بعين المتنبي..السمينة أجمل!!
على الرغم من اختلاف النقاد حول وجود قصائد غزل للمتنبّي، أو اختلافهم على موقف ونظرة المتنبي حيال #المرأة، إلا أن إحدى قصائده الشهيرة، تكشف رسمه لملامح المرأة التي يراها جميلة، متنقلاً من #الحواجب و#الوجه إلى #الوركين حتى يصل إلى أسفل الساق في منطقة “العرقوب” وهي المنطقة التي تعلو كعب القدم من الخلْف.
فقد حدّد المتنبي في قصيدة مدح فيها “كافور” سنة 346 هجرية، مواصفات المرأة الأجمل، ومنتقداً في الوقت نفسه، ولع #النساء في عصره، بتصنّع الجَمال وإبراز مفاتن صنِعت صناعة ولم تكن على طبيعتها.
يقول في قصيدته التي كتبها في “كافور”: (ما أوجه الحَضَر المستحسنات به كأوجه البدويات الرعابيب). ويتّفق العكبري والواحدي، وهما من شرّاح شعره، على شرح “الرعابيب” بأنها جمع لكلمة “رعبوبة” وتعني “المرأة الممتلئة البيضاء” كما يحدد العكبري، وتعني “المرأة السمينة” بشرح الواحدي.
وإذا كان المتنبي بدأ بتفضيل المرأة “الممتلئة البيضاء” أو “السمينة” فإنه يواصل شرح أسباب هذا التفضيل بقوله مباشرةً: “حُسنُ الحضارة مجلوبٌ بتطريةٍ وفي البداوة حسنٌ غير مجلوبِ”. والقصد من “التطرية” هي معالجات البشرة بمختلف أنواعها وأزمانها والتي توضع لإحداث فارق في اللون والأثر، وهي جزء من “المكياج”. وبهذا يصبح الحُسْن غير المجلوب، أي غير الخاضع للمعالجات، هو تتمة مواصفات المرأة التي يراها المتنبي أجمل من سواها.
إلا أن نظرة المتنبي إلى تفاصيل المرأة الأجمل، تصل أيضاً إلى طريقة النساء في النطق والتكلّم، إذ يراه متممة لجمالهن الجسدي: “أَفدي ظِباء فلاةٍ ما عرفن بها مضغَ الكلامِ ولا صبغَ الحواجيبِ”. يقول العكبري إن المتنبّي قصد بالظباء، نساءَ العرب بأنهن “فصيحات” ولا يمضغن الكلام في حال نطقه. بالإضافة إلى أنه حدّد رفضه لقيام النساء بصباغة حواجبهنّ، كما يورد جازماً في البيت الشعري الأخير. وبذلك يكون المتنبي قد أضاف مواصفة أخرى للمرأة الجميلة، بنظره.
وعلى غير عادته، يبدو المتنبي في تحديده لمواصفات جسد المرأة الأجمل، بأنه ينظر إلى تفاصيله الدقيقة، من القدم إلى الوركين: “ولا برزن من الحَمّام مائلة أوراكُهنّ صقيلاتِ العراقيبِ”. ويقول العكبري إن المتنبي في هذا البيت يريد القول عن النساء “إن حسنهن بغير تطرية ولا تصنّع ولا دخول حمّام، بل هو خلْقة فيهنّ”. وذلك بعد أن يشرح العرقوب على أنه “ما يكون عند الكعب”. وهي المنطقة التي تخضع لنوعية من المعالجات تجعلها أكثر نعومة وطراوة.
وما تجب الإشارة إليه، أن اتفاق بعض الشراح على مسألة الجمال المتصنّع الذي ينتقده المتنبي، لا ينطبق على قوله “ولا برزن من الحمّام مائلة أوراكُهنّ”. لأن الميلان المذكور لا يتأثر بمعالجات و”تطرية”، بل قد يكون إظهاراً متعمّداً لانحنائه، عبر ارتداء لباس لصيق أو عبر المشية وطريقة نقل الخطوات. وأراد المتنبي من تلك الإشارة القول إن جسد المرأة الجميلة بغنى عن تعمّد إظهار ميلان وركيها للتعبير عن فتنتها.
وبعد أن سرد المتنبي نظرته للمرأة الأجمل من الوجه والحاجبين، مرورا بالجسد الممتلئ أو السمين، وانتهاءً بالوركين والكعب. يُجمل نظرته ويكثّفها أكثر، عبر مفردة ذكية ومفتاحية هي “التمويه” تختصر المعنى الذي يريده في “بساطة” المرأة وعفويتها وعدم خضوعها لمعالجات تجميلية معينة، فيقول: “ومِن هوى كلِّ من ليست مُمَوِّهةً تركتُ لونَ مشيبي غير مخضوبِ”. ويشرحه العكبري بقوله: “من حبّي كل امرأة حسنها بغير تصنّع ولا تكلّف لم أخضب شعري”. ويضيف: “هُنَّ لم يموِّهن، فأنا كذلك لم أموِّه!”.
وهكذا تكون المرأة جميلة بعين المتنبي، أولاً، إذا كانت ممتلئة الجسم أو سمينة. وثانيا، إذا كان حُسنها طبيعياً غير مجلوب. وثالثاً، إذا كانت فصيحة تنطق الكلمات بمخارجها التّامة. ورابعاً، إذا كانت لا تستعمل المساحيق لإبراز جمال الوجه. وخامساً، أن لا تتصنّع المشية اللافتة لإظهار ميلان وركيها، وإظهار كعبها “المصقول المنعّم” بعد خروجها من الحمّام، مفضلاً مواصفاته الطبيعية بدون مؤثر خارجي. انتهاء بالطلب منها أن لا تكون “مموِّهةً” لشكلها الخارجي، أي أن تكون كما هي.
قد تكون المواصفات التي ذكرها المتنبي في جسد المرأة وحسنها، تعجيزية أو صادمة، برأي البعض، خصوصاً، بعدما حدّد “المرأة السمينة أو ممتلئة الجسم” كنموذج للجسد الأجمل. إلا أنه لا بدّ قد مثّل أملاً ما لبعضهن، بعد سنوات طويلة من التجاهل!
العربية