الخوري الذي كتب أجود الشعر في النبي محمّد!
كان المديح الشعري الذي يقال في نبي الإسلام، محمد صلى الله عليه وسلم، الذي تحل ذكرى ولادته الشريفة، الثلاثاء، غرضاً قديماً ومن أبرز أغراض الشعر الديني، من أيام الدعوة حتى كل الفترات التي تلتها، وصولا إلى عصرنا الحديث.
ولم تكن المدائح النبوية أو مدح النبي، حكراً على الشعراء المسلمين، بل تألّق شعراء مسيحيون عرب فيما قالوه يمدحون نبي الإسلام، من قصائد صارت من عيون الشعر العربي، من مثل الشاعر جورج صيدح، وميخائيل خير الله، وخليل مطران، وإلياس قنصل، وغيرهم كثير. وكان الشاعر اللبناني المهجري رشيد سليم الخوري (1887-1984) للميلاد، واحداً من أهم الرواد الذين كتبوا في النبي أجمل القصائد.
ولا أدل على مدى الامتزاج الروحاني الذي عاشه الخوري، ما بين ديانته المسيحية وتأثره بالإسلام ونبيه، أكثر مما أوصى به، بعد رحيله، من أن يصلّي عليه كاهنٌ، وشيخٌ. بل إن الشاعر القروي، وهو لقب الخوري الأشهر، أوصى بتفاصيل على قبره، تظهر الدين الإسلامي، كما تظهر الديانة المسيحية، مؤكداً على وجود هلال في ضريحه، مثلما شدّد على قراءة الفاتحة على قبره، أيضاً.
ووصل تعلّق الخوري بنبي الإسلام، إلى الحد الذي قال فيه: “وأيّ أديب يهيم بالحكمة، لا يخرّ ساجداً للحديث الشريف ومعجز القرآن!”. بل إنه قال في كلمة له في إحياء ذكرى هجرة النبي محمد: “يا محمد، يا نبي الله حقاً، يا مجد العرب، يا مجد الإنسانية، دينك دين الفطرة” حتى إنه أُخذ بحال حبّه للنبي عليه الصلاة والسلام ورسالته، في تلك المناسبة، فهتف داعياً لما أرسل إليه ابن عبد الله: “إنّي لموقنٌ أن الإنسانية بعد أن يئست من كل فلسفاتها وقنطت من كل مذاهبها ونظرياتها، سوف ترى أن لا مخرج لها من مآزقها ولا راحة لروحها ولا صلاح لأمرها إلا بارتمائها في حضن الإسلام”.
ووصل تعلّقه وحبه لمحمّد، أن اتهمه البعض بأنه ترك المسيحية ودخل في الإسلام. إلا أن الخوري الذي من ألقابه (قديس العروبة) كان يفخر بالنبيين على حد سواء، السيد المسيح عليه السلام، ومحمد.
الخوري عام 1933
وما ترك الخوري مناسبة إلا وأطل على اسم نبي الإسلام، بمديح شعري صار من عيون الشعر العربي، وكان يتفاخر بأن محمد صلى الله عليه وسلم، نبي هدى طلع من الشرق، فصار مصدر تفاخر الشاعر ذي الأصل المشرقي حتى ولو هاجر إلى البرازيل وعاش فيها الزمن الأطول من عمره، إلا أن تعلق روحه بالشرق روحاً ونبياً اتصلت به كل حياته، ومات على حبّه للنبي. وقال:
طلع الهُدى من شرقنا
والغرب يخبط في الظُّلَم
ثم يعظّم نبي الإسلام في حفلة عيد الفطر عام 1933 فيقول:
أُكرِّم هذا العيد تكريم شاعرٍ
يتيه بآيات النبيّ المعظّمِ
إلى أن يقول دلالة منه على مدى الامتزاج الروحي الذي عبّر عنه الخوري في شعره، ما بين تديّنه في المسيحية، وتمجيده لنبي الإسلام:
إلى عَلَمٍ من نسْج عيسى وأحمدٍ
و”آمنة” في ظلّه أخت “مريمِ”.
وقصة تعلّق الخوري بمحمد متداخلة الجذور، فهي من جهة، تعني للمشرقي التأكيد على أن نبي الإسلام ـ فضلاً عن كونه أرسل للناس كافة حسب ما ورد في القرآن الكريم ـ فهو رمز للعرب والعروبة، في أي أرض كانت، خاصة في الوقت الذي كانت تمر فيه القومية العربية، في القرنين الثامن والتاسع عشر، حيث كان نصيب الخوري منهما، 100 عام إلا 36 شهراً، عاشها في الكد والعمل وإبداع الشعر، ما نسي فيها مناسبة إلا وتوجّه فيها، للنبي محمد بمديح أو تمجيد أو تعظيم، حتى أصبح جميل شعره ونثره، يخص تمجيد النبي، فعرف به، وسيظل.
ولشدة هوى نفس الخوري بالنبي محمد فقد اعتبر يوم ولادته، يوماً للبشرية جمعاء، بمختلف أديانها وألوانها ومشاربها. وفي قصيدة من أجمل القصائد العربية، وتعد من روائع شعر مدح النبي، يقول الخوري متحدثاً عن ذكرى ولادة نبي الإسلام:
عيدُ البريةِ عيدُ المولدِ النبوي
في المشرقين له والمغربين دوي
عيدُ النبي ابن عبد الله من طلعت
شمسُ الهداية من قرآنه العلوي
بدا من القفر، نوراً للورى وهدى
يا للتمدّن عمّ الكون من بدوي!
إلى أن يصل إلى فحوى رسالته الشعرية التي تقوم على إيمان قومي إنساني، بدون نزعة عنصرية، مؤكداً ضرورة العلاقة الوثيقة ما بين المسيحيين والمسلمين، فيقول:
يا قوم، هذا مسيحيٌّ يذكّركم
لا يُنهِض الشرقَ إلا حبّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمةً
فبلّغوه سلام الشاعر القروي.