العرب تريند

خدمة تحذير تمنح السوريين بضع دقائق للفرار من الغارات

كان خالد الإدلبي منهمكاً بالعمل في منزله حين وصلته رسالة عبر الهاتف جعلته يقفز من مكانه مسرعاً للإبتعاد عن المنطقة، وما هي إلا دقائق حتى استهدفت غارة جوية بيت جيرانه في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا.

قبل عامين أطلق شابان أميركيان وآخر سوري نظاماً أطلقوا عليه “مرصد سوريا” هدفه تنبيه السوريين من أي طائرة حربية تتجه نحوهم، ما يتيح لهم الفرار من أي مكان قد يكون وجهة لها.

وستساعد هذه الدقائق الإضافية الحاسمة التي يمنحها نظام الإنذار في إنقاذ أرواح المدنيين عند شن النظام هجومه المتوقع على محافظة إدلب، اخر معاقل الفصائل المقاتلة.

ويعتمد النظام على مراقبين على الأرض وأجهزة إستشعار لرصد انطلاق الطائرات الحربية السورية والروسية التي تقصف مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سوريا. وما أن يتم رصد طائرة ما، حتى يطلق النظام صفارات إنذار في المنطقة المعنية كما يرسل رسائل تحذيرية عبر تطبيقات مختلفة على الهواتف الخلوية.

سمع خالد الإدلبي (23 عاماً) بخدمة “مرصد سوريا” من أحد أصدقائه، وقد نجحت فعلاً في إنقاذه من القصف في بلدة معر شورين في ريف إدلب الجنوبي.

في العاشر من حزيران/ يونيو 2017، وبعد غارة جوية على المنطقة عاد خالد إلى منزله لتجهيز بعض الأغراض والفرار بها، وأثناء انهماكه بالعمل وصلته رسالة على هاتفه لتحذيره.

ويقول الناشط الاعلامي لوكالة فرانس برس “كان للخدمة فضل كبير علي (…) أثناء تواجدي في المنزل وصلني تنبيه على تطبيق تلغرام يفيد بأن الطيران الحربي أقلع من جديد تجاه المنطقة ذاتها”.

ويضيف “غادرت فوراً، وبعدما قطعت مسافة كيلومتر واحد تقريباً استهدفت غارة منزل جيراننا”.

وأصيب جراء الغارة ثلاثة أطفال، وفق إدلبي الذي توقع أن 15 شخصاً قد يكونوا لاذوا بالفرار بعد تلقيهم التحذير من خدمة “مرصد سوريا”.

  • ثماني دقائق

أطلقت خدمة “مرصد سوريا” في آب/ أغسطس العام 2016 بالشراكة مع منظمة “الخوذ البيضاء”، الدفاع المدني في مناطق المعارضة، لتتحول لاحقاً إلى خدمة لا بد منها عند الكثير من السوريين في مناطق سيطرة الفصائل.

ويعتز مهندسو الخدمة بها خصوصاً بعد نجاحها خلال حملة القصف العنيف التي تعرضت لها الغوطة الشرقية قرب دمشق العام الحالي قبل أن تتمكن قوات النظام بدعم روسي من استعادة السيطرة عليها في نيسان/ أبريل الماضي.

ويقول جون ياغر، أحد مؤسسي شركة أنظمة “هالا” التي طورت النظام المستخدم في “مرصد سوريا”، لفرانس برس “شهدنا ارتفاعاً كبيراً في استخدامها مع تزايد حملة القصف” في الغوطة الشرقية.

وأسفر القصف الجوي في الغوطة الشرقية عن مقتل 1700 مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وياغر دبلوماسي أميركي سابق ومبرمج الكتروني يصب جام اهتمامه في البحث عن وسائل تحمي المدنيين في سوريا، ومن هنا وضع نظام “مرصد سوريا” بالتعاون مع رجل الأعمال دايف ليفين ومبرمج سوري لم يُكشف عن هويته.

ويتطلب النظام الممول حالياً، وفق ياغر، من بريطانيا وكندا وهولندا والدنمارك تدخلاً من أشخاص على الأرض لمراقبة حركة الطيران من جهة ووضع أجهزة الاستشعار من جهة ثانية.

ولذلك لم تشمل الخدمة مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية والتي تستهدفها غارات التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأسفرت أيضاً عن مقتل مدنيين.

وتقدر شركة أنظمة “هالا” أن “مرصد سوريا” متوفر لحوالى مليوني شخص في سوريا، غالبيتهم في محافظة إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المقاتلة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).

وبرغم عدم توفر إحصائيات دقيقة، يقول ياغر إن تحليل البيانات أظهر أن “مرصد سوريا” خفض قتلى الغارات بنسبة 27 في المئة.

ويمنح التحذير للمدنيين، الذين يعتمدون على خدمة “مرصد سوريا” إن كان عبر صفارات الإنذار أو وسائل التواصل الاجتماعي او محطات الراديو، معدل حوالى ثماني دقائق للفرار، وفق ياغر.

  • حملات توعية

ولــ”مرصد سوريا” حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى موقع تويتر ينشر تغريدات متتالية عن حركة الطيران، على الشكل التالي “4:08: مطار حميميم – الآن طائرة حربية روسية تحلق باتجاه جنوب شرق”.

ولمنظمة “الخوذ البيضاء” دور في تطوير هذه الخدمة خصوصاً أنها تمنح طواقمها بعض الوقت للتجهيز قبل التدخل في منطقة معينة.

ويقول إبراهيم أبو ليث، منسق الإنذار المبكر في الشمال السوري في المنظمة، “يحاول التقنيون التابعون للدفاع المدني السوري تطوير هذه الخدمة بحيث تصل للمدنيين حتى من دون إنترنت”.

وتقوم المنظمة أيضاً بحملات توعية للترويج لنظام “مرصد سوريا”، وقد أجرت مؤخراً أكثر من 190 جلسة توعية في غالبية مناطق سيطرة الفصائل في شمال سوريا، وفق أبو ليث.

وأسفر النزاع السوري منذ العام 2011 عن مقتل أكثر من 350 ألف مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وبين هؤلاء نحو 33 ألف مدني في قصف روسي وسوري.

لم يرصد ياغر أي محاولة لتعطيل “مرصد سوريا” خصوصاً من قبل قوات النظام، بل يوضح “لا يقولون إنهم يدعمونه لكن أعتقد أن عليهم أن يقوموا بذلك، فلا أحد يهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين”.

ويضيف “إذا أرادت الطائرات الحربية الروسية أو التابعة للحكومة استهدافك، فإن الخدمة لا تستطيع القيام بالكثير. كل ما نريده هو تفادي سقوط القتلى بأكبر قدر ممكن”.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى