بالأرقام: كيف وصلت الدراما التركية إلى 140 بلداً… وما هي عائداتها المالية؟
يوماً بعد آخر يتضاعف نشاط ونموّ قطاع الدراما التركية، وخلال العقد الأخير فقط، شهدت تركيا قفزة نوعية في هذا المجال أوصلتها إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، في تصدير الدراما إلى مختلف دول العالم وبلغات متفرقة.
عائدات كبيرة
وحتى عام 2008 كانت واردات الدراما التركية لا تتجاوز 10 ملايين دولار. ولكنها سرعان ما قفزت من هذا الرقم، وأخذت في التصاعد لتحقق أكثر من 200 مليون دولار خلال عام 2014. وعام 2015 ارتفعت إلى 250 مليون دولار. ووصلت لأكثر من 350 مليون دولار في العام الأخير 2018، وفقاً لتقديرات تركية رسمية. ولعل السبب الأبرز في هذه الزيادة المرتفعة هو ارتفاع نسبة مشاهدات المسلسلات التركية وتطورها، إذ أصبح يتابعها أكثر من نصف مليار شخص في أكثر من 140 بلداً حول العالم، وفق تقارير ودراسات رسمية، الأمر الذي جعل تركيا لا تكتفي بهذا القدر، بل عملت على التخطيط من أجل رفع وارداتها من الدراما إلى مليار دولار بحلول عام 2023. ويصل معدل الإنتاج السنوي من المسلسلات في تركيا إلى أكثر من 70 مسلسلاً سنوياً، إلا أن هناك ما يعادل الأربعين مسلسلاً منها لا تحقق الأرقام المطلوبة، وتذهب ضحية عدد المشاهدات القليلة. فيما يتم تصدير ما بين 10 إلى 15 مسلسلاً من بقية المسلسلات التي تحقق نجاحاً كبيراً إلى خارج تركيا. وتتم دبلجتها إلى عدد من اللغات، ومن بينها العربية، بحسب بشير تاتلي الذي يعمل مديراً لشركة Calinos Holding المصدرة للمسلسلات. وفي ما يتعلق بالمنافسة العالمية، فقد دخلت المسلسلات التركية وبقوة في هذا السباق، واستطاع المسلسل التركي “حب أعمى” أن يفوز بجائزة “إيمي” الدولية لعام 2017 كأفضل مسلسل أجنبي. ويأتي في قائمة أعلى المسلسلات تصديراً لمناطق مختلفة من العالم، بعد دبلجتها إلى العربية وغيرها من اللغات، المسلسلات التالية “حريم السلطان” و”العشق الأسود” و”القبضاي” و”ما ذنب فاطمة جول” و”إيزيل” و”العشق الممنوع” و”الحب الأعمى”.
العالم العربي
وقد بدأت انطلاقة الدراما التركية في العالم العربي فعلياً عام 2007، من خلال مسلسل “إكليل الورد”، الذي لاقى نجاحاً مقبولاً، وأثار فضول المشاهدين في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط . وزاد الإقبال على الدراما التركية بعد عرض مسلسل “مهند ونور” عام 2008، ومسلسل “سنوات الضياع” عام 2008، ليتبعهما عشرات الأعمال. كما دبلج إلى العربية ما يزيد عن 100 مسلسل تركي خلال الفترات الماضية؛ أشهرها مسلسلات “وادي الذئاب” و”العشق الأسود” و”عودة مهند” و”بنات الشمس” و”أنت وطني” و”حب أعمى” و”قيامة أرطغرل”. ومعظمها لا يزال عرضه قائماً حتى الآن. وعلى الرغم من توقف دبلجة المسلسلات التركية وعرضها على شبكة MBC، إلا أن الدراما التركية ما زالت تلقى إقبالاً واسعاً في العالم العربي. ولم تعد متابعة المسلسلات التركية تقتصر على شاشات التلفاز والمحطات المحلية والفضائية فحسب، بل إنّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً موقع يوتيوب، تقدم فرصة للجمهور العربي لمشاهدة الدراما التركية. وقد استطاعت المسلسلات التركية أن ترفع من مستواها من حيث جودة التصوير والقيمة الفنية، وأكثر ما يميزها هو الاهتمام بالسيناريو الجيد، الذي عادة ما يبرز العديد من المواضيع التي تثير اهتمام الناس، كقصص العلاقات العاطفية أو تلك الأعمال التي تحاكي الأسرة، وتناقش العلاقات الإنسانية والحياة الاجتماعية اليومية، بالإضافة للمسلسلات التي تحكي تاريخ تركيا القديم والحديث، ويغلب على بعضها التشويق والإثارة و”الأكشن” أحياناً.
منافسة شرسة
وفي ظل هذا الكم الهائل من الإنتاج والمنافسة القائمة على مبدأ الإنتاج الجيد، ارتفعت بالمقابل أسعار المسلسلات التي يتم تصديرها للخارج تحديداً، إذْ يصل سعر الحلقة الواحدة اليوم إلى قرابة 50 ألف دولار، بحسب مسؤولين يعملون لدى شركات إنتاج تركية تحدثوا لـ”العربي الجديد”. ولا تقتصر عائدات الدراما على أسعار مبيعات المسلسلات، بل تعدتها أيضاً للتأثير في قطاع السياحة، إذْ تحرص الشركات المنتجة على نقل المناظر السياحية والتاريخية في تركيا من خلال المسلسلات، وهو الأمر الذي أثّر بشكل إيجابي على تضاعف أعداد السيّاح القادمين إلى البلاد. وتعدّ أميركا اللاتينية أبرز دول العالم التي تأثرت بالدراما التركية، إذ دخلت من بوابة تشيلي بمسلسل “ألف ليلة وليلة” الذي لاقى رواجاً كبيراً، وساهم في غزو الأعمال التركية الشاشات اللاتينية، إذْ حصد المسلسل التركي “ما ذنب فاطمة غل”، الذي تمت دبلجته إلى اللغتين الإسبانية والبرتغالية عام 2015، وحده متابعة الملايين من الأشخاص. ورغم عراقة الدراما الهندية وتأثيرها على مختلف دول العالم، إلا أن ذلك لم يمنع المسلسلات التركية من اقتحام شاشتها أيضاً منذ عام 2015. وقد كان المسلسل التركي المدبلج “سميتها فريحة” نقطة انطلاق الدراما التركية في الهند، ونجح هو الآخر في تحقيق نسب مشاهدة عالية. وحتى عام 2015، كانت الهند تعرض هذا المسلسل التركي الوحيد، ولكنها خلال العامين الماضيين استطاعت أن ترفع من عدد المسلسلات المدبلجة إلى أكثر من 12 مسلسلاً، وقد حققت بالفعل نجاحاً وانتشاراً جيداً. بالمقابل، لا تزال تعكف حالياً لجنة تنسيق قطاع الأفلام في الغرفة التجارية بإسطنبول في تنفيذ إعداد مشروع “كاتلوج” خاص بالمسلسلات التركية، الذي سيكون إلكترونياً مبدئياً. وسيشمل أسماء المسلسلات وعدد الحلقات وملخصات مختصرة؛ تظهر سنة الإنتاج والترتيب في أرقام المشاهدات والدول التي عرض فيها وغيرها من المعلومات.