غير مصنف

استعادة تجربة غزّة في صنعاء/ خير الله خير الله

يشكو اليمن من انسداد الحلّ السياسي وذلك منذ استيلاء الحوثيين (أنصار الله) على صنعاء وإصرارهم على تحويل المدينة عاصمة للامارة التي أعلنوها مبشّرين بعودة عصر الامامة الى اليمن. كان الانسداد الذي تسبّب به «انصار الله» تغطية لعملية الحاق اليمن كلّه بايران وتحويل البلد الذي منه اصل العرب الى شوكة في خاصرة الخليج العربي ودول شبه الجزيرة العربية. تبدّل المشروع الايراني، في ضوء الضربة التي تعرّض لها، وصار مطلوبا الاكتفاء بالسيطرة على جزء من اليمن، بما في ذلك صنعاء، ووضعها تحت سلطة الحوثيين.

كان الانسداد السياسي، الذي ترافق مع ظهور عجز لدى ما يسمّى «الشرعية» في استيعاب معنى وصول الحوثيين الى صنعاء، مؤشرا الى بداية مرحلة جديدة استطاعت بعدها ايران الإعلان عن انّها باتت تسيطر على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت… وصنعاء.

لم يكن مهمّا ما قاله المسؤولون الايرانيون عن انضواء اليمن تحت المظلة الايرانية بمقدار ما انّ المهمّ كان ممارسات معيّنة من بينها ذهاب وفد حوثي الى طهران في مرحلة ما بعد سقوط صنعاء. وقع الوفد الحوثي في العاصمة الايرانية، باسم اليمن، اتفاقا في شأن رحلات بين صنعاء وطهران بمعدل يزيد على عشر رحلات في الأسبوع لكلّ شركة من شركتي الطيران في البلدين. هل صار اليمن وجهة سياحية للايرانيين او ايران وجهة سياحية لليمنيين؟ ترافق توقيع الوفد الحوثي الاتفاق باسم اليمن مع مناورات عسكرية قام بها «انصار الله» في منطقة محاذية للحدود السعودية. لذلك، لم يكن امام دول الخليج من خيار آخر غير اسقاط المشروع الايراني في اليمن. وهذا ما يفسّر انطلاق «عاصفة الحزم» في مارس من العام 2015، وهي عملية عسكرية لا يمكن فصلها عن الاطار الاقليمي.

تكمن خطورة الحوثيين في قدرتهم على التكيّف والاستفادة من أي ثغرات تحصل. كانت الثغرة الاولى، التي عرفوا من خلالها تحقيق اختراق، الرهان على العداء الذي كان يكنّه الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي للرئيس السابق علي عبدالله صالح. كان افضل تعبير عن هذا العداء إعادة النظر في تركيبة الجيش اليمني، وهي تركيبة كان عبد ربّه يعتقد انّها تجعل من هذه المؤسسة في خدمة علي عبدالله صالح واقربائه والضباط الموالين له. هذا صحيح الى حدّ كبير، لكنّ المشكلة انّ الرئيس الانتقالي ذهب الى ابعد من ذلك بكثير عندما اعتبر ان نصيحة علي عبدالله صالح له بالتصدي للحوثيين في محافظة عمران، أي قبل بلوغهم مداخل صنعاء، تستهدف استخدامه في تصفية حسابات قديمة بينهم وبين الرئيس السابق.

ليس سرّا استفادة الحوثيين من الحساسية الزائدة للرئيس الانتقالي تجاه الرئيس السابق الذي كان يعرف ما الذي سيترتب على الانتهاء من زعماء حاشد (آل الأحمر) في محافظة عمران ثم اللواء 310 الذي كان على رأسه العميد حميد القشيبي والذي كان يحتل مواقع استراتيجية تؤمن حماية للعاصمة. كان يعرف ذلك على الرغم من انّ ولاء اللواء 310 كان لغريمه الفريق علي محسن صالح الذي اصبح نائبا لرئيس الجمهورية.

كذلك، ليس سرّا ان الحوثيين عرفوا كيف التعايش مع علي عبدالله صالح لدى دخولهم صنعاء وسيطرتهم عليها يوم الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 تحت غطاء تظاهرات لانصارهم احتجاجا على إجراءات ذات طابع اقتصادي اتخذتها الحكومة وقتذاك.

تبدو كلّ خطوة يقوم بها الحوثيون مدروسة. طمأنوا الرئيس الانتقالي في البداية ووقعوا معه، بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر، «اتفاق السلم والشراكة» الذي حظي باشادة من الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي يعتبر نفسه، لاسباب إيرانية طبعا، معنيا بشكل مباشر بالملفّ اليمني.

شيئا فشيئا تخلصوا من الرئيس الانتقالي ووضعوه في الإقامة الجبرية. قدّم عبد ربّه استقالته من الرئاسة، لكنّ الحوثيين منعوا مجلس النواب من الاجتماع كي لا يصبح رئيس المجلس يحيى الراعي، بموجب الدستور، رئيسا موقتا للبلاد. والراعي يتمتع بدعم قبلي إضافة الى انّه من حزب «المؤتمر الشعبي العام» الذي يتزعمّه علي عبدالله صالح.

استطاع عبد ربّه منصور في الواحد والعشرين من فبراير من العام 2015 الفرار من صنعاء الى عدن في ظروف غامضة وعاد عن استقالته، فيما بدأ الحوثيون يتراجعون عسكريا في المناطق الجنوبية التي احتلوها وكان من بينها عاصمة الجنوب.

لم تحصل منذ اشهر تغييرات جذرية على الأرض، خصوصا انّ الحوثيين توزعوا وحدهم على جبهات القتال. لم يعد الحوثيون يريدون من القوات التي لا تزال موالية لعلي عبدالله صالح سوى وجود رمزي في هذه الجبهات. اقتنعوا في ما يبدو ان عليهم الانكفاء اكثر على صنعاء ومحيطها والاكتفاء بالسيطرة على مناطق محددة، خصوصا بعدما خسروا ميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب ذي الاهمّية الكبيرة للتجارة العالمية ولحركة المرور في قناة السويس.

كان طبيعياً أن يؤدي انكفاء «انصار الله» الى صدام مع علي عبدالله صالح. لا هو يشبههم ولا هم يشبهونه وذلك على الرغم الدور الذي لعبه في قيام حركتهم تحت تسمية «الشباب المؤمن» في البداية. هم يمثلون «الشرعية الثورية» التي تعني رفض كلّ ما شهده اليمن منذ السادس والعشرين من سبتمبر 1962 تاريخ سقوط النظام الامامي، وهو يمثل تاريخا امتد منذ قيام الجمهورية التي أصبح رئيسها في منتصف العام 1978 وصولا الى الاستقالة في فبراير 2012 نتيجة انقلاب نفّذه الاخوان المسلمون كان احد فصوله البارزة محاولة لاغتياله في الثالث من يونيو 2011.

ليس لدى الحوثيين أي مشروع سياسي او حضاري او اقتصادي. ليس لديهم ما يفاوضون في شأنه، على الرغم من الكلام الذي يؤكده غير سياسي يمني عن توصلهم في اثناء المفاوضات اليمنية – اليمنية في الكويت قبل ما يزيد على سنة الى اتفاق يتضمن بنودا عدة مع المملكة العربية السعودية. فوجئ ممثلو «المؤتمر الشعبي» وقتذاك بقيادي حوثي يدعى محمّد عبد السلام يغادر الكويت الى الرياض ويعود منها بهذا الاتفاق الذي لم تكن له أي ترجمة تذكر على الأرض.

ماذا يبقى امام الحوثيين عمله بعد تقلص المساحة التي يسيطرون عليها عسكرياً وبعد اصرارهم على ان يكونوا القوّة المهيمنة في صنعاء ووضع دوائر ومؤسسات الدولة، او ما بقي منها، تحت سيطرتهم؟

هناك مثل وحيد يستطيعون الاقتداء به هو مثل سيطرة «حماس» على غزّة في منتصف العام 2007 وإخراج «فتح» منها بقوّة الإرهاب والترهيب وسلاح الاغتيالات. هل في استطاعة علي عبدالله صالح القبول بهذا الوضع، خصوصا بعدما تبيّن ان لديه دعما شعبيا كبيرا عبّر عنه مئات آلاف اليمنيين الذين تدفّقوا على صنعاء للمشاركة في تظاهرة يوم الرابع والعشرين من أغسطس الماضي في ذكرى تأسيس «المؤتمر الشعبي».

لجأ «انصار الله» الى سلسلة اعمال ذات طابع استفزازي لتأكيد سيطرتهم الكاملة على صنعاء. شملت تصرفاتهم إقامة حواجز في احياء قريبة من منازل علي عبدالله صالح وافراد عائلته وكبار مساعديه. لم يترددوا في الغدر بضابط هو العقيد خالد الرضي يعتبر من بين المسؤولين عن امن افراد عائلة الرئيس السابق ومن قادة «المؤتمر الشعبي». ليس ما قاموا به، بما في ذلك اغتيالهم غدرا لضابط ينتمي الى عائلة معروفة جيّدا تنتمي الى قبيلة حاشد، سوى تأكيد لرغبتهم في إرهاب المواطنين وتكرار تجربة «حماس» في غزّة، وهي تجربة لا يريدون الاقتناع بانهّا فاشلة أصلا ولا مستقبل لها.

الأكيد ان اليوم الذي سيتعرّضون فيه لعلي عبدالله صالح ليس بعيدا. الّا ان ذلك لا يمنع طرح سؤال في غاية البساطة. هل تدعهم القبائل المقيمة في محيط صنعاء القيام بما قامت به «حماس» في غزّة؟ هل انتهى دور هذه القبائل مساء تظاهرة الرابع والعشرين من أغسطس عندما خرج رجالها من العاصمة مباشرة بعد التظاهرة؟

ترك المشاركون في التظاهرة الحوثيين يقيمون مزيدا من الحواجز في المدينة، كي يقولوا اننا لن نقبل أي تقاسم للسلطة او مشاركة فيها وان يوم تصفية الحسابات القديمة مع علي عبدالله صالح ليس بعيدا. سيتوقف الكثير على موقف القبائل المحيطة بصنعاء. سيتبيّن قريبا هل تدجين آل الأحمر، زعماء حاشد في محافظة عمران، كان ايضا تدجيناً حوثيا لكلّ قبائل اليمن في الشمال.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى