن الخلافات بين فرنسا التي لا تعارض إشراك “حزب الله” في الحكومة وبين الولايات المتحدة التي ما زالت تتمسك بموقفها التقليدي الذي يقول إنه لا يوجد أي مكان لمنظمة إرهابية في الحكومة، أعمق من أن تمكن من التوصل إلى قرار متفق عليه، فضلاً عن شعور حزب الله بالأمان النسبي في الساحة الدولية.

العقدة السياسية لا تنفصل عن الخوف من الإصلاحات الاقتصادية التي قد تمس بصنبور الأموال التي تغذي الأحزاب الكبيرة ورؤساءها. حزب الله في الحقيقة هو أقل اعتماداً على أموال الدولة وعلى النظام البنكي في لبنان، فمصادره المستقلة، بالأساس إيران، توفر له الأموال التي يحتاجها، لكنه غير مستعد للتنازل عن نصيبه في ميزانية الدولة الذي يصله من خلال الوزارات الحكومية التي هو مسؤول عنها. ويجب عليه أن يضمن، إذا كان الأمر كذلك، بأن مشاركته في أي حكومة ستبقى، وأن سيطرته على الوزارات الاقتصادية لن تتوقف.

احتمالية تربيع الدائرة السياسية والاقتصادية تكمن الآن في مسألة هل ستوافق الدول المانحة على تبكير تقديم المساعدات الاقتصادية قبل تشكيل الحكومة في لبنان، أم ستواصل النظر إلى لبنان وهو يغوص في الضياع إلى درجة أن لا يكون هناك مناص عدا ضخ المساعدات الحيوية له من أجل تمكين المواطنين فيه من البقاء. في الحالتين، ستكون النتيجة متشابهة. ثمة خيار آخر، وهو إعطاء لبنان مساعدة محددة، مثل مخصصات وقود لتشغيل الخدمات الحيوية وتعزيز التزويد بالكهرباء بواسطة سفن كهربائية وتمويل مشاريع تحت رقابة دولية وتعزيز الجيش اللبناني. كل ذلك لن يحل الأزمة السياسية ولن يدفع قدماً بإجراء إصلاحات اقتصادية، لكن ربما سيوفر للبنان المزيد من أوكسجين التنفس.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 8/7/2021

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى