قطر

قرصنة قنا.. أخطر جريمة إلكترونية في العصر الحديث

قبل عام، وتحديداً الساعة 12.15 بعد منتصف ليلة 23 مايو 2017 بدأت أكبر عملية قرصنة سياسية لوكالة أنباء حكومية تحت إشراف أجهزة استخبارات، وبعلم حكومات خليجية مجاورة.
وعملية القرصنة هذه ليست مثل أي عملية أخرى، ولم تكن تستهدف سرقة أموال أحد البنوك أو الاستيلاء على صور شخصية فائقة السرية كتلك التي تقوم بها عصابات الهاكر العالمية بقصد الابتزاز، ولكنها كانت قرصنة لمهمة واحدة وهي بث تصريحات مكذوبة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، احتوت على أكاذيب ومواقف متناقضة، وسعى المقرصنون بكل ما يملكون من كذب إلى أن تكون هذه التصريحات مرتبطة بتخريج دفعة جديدة من خريجي الخدمة الوطنية، وبغض النظر عن أن حفل التخريج كان في الصباح وبث التصريحات كان في منتصف الليل، إلا أن اختيار التوقيت كان هو الأكثر أهمية لديهم، وربما أهم من فحوى التصريحات المزيفة، ولهذا جاءت التصريحات المفبركة خالية من الصدق والمنطق والإقناع نظراً لتناقضاتها الكبيرة، ويبدو أنهم أوكلوا مهمة كتابة التصريحات المزيفة لأحد الفاشلين لديهم، فلذلك جاءت فاشلة ومزيفة وكاذبة.
كانت ساعة الصفر في الساعة 12.15 بعد منتصف الليل، وفور بث التصريحات الكاذبة انطلقت بعدها بدقائق أكبر عملية كذب وتزوير سياسية ضد دولة شقيقة تربطها مع أشقائها روابط الدم والدين والتاريخ والجغرافيا.
كانت قنوات الكذب مستعدة وجاهزة تماماً لرصد ساعة الصفر، وعلى الفور بدأت قناتا العربية “السعودية الجنسية الظبيانية الهوى” وسكاي نيوز أبو ظبي في تحليل الأكاذيب واستضافة الخبراء والمحللين والمرتزقة لتحليل خطاب مزيف وركوب موجة الهجوم على قطر وشيطنتها وإطلاق وصف دولة الإرهاب عليها دون دليل أو سند، واعتمدوا في ذلك على كذبتهم التي زرعوها في موقع وكالة الأنباء القطرية.
وعلى الرغم من سعي الجهات المختصة في قطر إلى نفي الأكاذيب المزروعة في “قنا” بعلم دول الحصار إلا أنهم لم يصدقوا إلا أنفسهم ومضوا في أكاذيبهم، وبعد القرصنة بدقائق سارع سعادة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام إلى نفي التصريحات المكذوبة، مؤكداً في الوقت ذاته تعرض موقع “قنا” للقرصنة، تلا ذلك تصريح آخر من مدير مكتب الاتصال الحكومي الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني نفى خلاله صحة التصريحات، وأعلن أن الجهات المختصة في قطر قد بدأت في التحقيقات حول قرصنة موقع وكالة الأنباء..
بعدها أعربت وزارة الخارجية القطرية عن استغرابها من مواصلة بعض وسائل الإعلام في بث الأخبار الملفقة على الرغم من التصريحات القطرية التي تنفي صحة التصريحات المزيفة.
لم تستمع وسائل الإعلام في دول الحصار لهذه التصريحات واستمرت لأيام في تداول الأخبار المزيفة، مما أدخل منطقة الخليج في أعظم أزمة سياسية تساقطت فيها أوراق الصدق والأخلاق والمروءة.
بدأت من تلك اللحظة أسوأ حرب إعلامية وسياسية واجتماعية واقتصادية من أشقاء لدولة شقيقة، ولأنهم لم يجدوا دليلاً على قطر لذلك قاموا بصنع هذا الدليل وسعوا إلى تصديق كذبتهم وعززوا هذا الكذب بسن قانون غريب عجيب أطلقوا عليه “قانون التعاطف مع قطر”!، وتضمن القانون عقوبات في حق من يتعاطف مع قطر بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً وغرامة لا تقل عن نصف مليون ريال أو درهم.. إن كانوا صادقين فهم ليسوا بحاجة لقانون يمنع تعاطف شعوبهم مع دولة شقيقة، ولكنه الكذب والتدليس والقمع وعدم اقتناعهم بما يفعلون، وعجزهم عن إقناع شعوبهم بعدالة قضيتهم.
في مثل هذا اليوم كان مسؤولون كبار في الحكومة الإماراتية في اجتماع مهم لمناقشة خطة قرصنة وكالة الأنباء القطرية، ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية قولهم إن الإمارات العربية المتحدة تقف وراء قرصنة “قنا” ومواقع حكومية أخرى، وهو الأمر بحسب الصحيفة – الذي أدى إلى اندلاع أزمة الخليج، وبناء على ما نشرته الصحيفة الأمريكية نقلاً عن مسؤولي المخابرات، وبالمناسبة لم تقم الإمارات بنفي هذه المعلومات – فإن فعل القرصنة كان مقصوداً ومرتباً من قبل الدولة المجاورة، وأكد ذلك ما بثته قناة “NBC” الأمريكية في 19 يوليو الماضي من صحة التقارير عن قرصنة الإمارات لموقع وكالة الأنباء القطرية.
أكثر أمر كان مثيرا للانتباه هو ما حدث قبل القرصنة بساعة واحدة، حيث لاحظ فريق التحقيق أن موقع وكالة الأنباء على شبكة الإنترنت يشهد زيارات بصورة غير طبيعية، واكتشف الفريق قيام اثنين من عناوين الـ “آي.بي” في دولة الإمارات بالوصول إلى الصفحة الرئيسية للموقع وتحديثها عشرات المرات على مدار الساعة ونصف الساعة التالية مما يؤكد أنهم كانوا في انتظار “خبر معين” واكتشف الفريق كذلك أن أول من وصل إلى المادة المزيفة في موقع الوكالة كان من الإمارات أيضاً، وقام هذا الشخص بمطالعة الموضوع أكثر من 45 مرة خلال ربع ساعة، ثم التصفح 41 مرة في الربع الساعة التالية للقرصنة!.
لم تكن أبوظبي أو السعودية بحاجة إلى أن تصنعا أكذوبة ثم تصدقاها، ولم تكونا بحاجة إلى ممارسة الأكاذيب على شعوبهما لتعاديا قطر، كان يكفي أن يقدما الدليل والبرهان على مخاوفهما وهواجسهما، كان يكفي أن يجلسا على طاولة الحوار، أن يتناقشا، أن يفعلا دور مجلس التعاون الذي أصبح كياناً خارج التاريخ والمنطق.
ليست السعودية بحاجة إلى قرصنة أبوظبي، ولم تكن البحرين بحاجة إلى كذب إعلام السيسي، كانوا بحاجة إلى الصدق أكثر من حاجتهم إلى الكذب، ولكن هذه الأزمة أثبتت أن الصدق منجاة، وأن الكاذبين سيذهبون إلى الجحيم.
الحمدلله أن هذه الأزمة جاءت بنتائج إيجابية كبيرة على قطر، فقد عرف العالم من هو الصادق ومن الذي يمارس الكذب، قطر كبرت كثيراً خلال هذا العام، وفي المقابل تقزَّم الكبار ولم يعودوا يعلمون كيف يخرجون من هذا المأزق الذي صنعوه بأنفسهم.
كلمات الشكر وحدها لا تكفي لأوجهها إلى سمو أمير الكويت حفظه الله فهو – أطال الله في عمره – صمام أمان المنطقة، وأتمنى من دول الحصار أن تتعامل مع الوساطة الكويتية بالكثير من الامتنان، حفظاً لماء وجوههم الذي أريق في مثل هذا اليوم.

المصدر
الشرق
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى