الحرب تخلق هوة طبقية مرعبة في سورية
وسّعت الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي ترمي بظلالها اليوم على السوريين الهوّة الطبقية بين فئات المجتمع السوري. وحسب مراقبين فإن أكبر أسباب اتساع الفوارق بين الأغنياء والطبقتين المتوسطة والفقيرة يرجع إلى تفاقم الفساد الذي ينعشه نظام بشار الأسد.
وعلى الرغم من كون الطبقة الوسطى في سورية كانت الشريحة الكبرى قبل اندلاع الثورة السورية، ولكن هذا لم يكن يخفي حينها وجود سوريين يعيشون في فقرٍ مدقع وآخرين يملكون ثروات طائلة. ولكن بعد اندلاع الثورة وسيطرة رجال السياسة والسلاح على مفاصل الدولة، وظهور طبقات برجوازية جديدة في البلاد، اتسعت الفوارق الطبقية الاقتصادية بين السوريين، حتى وصلت إلى حد أن هناك من ينامون دون طعام وآخرين ينفقون ملايين الليرات في حفلات ليلية باذخة في ذات المدينة.
تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نحو 85 في المائة من السوريين باتوا تحت خط الفقر، وغير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية. وفي المقابل يوضح برنامج الأغذية العالمي أن نحو 9.3 ملايين (نحو نصف عدد السوريين داخل البلاد) بحاجة لمساعدات غذائية.
يعمل الشاب السوري أحمد نادلاً في أحد المطاعم على أوتوستراد المزة بالعاصمة السورية دمشق، ويعيش في حي التضامن في نفس المدينة، ولكنه خلال تنقّله يومياً بين المنزل والعمل يشعر بأنه ينتقل بين “كوكبين”، بحسب تعبيره، قائلاً: “لا يتعلّق الأمر بأن حي المزة فاخر وحي التضامن شعبي وغالبية سكّانه من الفقراء لأن هذه حقيقة تاريخية ولا علاقة للحرب فيها، ولكن الاندهاش هو في الفارق الكبير في نمط حياة الناس بين سكان الحيين”.
ويشرح الشاب الذي حظي بفرص التنقّل بحرّية لأنه وحيد أسرته ولا يتم سحبه للخدمة العسكرية: “الحرب في سورية خلقت فوراق طبقية مرعبة، فبينما ينعم أشخاص بكل مقومات الحياة من الخدمات والسيارات الفاخرة والوقود الذي يؤمنونه بسهولة، والسهر اليومي لفتح طاولات بمئات آلاف الليرات، تعيش أسرتي وأسرٌ أخرى في الحي الذي أسكن فيه دون أن تشهد التيار الكهربائي أكثر من ساعتين يومياً”.
ولفت إلى أن المسألة لا تتعلّق بالفقر والثراء بقدر ما تتعلّق بأن خدمات الدولة واهتماماتها ليست واحدة لكل السوريين، وهذا أكثر ما يعمّق الفجوة الطبقية. يشار إلى أنّ المواطنين في مناطق سيطرة النظام يعانون من العديد من الأزمات جراء نقص كبير في الوقود والخبز، في ظلّ ارتفاع كبير بالأسعار، في حين يزداد الفقر بسبب تداعيات كورونا وتدهور العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.
وتحت ضغط السوق السوداء، رفع المصرف المركزي بدمشق، في 15 إبريل/ نيسان الماضي، سعر الدولار الرسمي من 1256 ليرة إلى 2512 ليرة، كما ضاعف سعر الحوالات الخارجية لتبلغ 2500 ليرة للدولار، بعد يومين من إقالة الأسد حاكم المصرف السابق، حازم قرفول، وتعيين النائب الثاني بالمصرف المركزي، محمد عصام هزيمة، حاكماً للمصرف.
وسبق أن ألغت وزارة التجارة الداخلية دعم مواد تموينية عن طريق البطاقة الذكية، ومنها الزيت النباتي. كما ألغت الوزارة دعم الشاي، الأمر الذي يكلف المواطنين أعباء إضافية. ويعتمد الكثير من أهالي مدينة دمشق على الأموال المرسلة من المغتربين، وسط تواصل تدهور أوضاعهم المعيشية.
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم إن “أساس وجذور الطبقية في سورية يعودان إلى طبيعة الفساد خلال الثقافة التي زرعها بشار الأسد وخاصة في عام 2005، وذلك بعد أن قام الأسد باختيار شخصيات محددة منها لقطاع المال وآخرين للسلطة”.
وأضاف الكريم لـ “العربي الجديد” أنه “خلال الثورة السورية بدأ ضخ الأموال بشكل هائل جداً دون حسيب أو رقيب مع غياب العمل المؤسساتي في كيانات المعارضة، فبتنا نسمع عن أصحاب رؤوس أموال كبيرة استفادوا من هذه المنح وجمعوا أموالاً ضخمة”.
واعتبر الباحث ذاته أن فساد منظومة سلطة الأسد ساعدت على صعود أسماء جديدة لم يكن يعرف السوريون عنها شيئاً، وهؤلاء أصبح اسمهم “أمراء الحرب” وحققوا ثرواتهم من العسكر والمليشيات.
ويعد هذا التيار من أصحاب رؤوس الأموال الجديدة موازياً لما يُعرف بـ “البرجوازيين القدامى”، وأبرزهم محمد حمشو ورامي مخلوف، الذين تراجع نفوذهم لصالح نفوذ “تجار الحرب” المقرّبين من أسماء الأسد، أمثال سامر الفوز الذي سيطر على استثمارات واسعة خلال فترة الثورة، وحسام قاطرجي وهو عراب صفقات النفط بين النظام وتنظيم “داعش” سابقاً، إضافةً إلى مهند الدباغ ابن خالة أسماء الأسد، الذي يسيطر على شركة “تكامل” التي تشغّل “البطاقة الذكية” في سورية ويحصل السوريون بموجبها على الخبز والوقود وبعض المواد الغذائية المدعومة.