انطلاق أعمال مؤتمر “إنهاء الإفلات من العقاب” بالدوحة
حضرت جرائم الحرب في سورية، التي ارتكبت من مختلف أطراف الصراع وخاصة النظام السوري، وجريمة القتل الوحشية التي تعرض لها الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكذا مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، على طاولة مؤتمر الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة، الذي افتتحه رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني بالدوحة اليوم الأحد. وهو ما يؤكد حسب خبراء وحقوقيين في مجال حقوق الإنسان، “أن آفة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لا تزال قضية قائمة في عصرنا”.
ودعا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر علي بن صميخ المري، “إلى إنشاء مرصد دولي للوقاية والمساءلة، وعدم الإفلات من العقاب”، واقترح أن تكون المفوضية السامية لحقوق الإنسان والبرلمان الأوروبي أعضاء أساسيين في هذه الآلية.
كما دعا إلى إنشاء فريق عمل لتقديم دراسة تقييمية عن الآليات الوطنية والإقليمية والدولية، لمناهضة الإفلات من العقاب ترفع إلى الجهات المختصة في منظومة الأمم المتحدة، بغرض تطوير التشريعات والآليات في هذا المجال، وإنشاء مقرر خاص معنيّ بقضايا عدم الإفلات من العقاب، وضرورة أن تقوم الدول بإدراج الإرهاب وحصار الشعوب كجريمة ضد الإنسانية في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، عن طريق تقديم تعديل على النظام الأساسي وفقاً للمادّة 121 من النظام نفسه.
وقال المري: “إن العالم لا يمكن له تحمل المزيد من المآسي والفظائع، وقد أضحى تحقيق العدالة ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم مسؤولية جماعية، للمجتمع الدولي بكافة مكوناته – دولاً ومنظمات دولية وإقليمية ومؤسسات مجتمع مدني – من خلال التعاون والتنسيق بشأن جمع الأدلة وتوثيقها، وإجراء التحقيقات وغير ذلك من الإجراءات اللازمة واحترام مبدأ عدم الإفلات من العقاب”.
وكانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، قد طالبت في كلمة مسجلة بالمؤتمر، بـ “تحقيق المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب أولوية للمجتمع الدولي”، وبضرورة معالجة مظالم المجتمعات التي تعاني من الصراعات أو تلك التي تسيطر عليها أنظمة استبدادية، و”إلى القيام بالمزيد من العمل لتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة وحماية الضحايا”.
وأوضحت أن “المفوضية تتلقى روايات مباشرة عن رجال ونساء وأطفال تعرضوا لأبشع الجرائم، بما في ذلك المذابح والتعذيب والعنف الجنسي والتهجير والتجويع والحرمان من الحصول على الرعاية الطبّية الأساسية والتعليم، وإن لهؤلاء الضحايا الحق في معرفة الحقيقة والعدالة والتعويض”، ولفتت إلى أنّ ذلك أمر مهم لا للضحايا أنفسهم فحسب، بل للمجتمعات ككل لتحقيق السلام والمصالحة المستدامين.
وأشارت إلى أنه “على الرغم من أن الطريق نحو العدالة قد يكون محفوفاً بالتحديات، إلا أنه لا يزال من الضروري لتلك المجتمعات أن تتعافى. فلقد أثبتت التجارب المختلفة أنه لا مجال للسلام في غياب العدالة، وأن تحقيق المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب شروط أساسية لتحقيق السلام الدائم”.
ولفتت رئيسة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سورية، كاثرين مارشي أوهيل، إلى أن ضحايا أكثر النزاعات حول العالم لم يستطيعوا الحصول على العدالة المطلوبة”، وقالت “نحن هنا اليوم من أجل البحث في آليات للحدّ من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الخطيرة ومكافحة الفظائع المستمرة في أنحاء العالم”.
وأكدت في كلمتها أن النزاع الدائر في سورية، يعتبر الأفضل توثيقاً منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت: “إنّ الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الإنسان يريدون استرداد حقوقهم وجبر الضرر، وهناك ضرورة لمحاسبة المنتهكين لحقوقهم، ولا سيما أنه لا يمكن السكوت عن الجرائم الفظيعة التي تعرضوا لها”، موضحة أنه تم توثيق مختلف انتهاكات حقوق الإنسان في الملف السوري، التي ارتكبتها كافة الأطراف مثل القتل والتعذيب والإخفاء القسري ومهاجمة المواقع المدنية، مثل المستشفيات والمدارس والاعتداءات الجنسية والهجمات الإرهابية، التي حصدت آلاف الأرواح من المدنيين وغيرها من الانتهاكات.
وأعربت عن الأمل بأن يكون الواقع في سورية بعد 20 عاماً ليس بقاء المجرمين أحراراً وطلقاء، وإنما أن تكون العدالة قد تحققت وأن يجبر الضرر لكل المتضررين، وأن ينال المجرمون عقابهم العادل.
ويبحث مؤتمر “الآليات الوطنية والإقليمية والدولية، لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة بموجب القانون الدولي”، الذي تعقده اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، ويشارك فيه أكثر من 250 من ممثلي الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، إلى جانب رؤساء وخبراء لجان التحقيق الدولية، في “المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وواجب التحقيق ومقاضاة مرتكبي الانتهاكات علاوة على حق الضحايا في الانتصاف، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، من خلال العمل على مكافحة الإفلات من العقاب والحق في المعرفة والعدالة والتعويض، بما في ذلك توفير ضمانات لعدم تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان”.