كيف ترتبط اضطرابات النوم بالسكري؟
كشف العلماء عن وجود علاقة معقدة تربط نمط النوم وجودته باحتمال الإصابة بمرض السكري. وفي الحقيقة، لا تزال الأبحاث جارية لفهم الطرق التي تؤثر بها اضطرابات النوم على زيادة مخاطر الإصابة بهذا المرض.
وفي هذا السياق، تطرق الكاتب مايكل بروس في تقريره الذي نشره موقع “سايكولوجي توداي” إلى علاقة جودة النوم باحتمال زيادة خطر الإصابة بداء السكري، نظرا لوجود عدة عوامل متداخلة من شأنها أن تسبب مباشرة اضطرابا في وظائف بعض الأعضاء الداخلية للجسم.
وأفاد الكاتب بأن النوم هو الفترة الزمنية التي يستغلها الجسم لترميم وإصلاح الخلايا. وتشمل هذه العملية صيانة جهاز المناعة ووظائف الأيض.
وعموما، تؤثر الاضطرابات في النوم على مرض السكري بشكل مباشر وغير مباشر، وذلك عن طريق إحداث تغييرات في الهرمونات، مما يساهم في زيادة الوزن والإصابة بالسمنة. ونتيجة لذلك، يتغير كل من سلوك المصابين وأسلوب حياتهم. في المقابل، يساهم التمتع بنوم جيد في زيادة قدرة الجسم على ضبط الهرمونات والأنسولين لتنظيم السكر في الدم.
وذكر الكاتب أن المرضى المصابين بمرض السكري أكثر عرضة للإصابة بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. وكلما كانت المشاكل التي يعاني منها الشخص بالنوم بالغة الخطورة، زاد خطر إصابته بمرض السكري.
علاوة على ذلك، فإن عدم الحصول على كميات كافية من النوم بمعدل ثماني ساعات يوميا، لا يعد العامل الوحيد الذي يزيد من خطر الإصابة بالسكري، حيث من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار جودة النوم وأنماطه فضلا عن العادات التي نتّبعها. فقد كشفت الأبحاث العلمية أن النوم الرديء يمكن أن يؤثر على عملية الأيض، بما يتسبب في زيادة مخاطر الإصابة بهذا المرض. في المقابل، هناك أدلة علمية تربط بين النوم لساعات طويلة وزيادة احتمال الإصابة بهذا المرض.
وأشار مايكل بروس إلى أن من بين الاكتشافات الحديثة التي توصل إليها العلماء خلال دراستهم المتعلقة بعلاقة النوم بمرض السكري، أن النوم السيئ أو “غير الصحي” يؤثر على عملية إنتاج الجسم للأنسولين وعلى طريقة استخدامه. من جهة أخرى، يؤدي النوم “غير الصحي” إلى الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات العالية.
ساعة بيولوجية
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الأنسولين -كغيره من الهرمونات- يعمل وفق دورة يومية. ويعتقد العلماء أن الساعة البيولوجية للجسم تحدد عمل هذه الدورة عبر التأثير على توقيت عملية إنتاج وإفراز البنكرياس للأنسولين. ومن الواضح أن الاختلالات الطارئة التي غالباً ما تترافق مع وجود اضطرابات في النوم، تقلل من فعالية إنتاج الأنسولين. ومع مرور الوقت، ستُساهم هذه الاضطرابات في مقاومة إنتاج الأنسولين.
ويساهم الحرمان الجزئي من النوم، الذي يعاني منه العديد من الأشخاص؛ في إضعاف قدرة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل فعال والحفاظ على توازن السكر في الدم. وتؤثر اضطرابات النوم على قدرة الجسم على تنظيم الغلوكوز طوال النهار والليل.
وأورد الكاتب أن الحرمان من النوم يزيد من إنتاج هرمون الكورتيزول الذي يزيد بدوره من مقاومة الخلايا للأنسولين.
فضلا عن ذلك، يساهم اضطراب النوم في إنتاج العديد من الهرمونات الأخرى، بما في ذلك الهرمون المنشط للغدة الدرقية وهرمون التستوستيرون، حيث يمكن أن يؤدي إلى مقاومة الأنسولين وارتفاع مستوى السكر في الدم.
ويبدو أن الميلاتونين الذي يلعب دورا مركزيا في الحفاظ على انتظام أنماط النوم وتزامن التواتر اليومي، يؤثر كذلك على عملية إفراز هرمون الأنسولين. وقد كشفت دراسات سابقة أن بعض المتغيرات الجينية المرتبطة بمستقبلات هرمون الميلاتونين لها ارتباط وثيق بارتفاع مخاطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وقد أظهر بحث حديث أن المستويات المرتفعة من هذا الهرمون تقلل من قدرة الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس على إفرازه.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 90% من المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، التي تُعد من بين أهم العلامات المُنذرة بتطور مرض السكري من النوع الثاني. ويؤثر النوم بشكل كبير على الشهية وعلى أنماط الأكل، وعلى الهرمونات التي تتحكم في الشعور بالجوع والشبع، فضلا عن ممارسة الأنشطة الرياضية.
وأورد الكاتب أنه عندما لا نحصل على كميات كافية من النوم الصحي، ينخفض مستوى إنتاج هرمون اللبتين الذي يساعد على الحفاظ على توازن الطاقة في الجسم والحد من الشهية، وذلك عبر استهلاك السعرات الحرارية التي تعد بمثابة إشارات تعمل على إعلام الجسم بأنه استهلك كميات كافية من الطاقة. وتترجم هذه الإشارات إلى الشعور بالشبع.
فضلا عن ذلك، يساعد هرمون اللبتين على تنظيم عملية الأيض ومعدل حرق الجسم للدهون، كما يبطئ انخفاض مستوياته من وتيرة عمل الأيض. وقد يجعل النوم السيئ الجسم مقاومًا لنشاط اللبتين الذي يعمل على التقليل من الشهية. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن اللبتين يلعب دورا مباشرا في تنظيم الغلوكوز بالدم، لذلك يعد التمتع بنوم جيد وصحي أحد الطرق للحفاظ على عملية تزويد الجسم بهذا الهرمون طبيعيا.