مصر

مصر تترقب زيادة جديدة في قيمة الوقود والكهرباء.. وهذه هي أسعار البنزين والسولار بعد عيد الفطر

منذ عامين، كان مصطفى السيد ينفق 8 جنيهات (45 سنتاً) ذهاباً وإياباً من وإلى العمل، اليوم ارتفعت التكلفة لتصل إلى 12 جنيهاً، جرَّاء زيادة أسعار الوقود.

وبينما ما زال مصطفى السيد يحاول ضبط حساباته الشهرية، ولم يتأقلم مع آثار الزيادة السابقة بعد، فإنه لا يعلم ماذا سيفعل مع أي رفع جديد للأسعار، في ظلّ تقارير عن عزم الحكومة خفض دعم الوقود بنسبة 26%.

في المواصلات العامة سيدفع المواطن الثمن المباشر لرفع أسعار المحروقات

السيد شاب يعمل في أحد المتاجر بمول “سيتي ستارز” بمدينة نصر، شرقي القاهرة، ويسكن في منطقة “فيصل” بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، ويقطع هذه المسافة الطويلة متنقلا بين عدة وسائل مواصلات.

ولكن الـ12 جنيهاً التي يدفعها مصطفى السيد يومياً مرشحة للزيادة بنسبة قد تكون في حدود الرُّبع أو الخُمس، إذ كشف أحد مسؤولي وزارة المالية لـ”عربي بوست”، أن سعر السولار سيرتفع في الزيادة القادمة من 3.65 إلى 4.45 جنيه، بنسبة تزيد عن الـ20%.

أي قد يدفع مصطفى السيد نحو 15 جنيهاً أو أقل أو أكثر قليلاً، هذا طبعاً في حال إذا كانت الزيادة في أجور النقل متناسبة مع الزيارة المرتقبة في أسعار الوقود.

مع ملاحظة أنه وفقاً للحسابات الحكومية ، فإن زيادة سعر الوقود بنسبة 20% يفترض أن تنعكس على أجرة النقل أقل من ذلك بكثير، إذ إن رحلة الحافلة الصغيرة (الميكروباص) التي تقطع خلالها 10 كيلومترات تستهلك 1.7 لتر وقود.

أي لو زاد لتر السولار بمقدار 80 قرشاً ،كما يتوقع المسؤول الحكومي، يفترض أن تزيد التكلفة للرحلة لكل الركاب 1.36 جنبيها، وبالتالي يصبح نصيب كل فرد من الأحد عشر راكباً في الميكروباص من هذه الزيادة 12.36 قرش فقط ، وتبدو هذه الأرقام مختلفة تماماً عن الزيادات التي يشكو منها مصطفى السيد وأغلب المصريين.

إذ يقول السيد لـ”عربي بوست”، إن أسعار المواصلات والسلع ارتفعت بنسبة تصل إلى 100% خلال العامين الماضيين، بينما راتبه الشهري لم يرتفع إلا بمقدار 10%، حيث يتقاضى 1500 جنيه شهرياً (حوالي 85 دولاراً) ارتفعت إلى 1650 ثم 1800.

ركاب المواصلات العامة كمصطفى السيد ليسوا فقط من سيشعرون بوطأة الزيادة المنتظرة، إذ يعتقد أن قطاعاً بعينه سيكون أكثر المتضررين.

وسوف يتحول عن التاكسي وشركاته إلى المترو والميكروباص

“الزبون أصبح يفضّل المترو”، هكذا يقول إبراهيم (57 عاماً)، الذي يعمل في شركة كريم لتوفير السيارات عبر الإنترنت لـ”عربي بوست”.

فالتفويلة (أي ملء خزان الوقود بالكامل بعد أن  كان شبه فارغ) زادت من 74 جنيهاً (عندما كان لتر البنزين 92 بـ185 قرشاً) إلى 200 جنيه، بعدما أصبح سعر اللتر 5 جنيهات، وهذا كله أثر سلباً على حجم العمل.

فقد لجأ قطاع كبير من الناس إلى المواصلات العامة أو الميكروباص أو مترو الأنفاق.

وتابع قائلا “رغم أن أسعار المواصلات العامة والمترو والميكروباص زادت بنسبة 100% وربما أكثر، إلا أنها تظل أكثر توفيراً للمواطن”.

ويصيف: صحيح أن شركتي أوبر وكريم حاولتا تعويض السائق عبر منحه (بونص) يعادل ألف جنيه إذا أتم 70 رحلة في الأسبوع و400 جنيه في حال أتم 50 رحلة. لكن الرحلات تراجعت جداً، كما يقول إبراهيم، قائلاً “بعد أن كنا لا نلاحق على الطلبات أصبحنا ننتظر بالساعة بين الطلب والآخر”.

“أغلب العمل في ساعات الذروة يكون إلى محطات المترو. الزبون يقسم المسافة جزأين، ويعتمد في الجزء الأطول على المترو”، كما يقول السائق.

ويعتقد إبراهيم أن الزيادة المقبلة ستزيد من حالة التراجع بالنسبة لسائقي التاكسي ونظرائهم في أوبر وكريم، فبالنسبة للمواطن أحد أنسب وسائل التوفير هو التحول من التاكسي للمواصلات العامة.

وسيدفع أكثر من ألف جنيه إذا استخدم صيارته الصغيرة في تنقلاته

الطبقة الوسطى ذات الدخول الأعلى أيضا تواجه مشكلة مع هذه الزيادات. الدكتور خالد، الذي يعمل في مركز البحوث الزراعية، يقول لـ”عربي بوست”، إنه كان يضع 80 لتر بنزين في سيارته أسبوعياً قيمتها 210 جنيهات،أصبحت الآن 400 جنيه.

وبالطبع لا يعلم الدكتور خالد أن الرقم سيرتفع قريبا إلى الوقود 520 جنيها بعد الزيادة المرتقبة.

وفقاً لما قاله المسؤول بوزارة المالية لـ”عربي بوست”، الذي رفض كشف هويته، فإن لتر بنزين 92 سيرتفع من 5 إلى 6.5 جنيه.

أي أن الدكتور خالد سيُنفق 520 جنيهاً أسبوعياً، أي أكثر من 2000 جنيه شهرياً.

إذا كان معدل استهلاك الوقود 200 كيلومتر لكل 20 لتراً (وهو معدل اقتصادي للغاية)، لتسير نحو 20 كيلومتراً يومياً ذهاباً وعودة من العمل إلى المنزل، إضافة إلى رحلة طويلة في عطلة نهاية الأسبوع يسير خلالها 80 كيلومتراً، فإن صاحبها في هذه الحالة سيستهلك في المتوسط نحو  40 لتراً أسبوعياً. ستكون تكلفتها نحو 260 جنيهاً أسبوعياً، أي 1040 جنيهاً شهرياً، أو عليه أن يفكر في التحول للمترو.

إنها خطة التقشف التي اشترطها صندوق النقد من أجل إقراض مصر

طوال عقود طويلة كان الاقتراب من الدعم أمراً حساساً بالنسبة لأي رئيس مصري، كونه يتماس مع أمور أساسية في حياة المواطن البسيط، وكان الرؤساء السابقون يقلقون من رد فعل الجماهير، خاصة بعد ما عُرف بانتفاضة الخبز عام 1977.

لكن يبدو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي أكثر حسما في ملف إلغاء الدعم. وقد قلصت الحكومة الدعم 3 مرات منذ 2014 وحتى 2017. وأعلنت مؤخراً أنها بصدد تقليصه مجدداً تمهيداً لرفعه نهائياً.

ويشمل الدعم كذلك الكهرباء وسلعاً غذائية رئيسية كالزيت والخبز. ولكن يظل لرفع أسعار الوقود ثقل خاص، لأنه يؤثر على السلع الأخرى.

ورفعت مصر أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 78% في عام 2014، لتخفيف الضغط عن العجز المتزايد في الموازنة. ثم رفعته مرتين بعد تحرير سعر صرف الجنيه. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، زاد سعر الوقود بنسبة 30 إلى 43%، وفي يونيو/حزيران 2017، وصلت الزيادة إلى 100% في بعض المنتجات.

هذه الخطوات جاءت في إطار إجراءات التقشف التي تبنّتها مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، قيمته 12 مليار دولار، على مدى 3 سنوات.

وفعلياً نتيجة هذه الزيادات المتتالية تضاعفت أسعار الوقود خلال السنوات الأربع الماضية.

فقد كان سعر البنزين 92 أوكتين 185 قرشاً عام 2014، ويبلغ الآن بعد الزيادات المتعددة 5 جنيهات، أي تضاعف ما يقرب من ثلاث مرات. بينما تضاعف البنزين 80 أوكتين الأقل جودة، والمستخدَم من قبل الطبقات الأفقر بنسبة تزيد عن ثلاث مرات خلال الفترة ذاتها، مرتفعاً من 90 قرشاً إلى 365 قرشاً.

كما زاد سعر لتر السولار من 110 قروش في 2014 إلى 365 قرشاً (بزيادة تفوق الثلاث مرات أيضاً). وزاد سعر المتر المكعب من غاز السيارات خمسة أضعاف، من 40 قرشاً إلى جنيهين.

والخطة ترفع الدعم تدريجيا حتى يتم إلغاؤه نهائياً

يلتهم الدعم ربع الإنفاق الحكومي، لهذا السبب تسعى الحكومة لخفض الدعم الموجه للأغذية والطاقة، أملاً في إنعاش الاقتصاد المتضرر وتقليل العجز في الموازنة.

ويقول المسؤول بوزارة المالية لـ”عربي بوست”، إن إنتاج لتر البنزين 92 في ظل أسعار النفط الحالية (72 دولاراً للبرميل)، تصل تكلفته إلى 8 جنيهات، بينما هو يباع حالياً بـ5 جنيهات فقط، وهذا يعني أن الدولة ما زالت تدعمه للمواطن بثلاثة جنيهات.

كما أن لتر (بنزين 80) يتكلف نحو 780 قرشاً، ويباع بـ365 قرشاً، أي أن الدولة ما زالت تدعمه بنحو 4 جنيهات.

وتستهدف مصر خفض دعم الوقود تدريجياً حتى إلغائه بشكل نهائي، وفقاً للبرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، وتنتظر الحصول على الشريحة الرابعة بقيمة 2 مليار دولار، في يونيو/حزيران 2018.

وكان مؤشر “ناميبو” لقياس دخل المواطنين أشار العام الماضي، إلى أن متوسط الدخل الشهري في مصر لا يتجاوز الــ164 دولاراً.

ورغم آثار موجات الغلاء على المواطنين، فإن الحكومة تبدو ماضية في خطتها لتخفيض الدعم، كما ظهر من الوثيقة الحكومية التي

أطلعت عليها رويترز مؤخراً، والتي تفيد بأن القاهرة تستهدف خفض دعم المواد البترولية بنحو 26%، ودعم الكهرباء 47% في مشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2018-2019.

اللافت في الوثيقة كذلك أن الخطة تستهدف زيادة الدعم على السلع التموينية بنحو 5%، في محاولة على ما يبدو لتخفيف آثار الزيادة المتوقعة في الأسعار.

موعد الزيادات الجديدة في الأسعار “قرار سيادي” لا أحد يعرف موعده

تثور التكهنات حول حجم موعد الزيادة المرتقبة، وبعض هذه التكهنات تربطها  بموعد بدء الولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسي، في يوليو/تموز 2018.

لا أحد يمكنه الحديث عن موعد أو حجم هذه الزيادات؛ لأن هذا الحديث سيثير مخاوف الشارع، وربما يسبب أزمة جراء التسارع لتخزين الوقود.

هكذا فسّر الدكتور حسام عرفات، رئيس غرفة الصناعات البترولية، أسباب عدم الإعلان عن موعد الزيادة.

وأضاف عرفات لـ”عربي بوست” هذه قرارات سيادية بحتة، ولا يمكن لأحد الخوض فيها ما لم تعلنها الحكومة بنفسها”.

كما يرى الخبير الاقتصادي ومستشار صندوق النقد الدولي السابق الدكتور فخري الفقي، أن موعد وحجم الزيادة المقبلة قرار سياسي ولا يمكن حسمه، لأنه يتعلق بتقارير ودراسات.

وقال الفقي لـ”عربي بوست” إن “صندوق النقد يمنح الحكومة وقتاً تتحرك فيه، من يوليو/تموز 2018، وحتى ديسمبر/كانون الثاني من العام ذاته، وبالتالي تحديد موعد الزيادة بيد الرئيس بناء على ما تطرحه عليه الحكومة”.

لكن المسؤول بوزارة المالية الذي تحدث معه “عربي بوست”، قال إن الزيادة ستكون غالباً في يوليو/تموز 2018، وبحدود 20% في المتوسط (أي أقل في النسبة من الزيادة السابقة).

وأضاف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أن الدولة أعدت الموازنة الجديدة، لكنها لن تقرها إلا بعد التفاهم مع بعثة صندوق النقد التي ستزور مصر في يونيو/حزيران. ولفت إلى أن الصندوق على علم بالموازنة، لأن له مندوباً دائماً في البنك المركزي.

والحكومة تقول إنها تستخدم فارق الأسعار لزيادة المرتبات ودعم التموين

سيكون هناك تضخم وزيادة في كل الأسعار، لأن تكلفة نقل البضائع ستزيد، فضلاً عن زيادة تكلفة نقل الركاب، هذه أبرز الآثار السلبية التي يتوقعها الفقي للقرار.

ولكن هناك جوانب إيجابية يمكن تحقيقها، حسب مستشار صندوق النقد السابق، إذ سيقلل ذلك من استفادة الأثرياء والأجانب وموظفي السفارات وغيرهم من دعم البنزين”.

كما لفت إلى أن الحكومة حصلت من الزيادة الأخيرة على 50 مليار جنيه، قامت بتوزيعها في شكل زيادة مرتبات الموظفين (10%) وزيادة معاشات المتقاعدين (15%)، وأيضاً زيادة معاش الضمان الاجتماعي، ورفع الدعم السلعي المتمثل في البطاقة الذكية.

هذه الـ50 ملياراً التي جمعتها الحكومة من خفض دعم الوقود كان يستفيد بها أصحاب الدخول العالية بنسبة الثلثين (36 ملياراً)، في حين كان يذهب للمواطن البسيط النسبة المتبقية فقط، وهذا يمثل جزءاً من العدالة الاجتماعية، بحسب الفقي.

الإعلان عن رفع الأسعار سيصدر مع قرارات أخرى “تخفف” على المواطن

بصفة عامة تستطيع الحكومة تعويض فئات معينة مثل الموظفين (7 ملايين يعولون 23 مليوناً) أو المتقاعدين (9 ملايين يعولون 27 مليوناً) أو مستحقي معاش الضمان (مليونان يعولون 4 ملايين)، حسب الفقي.

لكن المشكلة الحقيقية من وجهة نظره في رفع أسعار الوقود هي أن نحو 17 مليوناً يمثلون العاملين في القطاع الخاص غير الحكومي وذويهم، يصعب تعويضهم.

وبالفعل، قد يعلن السيسي حزمة قرارات جديدة لحماية المواطنين من آثار القرار المرتقب قبل إقراره، حسب ما قاله مسؤول وزارة المالية لـ”عربي بوست”.

ويبدو أن هذه القرارات ستركز على الفئات التي تحدث عنها الفقي، إذ قد يقرر السيسي زيادات جديدة للرواتب والمعاشات والضمان الاجتماعي، وفقاً لهذا المسؤول.

ويرى الفقي أن رفع الدعم، وإن كانت له آثاره الجيدة مستقبلاً، فإن الحكومة مطالبة بإيجاد حل لـ17 مليوناً يتحملون الجزءَ الأكبر من الفاتورة، فضلاً عن ضرورة استبدال الدعم شبه النقدي (البطاقة الذكية) بآخر نقدي، لافتاً إلى تقارير حكومية أثبتت أن البطاقة الذكية يتم التلاعب بها، على نحو يجعل 30% من قيمة الدعم تذهب للأغنياء.

ورأى الفقي إلى أن الحكومة لا تستطيع إلغاء الدعم نهائياً في المستقبل القريب، مؤكداً أن الأمر سيتم على مراحل حتى عام 2021.

أما بالنسبة للشاب مصطفى السيد الذي يتنقل يومياً من فيصل لمدينة نصر، فالإصلاحات المالية التي تنفذها الحكومة المصرية وتؤكد أنها ضرورية، لا تعني بالنسبة له إلا زيادة  في أعبائه المالية المثقلة أصلاً، دون أن يلمس تغييراً أو تحسناً في وسائل النقل.

فهو من الـ17 مليوناً الذين تحدث عنهم الفقي، الذين يتحملون الجزء الأكبر من فاتورة الإصلاح.

 

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى