الكويت

التنحيف المرضي…صيدليات كويتية تبيع أدوية السكر لمرضى السمنة بلا وصفات طبية

تناولت الأربعينية الكويتية أم أحمد الحربي دواء “فيكتوزا”، المخصص لمرض السكر من أجل الحصول على القوام الممشوق الذي طالما حلمت به، بعدما نصحتها ثلاث من صديقاتها بتجربته للتخلص من وزنها الزائد، إذ سبق لهن استخدامه لذات الغرض، غير أنها تعرضت بسبب تناوله دون وصفه طبية، بينما لا يحتاجه جسدها، إلى اختلال في الغدة الدرقية وأعراض جانبية أخرى، منها اضطراب ضربات القلب والتعرق الليلي كما تقول بحسرة، مضيفة: “ليتني ما استمعت لنصيحة صديقتي بتناول هذا الدواء”.

خطورة حالتها الناتجة عن استعمال دواء لا يناسب وضعها الصحي وبدون إشراف طبي، أكدها لها طبيب أمراض العائلة في مستشفى الفروانية الحكومي الدكتور عبدالله الشمري، والذي فسر لـ”العربي الجديد”، المشاكل الناتجة عن هذا الدواء قائلا: “تعمل الأدوية المخفضة والمنظمة لسكر الدم على تحفيز استقبال الخلايا للأنسولين لإدخال السكر إلى الخلايا وحرقه وتوظيفه، وهو ما يلجأ له بعض مرضى السمنة من أجل تحسين أداء المستقبلات الحسية على جدران الخلايا حتى تستطيع الخلية جذب السكر من الدم وتحرقه، وبالتالي مع الأكل منخفض السعرات يبدأ الجسم في تحفيز الخلايا ومخزون الدهون لحرقه لتوفير الطاقة للجسم، وبالتالي يلجأ من يحلمون بالرشاقة إلى استعمال هذا الدواء وأمثاله لإنقاص الوزن بطريقة عشوائية، غير عابئين بالمخاطر التي تهددهم، والتي تصل إلى حد احتمال الإصابة بالسكر من النوع الثاني عند التوقف عن تناول الدواء بشكل فجائي، إذ تتكاسل الخلايا عن عملية الحرق”.

وتابع “في حالة أم أحمد تسبب الدواء في اختلال في وظائف الغدة الدرقية، جعلها تزيد من نشاطها، ما أدى إلى فقدان الوزن بسرعة، غير أن زيادة النشاط تعني أن هناك أعراضاً جانبية أبرزها أمراض القلب من حيث اضطراب النبضات وعدم انتظامها”


تجارة عشوائية

تبيع صيدليات كويتية دوائي فيكتوزا Victoza وميتفورمين metformin المخصصين لمرضى السكر من النوع الثاني بدون وصفات طبية لمن يعانون من زيادة الوزن، وهو استخدام للدواء في غير موضعه، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر زيارة 10 صيدليات واقعة في مناطق الرقعي والسالمية والعاصمة الكويت والجهراء وجليب الشيوخ والقيروان تبيع الدواءين، إذ تظاهر بوجود حالة مرضية لديه تعاني من السمنة، وترغب بشراء دواء “فيكتوزا” لتخفيف الوزن، فسارع الصيادلة لعرض الدواء عليه بسعر 60 ديناراً كويتياً (ما يعادل 200 دولار أميركي) بدون وصفة طبية وبدون حضور المريض، أو السؤال عن ماضيه الصحي، وبدون وصف مقدار الحقن التي يجب أن يستخدمها المريض، واكتفى الصيدلانيان بالقول إن بإمكان المريض أن يحقن نفسه بالقدر الذي يراه مناسباً، وهو ما علق عليه عضو مجلس إدارة جمعية الصيدلة الكويتية الدكتور حسين العنزي قائلا لـ”العربي الجديد”، “مثل هذه الأمور تزعزع الثقة في القطاع الصيدلي في البلاد”.

دفاتر الوصفات الطبية

للتغلب على القوانين المنظمة لقطاع الصيدلة الكويتي، يشتري بعض الصيادلة “دفاتر وصفات طبية” مختومة من بعض الأطباء بمبالغ كبيرة تصل إلى 1000 دينار للدفتر الواحد (ما يعادل 3300 دولار) ثم يضعون اسم الدواء الذي باعه الصيدلي بدون وصفة للمريض في إحدى أوراق الدفتر، الذي يتم تقديمه إلى إدارة التفتيش والأدوية التابعة لوزارة الصحة، وهي الجهة المعنية بالتفتيش على الصيدليات في الكويت، من أجل خروج تلك الصيدليات المخالفة من حالة الحرج القانونية بسهولة، وفقا لتأكيد الدكتور نواف الحربي، العضو السابق في مجلس إدارة جمعية الصيدلة والمسؤول في إدارة تفتيش الأدوية في وزارة الصحة، والذي أشرف على أكثر من 30 عملية ضبطية ضد الصيدليات التي تبيع الدواء بدون وصفة طبية خلال العام 2017، وتابع الحربي: “ما تقوم به بعض الصيدليات أمر مخز ومعيب ويهدد ثقة الناس بالقطاع الطبي، لكن ما يقوم به الأطباء من بيع الوصفات البيضاء والممهورة بالأختام لصالح الصيدليات هو أمر أشد خطورة”.

وتشن إدارة تفتيش الأدوية في وزارة الصحة حملات أسبوعية وشهرية على الصيدليات غير الملتزمة ببيع الأدوية دون وصفات طبية، إذ بلغت الحالات الموثقة التي حصل عليها معد التحقيق من مسؤولي الإدارة، ومنهم الدكتور نواف الحربي، 130 حالة في العام 2016 بعد أن كانت 90 حالة مخالفة في العام 2015، متوقعا أن تصل مخالفات الصيدليات في العام 2017 إلى ضعف مخالفات العام 2016، وصادرت الإدارة ما قيمته مليونا دولار أميركي من الأدوية، كما قامت بتوجيه إنذارات لـ 177 صيدلية تقوم بمخالفات بيع الأدوية بدون وصفات طبية، وأغلقت صيدليتين لمدة 6 أشهر وفق الصلاحيات الممنوحة لها قانونا، فيما لم تقم بسحب الترخيص المهني من هؤلاء الصيدلانيين، باستثناء من تورطوا في بيع أدوية مخدرة، وهي تهمة تتولاها النيابة العامة فقط والإدارة العامة لمكافحة المخدرات، بحسب حديث الصيدلاني نواف الحربي لمعد التحقيق، والذي قال إن جهود إدارة التفتيش المدعومة من وزير الصحة مستمرة لضبط المخالفين.


الرقابة على الصيدليات

على الرغم من الحملات المستمرة التي تنفذها إدارة تفتيش الأدوية بوزارة الصحة، إلا أن قلة عدد موظفيها الذين لا يتجاوزون الـ100 موظف أغلبهم يعملون في وظائف قانونية يؤدي إلى ضعف رقابي على الصيدليات، بالإضافة إلى مشاكل متعلقة بالآلية التي تمنح بموجبها التراخيص للصيدليات، إذ يمكن لكل صيدلي كويتي أن يقوم بفتح صيدلية خاصة به بعد الحصول على ترخيص من وزارة الصحة، لكن بعض الصيادلة يحصلون على تراخيص ويقومون بتأجير الرخص بالباطن إلى آخرين بمبالغ تتراوح بين 3000 و5000 دينار كويتي (ما يعادل 10 آلاف دولار و 16 ألف دولار أميركي) وفقا لإفادات صيادلة التقاهم معد التحقيق، وهو ما يؤكده الدكتور نواف الحربي، والذي قال إن بيع أدوية السكر المستخدمة لتخفيف الوزن بدون وصفات طبية للحصول على الربح السريع، وغيرها من المخالفات الأخرى من أجل الكسب السريع والكبير ترجع إلى عمل هؤلاء على سداد تكلفة إيجارات الرخص الضخمة، ولو كان ذلك على حساب صحة الناس”.

والتقى معد التحقيق وزير الصحة الدكتور جمال الحربي أثناء حضور الأخير للقمة الخليجية الثامنة والثلاثين في قصر بيان بالكويت، حيث اطلع وزير الصحة على ما وثقته تحقيقات “العربي الجديد” من مخالفات للصيدليات التي تبيع أدوية دون وصفات طبية ولاستعمال طبي غير مخصصة له، فعلق قائلا “ورثت تركة ثقيلة من الفساد المستشري في الوزارة على كافة الأصعدة، بسبب المحسوبيات والتنفيع لشركات الصيدليات الكبيرة”.

قصور في التشريع

تنص المادة 17 من قانون “تنظيم مهنة الصيدلة وتداول الأدوية” رقم 28 لسنة 1996 على أن تنشأ بوزارة الصحة لجنة برئاسة وكيل الوزارة، أو من ينوب عنه وعضوية اثنين من الوكلاء المساعدين المعينين بشؤون الأدوية، ورئيس الجمعية الصيدلية، أو من ينوب عنه وعضو من الإدارة القانونية بالوزارة، تختص بالنظر في المخالفات ويجوز لها توقيع العقوبات الآتية: “الإنذار والوقف عن العمل مدة لا تتجاوز سنة وإلغاء الترخيص بمزاولة المهنة وشطب الاسم من السجل وغلق المكان مدة لا تزيد على 6 أشهر، وفي جميع الأحوال يجب أن تكون القرارات مسببة”.

وتنص المادة 259 قانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء على أن “إذا ارتكب التزوير في المحرر الرسمي من الموظف المكلف بإثبات البيانات التي غيرت الحقيقة فيها، كانت العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز عشر سنوات” والصيادلة الذين يبيعون الأدوية، بدون وصفة طبية يدخلون تحت طائلة التزوير إذا كانوا متواطئين مع الطبيب الذي يبيع دفاتر الوصفات بحسب المحامي الكويتي والخبير القانوني حسين العصفور، والذي سبق أن تولى عددًا من القضايا الطبية، ومنها رفع قضية على إحدى الصيدليات التي قامت بإيهام موكلته بالحصول على نتيجة تخفيض الوزن، لكنها تعرضت لأضرار في الكبد نتيجة استخدام دواء ميتفورمين، موضحاً أن القضية لا تزال منظورة أمام المحكمة، قائلا لـ”العربي الجديد”: “القانون يعاني من قصور تشريعي فيما يخص معاقبة الصيادلة الذين يبيعون الأدوية، بدون وصفات طبية، إذ لا يوجد تكييف قانوني واضح في القانون الكويتي، كون الصيدلة لا تعد مهنة طبية، أو ملحقة بها وفق التعريف القانوني الكويتي للطبيب، إذ يتم تكييف القضية بحسب وكيل النيابة وما يتوافر لديه من أدلة بسبب القصور التشريعي، وتابع “يوجد قصور كبير في التعريفات القانونية الطبية بالقانون الكويتي، رغم أننا دولة دستورية منذ 60 عاماً.


إجراء حكومي

تتعاون إدارة تفتيش الأدوية مع وزارة الداخلية وإدارة حماية المستهلك في وزارة التجارة لضبط الصيادلة المتلبسين بحالات بيع الأدوية بدون وصفات طبية، وتملك الإدارة سلطة الضبط، والمصادرة وإغلاق الصيدليات المخالفة، وسحب الترخيص التجاري والطبي، وفرض غرامة عليها بحسب الدكتور نواف الحربي، وهو ما يؤكده وزير الصحة الكويتي جمال الحربي، مشيرا إلى أنه وجه إدارة تفتيش الأدوية بالوزارة للضغط على هذه الصيدليات المخالفة، وملاحقتها معطياً كافة الصلاحيات للإدارة، موضحا أن لدى وزارته خطة عمل قادمة تستهدف تطهير كافة الصيدليات المخالفة التي تبيع الأدوية المغشوشة وبدون وصفات طبية، وتطهير الصيادلة ممن ليس لهم ذمة ولا ضمير”.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى