العرب تريند

هل بات “الاغتصاب” من أسلحة الحرب في جنوب السودان؟

تعاني بعض بؤر الصراع في دولة جنوب السودان من تفشي ظاهرة العنف الجنسي و”الاغتصاب”، الذي بات “أداة لبث الرعب وسلاح حرب”، وفقًا لتقارير أممية ودولية ومحللين، تحدثوا عن “إفلات من العقاب على نطاق واسع”.

وبعد توقيع اتفاق سلام، التزمت فيه أطراف النزاع بوقف جميع أعمال العنف واستهداف المواطنين؛ لا سيما النساء والأطفال، قللت تلك الانتهاكات من مصداقية الأطراف الموقعة على الاتفاق لدى المجتمع الدولي، وشركاء السلام الإقليميين.

وفي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” الدولية عن قيام جنود مسلحين باغتصاب 125 امرأة، خلال الفترة من 19 إلى 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بمقاطعة روبكونا التابعة لولاية “ليج الشمالية” (شمال غرب).

منظمة “أطباء بلا حدود” أعلنت قيام جنود مسلحين باغتصاب 125 امرأة، خلال الفترة من 19 إلى29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي

وأثار الإعلان آنذاك غضب الحكومة، التي قامت بمنع موظفي المنظمة من مغادرة البلاد، لحين اكتمال التحقيقات، كما أصدرت تعليمات صارمة لأجهزة الأمن بالمدينة لمراقبة تحركات فريق المنظمة الموجود في المنطقة.

واغتصبت 134 امرأة وفتاة على الأقل في ولاية “الوحدة” (شمال)، وتعرضت 41 لعنف جنسي وجسدي، في الفترة بين شهري سبتمبر/ أيلول وديسمبر/ كانون الأول، وفق تقرير أممي أكد استمرار تسجيل نسب مرتفعة من العنف الجنسي في الولاية.

في المقابل، نفت السلطات الحكومية بولاية “ليج الشمالية”، صحة التقارير التي تتحدث عن اغتصاب 152 سيدة من قبل مسلحين مجهولين بمنطقة ربكونا، مشيرة إلى عدم تلقيها أي معلومات بشأن تلك الأحداث.

وقال لام تنغوار وزير الإعلام بالولاية، إن هذا التقرير يفتقد للمصداقية، لافتًا إلى أن المنطقة التي شهدت تلك الأحداث المزعومة تقع تحت السيطرة الكاملة لقوات الحكومة، ولا يوجد أي شيء من هذا القبيل.

وأضاف: “لقد قامت الحكومة الاتحادية في جوبا بتكوين لجنة تحقيق ميدانية، جاءت إلى هنا وتحققت من تلك المزاعم ميدانيًا، ولم تجد ما يؤكد تلك الاتهامات الأممية”.

وتوصلت لجنة حكومية أمر بتشكيلها الرئيس سلفاكير ميارديت، برئاسة وزيرة الرعاية الاجتماعية، أووت دينق أشويل للتحقيق في التقارير التي تتحدث عن وقوع جرائم اغتصاب بولاية “ليج الشمالية” في شهر ديسمبر/ كانون الأول، إلى عدم وقوع أي حادثة اغتصاب بالمنطقة.

وقالت الوزيرة أشويل، رئيسة اللجنة الحكومية، إن اللجنة لم تتحصل على أي دليل يدعم تلك المزاعم، بعد أن قامت بزيارة المنطقة والجلوس مع جميع الأطراف.

وأضافت: “بحسب إفادات النساء والفتيات اللاتي جلسنا إليهن في مدينة بانتيو عاصمة الولاية، فإنهن أكدن لنا أن تلك التقارير ليست حقيقية، فهؤلاء النسوة لم تكن لديهن معلومة حتى عن ذلك التقرير”.

وأوضحت أن “منظمة أطباء بلا حدود”، التي أوردت التقرير نفسها، لم تتعاون مع اللجنة التي شكلتها الحكومة، ولم تقدم لنا أي تفاصيل حول قصة التقرير الذي اتهمت فيه مجموعة مسلحة باغتصاب مجموعة من السيدات.

وأشار التقرير الأممي إلى تعرّض حوالي 90% من الضحايا من النساء والفتيات للاغتصاب من قبل أكثر من مرتكب واحد، وغالبًا على مدى ساعات عدة، كما وقعت النساء الحوامل والأمهات المرضعات ضحايا للعنف الجنسي.

وأفادت التقارير أن معظم الهجمات نفذتها عناصر من قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان (الحكومية) والمليشيات الموالية لها. وفي بعض الحالات، تمَّ ارتكاب الهجمات من قبل عناصر من فصائل موالية لريك مشار نائب الرئيس السابق، ما يرجح فرضية “استخدام الاغتصاب كأداة لبث الرعب وسلاح حرب” في النزاع.

في هذا الصدد، قال فاطومي أيول، منسق البحوث بمركز “دايفرستي للدراسات الاستراتيجية” (غير حكومي)، إن غياب القيادة والاستقطاب العشائري للقوات المتحاربة، هو الذي يقود لتفشي ظاهرة الاغتصاب واستخدامها في الحرب.

وأضاف: “جميع تلك القوات ولاؤها قبلي غير مبني على أهداف معينة، فالاستقطاب دائما ما يكون على أساس عاطفي، لذلك لا توجد سيطرة عليها من قبل القيادة التي تفتقد هي الأخرى للإلمام بقوانين الحرب والقانون الدولي”.

من جهته، طالب لول رواي، المتحدث باسم الجيش الحكومي بدولة جنوب السودان، الأمم المتحدة بتقديم الدلائل التي تثبت تورط المتهمين في اغتصاب نساء وفتيات بولاية “الوحدة”، حتى يقوموا بتقديمهم للمحاكمة.

وقال رواي: “إذا كانت لديهم أدلة موثقة فليأتونا بها، حتى نقوم بمحاسبة هؤلاء المتورطين، فالتحقيقات التي قامت بها الحكومة لم تعثر على أي أدلة تثبت صحة الواقعة”.

وأشار التقرير الأممي إلى وجود عدة عوامل ساهمت في تصاعد العنف الجنسي والاغتصاب في المنطقة، منها وجود أعداد كبيرة من المقاتلين في انتظار تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام، وغياب المحاسبة عن الانتهاكات الجنسية.

وناشد ملوال دينق، الصحافي والمحلل السياسي في صحيفة “الموقف” الصادرة بالعربية (خاصة) في جوبا، الحكومة ومجموعة مشار بإظهار التزامهم بالعملية السلمية، عبر اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لإيقاف جرائم الاغتصاب المتكررة.

وأضاف دينق: “هذه المسؤولية تقع بشكل مباشر على عاتق قادة تلك القوات، فهم يتحملون المسؤولية عما يرتكبه جنودهم، لذلك يجب ردعهم وتفعيل المحاسبة، وتقديم الجناة للمحاسبة، لأن الإفلات من العقاب كان سببًا رئيسيًا وراء تزايد تلك الجرائم”.

واعتبر محللون أن عدم تقديم المتورطين للعدالة، والإنكار الرسمي المتكرر لجميع الانتهاكات بحق النساء، في مختلف أرجاء البلاد، جعل جرائم العنف الجنسي الوحشي، وتحديدًا “الاغتصاب” أحد أسلحة الحرب المستخدمة للانتقام من العدو، باعتبار أن أجساد النساء والفتيات “جزء من ساحة المعركة”.

وفي 5 سبتمبر/ أيلول الماضي، وقع فرقاء جنوب السودان، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اتفاقًا نهائيًا للسلام، بحضور رؤساء “إيغاد”.

وانفصلت جنوب السودان عن السودان عبر استفتاء شعبي في 2011، وشهدت منذ 2013 حربًا أهلية بين القوات الحكومية والمعارضة أخذت بُعدًا قبليًا.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى