أكبر معمّرة ليبية رحلت وهي تحلم بالعودة
رغم أنها أكبر معمرة في ليبيا، كانت الحاجة عيدة عبد السلام مسعود نوح التي أكملت العام الثامن بعد المئة، تحلم بأن تستعيد أيام الصبا والشباب من خلال تحقيق حلم العودة إلى مسقط رأسها مدينة تاورغاء، وبأن تسترجع دفء الأسرة في المسكن المتواضع الذي هُجرت منه يوم 11 أغسطس 2011، عندما هاجمت ميلشيات مصراتة أحياء تاورغاء، وقامت بتهجير أكثر من 40 ألفاً من سكانها، كما دمرت البنية التحتية، ونهبت الممتلكات العامة والخاصة.
أقاربها قالوا إنها اضطرت لمغادرة منزلها سيراً على الأقدام تحت لهيب شمس صيفية حارقة وهي فاقدة للبصر، وكان ذلك يوم السابع عشر من رمضان، لتصل إلى بلدة الهيشة التي تبعد عن تاورغاء مسافة 70 كلم، ومن هناك تم تهجيرها من قبل الميلشيات إلى الجفرة، حيث قضت يومين، ومنها إلى مدينة ترهونة التي بقيت فيها ثلاثة أشهر، ثم إلى العاصمة طرابلس حيث أقامت ثلاثة أيام، ومنها إلى بنغازي، شرقي البلاد، حيث قضت أربع سنوات في منطقة حليس الشعبية.
وعندما دشّن الجيش الوطني الليبي عملية الكرامة ضد الجماعات الإرهابية في مايو 2014، غادرت الحاجة عيدة إلى مدينة المرج التي تقع على بعد 94 كلم شرق مدينة بنغازي، وأقامت صحبة بعض أفراد أسرتها في إحدى المدارس الابتدائية.
عيش ومعايشة
وتعتبر الحاجة عيدة أكبر معمرة في ليبيا، حيث ولدت في العام 1909، وكُتب لها أن تعيش كل الأحداث الكبرى في بلادها خلال القرن العشرين، ومنها الاحتلال الإيطالي، والمقاومة الشعبية، وإعدام عمر المحتار، واستقلال البلاد، وتوحيدها تحت راية الملكية، ثم وصول القذافي إلى الحكم في 1969، والإطاحة بنظامه في 2011، وتهجير سكان مدينتها بعد اتهامهم بالولاء للنظام السابق.
ونقل أحد أقربائها عنها، أن الحاجة عيدة تعرّضت للتهجير من تاورغاء ثلاث مرات في حياتها، اثنتان في عهد الاحتلال الإيطالي، والثالثة في صيف 2011.
وعندما علمت بأن اتفاقاً حصل تحت رعاية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، يقضي بعودة المهجرين إلى مدينة تاورغاء في الأول من فبراير الجاري، طلبت من أقربائها أن تكون في مقدمة العائدين، حيث صرحت بأن حبة تمر من نخيل تاورغاء، أفضل من كل ثمار الدنيا، وشربة ماء في تاورغاء تكفيها لتموت براحة وسلام.
وكانت تسأل أحفادها بين ساعة وأخرى عن موعد العودة الذي بات يحتل منامها وقيامها، وما إن علمت بأن ميليشيات مسلّحة منعت المهجرين من العودة، شعرت العجوز المسنة بحالة انكسار لم تمهلها طويلاً، حيث كان الموت أسبق من لحظة تحقيق حلم العودة إلى مسقط الرأس ومهد الصبا وموطن الشباب والكهولة والشيخوخة.
رحلت الحاجة عيدة، تاركة وراءها 47 حفيداً وحفيدة من أربعة أولاد وثلاث بنات، وقد بكاها كل من سمع قصتها من أبناء تاورغاء، ومن عموم الليبيين الذين لا يزالون يواجهون مأساتهم الكبرى تحت وطأة الشتات والحزن والخوف والحاجة منذ العام 2011.