فنون

ما لا تعرفه عن الفنان أبوبكر سالم

الفنان أبو بكر سالم بن زين بن حسين بلفقيه، الذي رحل اليوم الأحد بعد صراع مع المرض، ولد في 17 مارس 1939، وأمضى 60 عاماً من عمره مخلصاً لفنه وأستاذاً لأجيال حاولت السير على خطاه واقتفاء أثر الجواب والقرار في حنجرته الذهبية، روح الفنان نشأت في داخله منذ صغره، كيف لا وهو كتب أول نص غنائي في الـ17 من عمره بعنوان “يا ورد محلا جمالك”، ولم تستغرب عائلته أن الطفل اليتيم الذي توفي والده وهو في الـ8 أشهر من عمره أن يظهر نبوغاً في سن مبكرة، لا سيما أنه نشأ في بيئة مثقفة تقدر العلم والعلماء في مدينة تريم بحضرموت جنوب اليمن، والتي لازالت تحتفظ بمكانتها العلمية إلى يومنا الحاضر، ثم انتقل إلى مكة وعاش فيها فترة من بدايات عمره ثم عاد إلى تريم من جديد، أمه كأنها تشعر أن صوت ابنها سيكون أغلى وألذ من العسل الحضرمي، لذا لم تقف في طريقه أو تتصدى لمحاولاته، وكانت تزهو وتماري به كلما شنّف الأسماع بالأناشيد الصوفية.

البدايات
في العشرينات من عمره كان مولعاً بالأدب والثقافة والإنشاد، لذا عمل معلماً للغة العربية لمدة قاربت 3 أعوام، ولأن الفن يسكنه ويجري منه مجرى الدم، حزم حقائبه واتجه إلى عدن التي تعتبر في الخمسينات من القرن الماضي، وجهة الفن والفنانين، حيث شهدت البث الحي لثاني إذاعة في الوطن العربي، وذلك في عام 1954 بعد إذاعة القاهرة، إضافة إلى أحد أهم الأسباب التي دفعت أبو بكر الفتى العشريني لاختيار عدن هو ازدهار الحركة الفنية والثقافية فيها، ووجود مجموعة من أعلام الأغنية العدنية، وعلى رأسهم محمد مرشد ناجي، وصل أبو بكر إلى عدن وهو يتأبط رقاعاً دون عليها كلمات “ياورد محلا جمالك” التي لحنها بنفسه رغم عمره الصغير، واستغل الأبواب المفتوحة للإذاعة التي كانت تتيح الفرصة للفنانين الشباب وسجلها في العام 1956، وانتشى بهذا الإنجاز فرحاً، الأمر الذي دفعه لكتابة أغنية جديدة اسمها “لما ألاقي الحبيب”، وعاد للإذاعة فوفرت له الإمكانيات أكثر من ذي قبل، بعدها بدأ يسري صوت الفنان الشاب عبر الأثير، رغم قصر مدة البث في البدايات.

المرشدي قدمه في حفلة
الفنان محمد مرشد ناجي الملقب بـ”المرشدي” دعا أبو بكر للغناء لأول مرة أمام الجمهور وذلك في إحدى مناسبات الزواج المقامة في عدن، وعندما تصدى ناجي قائلاً للجمهور:” أقدم لكم لأول مرة الفنان الشاب أبو بكر بلفقيه” لم يكن ليضع رهانه على فنان عابر، باعتبار أنه أحد رواد الأغنية ومن ساهموا في إيصال الأغنية العدنية إلى خارج الحدود، وأبو بكر ما إن قبض بيديه على “الميكرفون” حتى شعر بأنه يمسك بأول فرصة حقيقية أتيحت له للغناء أمام الجمهور، بعد أن حاول بعض الفنانين الدفع به لعمل إيقاعي، دون علم أو دراية منهم أن هذا الشاب يملك موهبة خالدة، ويخبئ بين أضلعه النحيلة نوتة موسيقية ستعيد تشكيل وجدان الناس بعد سنوات قريبة، وغنى أبو بكر سالم تلك الليلة أغنيته اليتيمة التي كتبها ولحنها قبل أن يبلغ العشرينات “ياورد محلى جمالك”، فصفق له الجمهور، ولم يستطع النوم تلك الليلة إلا وقد شرع في كتابة أغان منها :” (خاف ربك)، (يا حبيبي ياخفيف الروح) و(سهران ليلي طويل).

وتلقى نصائح من بعض المقربين منه بتعلم العزف على آلة العود لاسيما أنه يجيد الموروث والموشحات ويحفظ القصائد الفصحى ويكتب الشعر ويلحنه، فاستمع لتلك النصيحة، وطبقها جيداً.

رحلة بيروت
رغم ازدهار الحركة الفنية والثقافية في عدن إلا أن أبو بكر سالم لم يشأ أن يتوقف كثيراً عند مرحلة التأسيس الفني، فـ(عدن) التي لا صوت يعلو فيها فوق أصوات محمد جمعه خان، عوض المسلمي، علي باشراحيل، وأحمد الجراش ومحمد بن شامخ ثم محمد سعد عبدالله، ومحمد مرشد ناجي، إضافة إلى الأوضاع السياسية التي تعيشها عدن، فآثر أن يسافر بفنه إلى وجهة أكثر صخباً من عدن ومن شأنها أن تصل بالأغنية اليمنية إلى أفق أوسع مما هي عليه، فسافر إلى بيروت وذلك عام 1958، وكانت هذه نقطة التحول في حياته التي أشعلت بداخله جذوة الحنين الأبدي إلى مسقط رأسه وفجرت داخله مكامن الإبداع وصقلت شخصيته كفنان، وفي تلك المرحلة أطلق روائعه الغنائية مثل: “24 ساعة” و”متى أنا أشوفك”، والتي كانت من لحنه وكلماته، يقول أبو بكر سالم عن رحلته إلى بيروت:” كان يراودني الحلم بأن أغني الأغنية الحضرمية وخلفي “الأوركسترا” وأن أخرجها من النطاق الضيق الغناء بالعود، والإيقاع فقط، ونجحت في ذلك بين عامي 1960 – 1961″.

وفي مرحلة بيروت قدم تعاونات فنية مثل أغنية “من نظرتك يازين” مع نجاح سلام وأغانٍ مع هيام يونس، وتعلق بلبنان إنساناً وفناً، وظل يتردد بين بيروت وعدن مروراً بجدة إلى أن قرر أن يضع حداً للرحيل والترحال وأن يبدأ مرحلة فنية جديدة في جدة، حصل بعدها بفترة على الجنسية السعودية، وقدم عدداً من الأغاني الوطنية من أشهرها “يا بلادي واصلي”، “يا مسافر على الطايف” وتم تسجيلها في بيروت، وبعدها استقر في العاصمة الرياض.

المحضار.. رفيق دربه
لم يحزن الفنان أبو بكر سالم كما حزن على رفيق دربه الشاعر والملحن حسين أبو بكر المحضار، الذي كان رافداً له منذ البدايات، حتى رحيله عام 2000، وفي كل ظهور إعلامي له يتحدث أبو بكر بوفاء عن المحضار ويخبئ دمعة كبيرة في عينيه عند سرد ثنائية امتدت 35 عاماً.

التقى الاثنان في الولع بـ”الدان الحضرمي”، وقدما مجموعة من الروائع مثل “باشل حبك معي”، “سر حبي فيك غامض”، “كما الريشة” و”خذ من الهاشمي”، ومنذ أول لقاء بينهما في منتصف الستينات في مدينة (الشحر) أخذ أبوبكر بيد المحضار إلى بيروت وجددا مجموعة من الأغاني مثل “يا زارعين العنب”، و”شلون حال الربع”.

وغنى له أيضاً “شلنا يابو جناحين”، “إنت وينك” و”ياسهران”، “عنب في غصونه”، “الكوكب الساري”، وبعد الاستقرار في السعودية جمعتهما “يا سهران سلام” والأغنية الشهيرة “يا ويح نفسي”، واستطاع الثنائي الانفتاح على الأغنية الخليجية وإثراء الحركة الفنية وصناعة حراك جميل امتد لسنوات، يقول أبو بكر سالم: “المحضار فنان لديه إيقاع داخلي في كوامنه”.

وأثناء زيارته لقبر رفيق دربه عام 2003، رفع أبو بكر يديه يدعو له بالرحمة وقال: “أنت حي بداخلنا”.

مرضه
عانى الفنان أبو بكر سالم بلفقيه من مشاكل صحية في الـ10 أعوام الأخيرة، على إثرها أجرى عملية قلب مفتوح في ألمانيا، ثم أدخل إحدى المصحات لفترة امتدت لأشهر، وكان قد رقد لفترات متقطعة في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض لإجراء فحوص طبية.

البيان

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى