العرب تريند

هدم إحدى أقدم دور السينما في الأردن… أسسها لاجئ فلسطيني

قرر مالك مبنى “سينما سلوى” في محافظة الزرقاء شمال شرقي العاصمة الأردنية عمّان، هدم المبنى الذي عملت فيه أقدم سينما في محافظة الزرقاء، والتي شيدها عام 1955 أحد اللاجئين الفلسطينيين، لتكون مشروعا اقتصاديا له، ولنشر ثقافة السينما في المحافظة.

وقال مصدر مسؤول في بلدية الزرقاء لـ”العربي الجديد” إن مالك المبنى قرر إزالته بعد أن أخذ الموافقات من الدفاع المدني والبلدية ووزارة الأشغال، كونه أصبح آيلا للسقوط ويهدد حياة المارة في شارع الجيش، وللحفاظ على السلامة العامة.

وأكد أن المبنى مهجور منذ أكثر من 20 عاما، وأصبح موقعا للمتسكعين والمشردين، وتنتشر فيه القوارض والحشرات والجرذان، من دون وجود اهتمام أو متابعه له، حيث قرر مالكه هدمه لاستغلال قطعة الأرض في مشروع مجدٍ.

وقالت ابنة مؤسس السينما، الدكتورة عايدة النجار لـ”العربي الجديد” إن والدها علي اسماعيل النجار هو صاحب السينما التي بنيت في الخمسينيات بعد النكبة في فلسطين، لتكون مشروعا اقتصاديا ناجحا له وللأسرة، وأكدت أن الفكرة بنيت على هدف نبيل ولم تستمر لأسباب صحية.

وشكلت شاشات دور السينما التي يعود ظهورها في الزرقاء إلى أواسط القرن الماضي، أولى نوافذ أهل المدينة على العالم، في وقت لم يكن التلفزيون منتشرا، واقتصرت وسائل الاتصال على الراديو بالبطارية وعدد محدود من الجرائد والمجلات.

وشهدت دور السينما في الزرقاء عصرا ذهبيا امتد من الأربعينيات، إلّا أنها بدأت تضمحل تدريجيا بعدها حتى اختفت نهائيا منذ مطالع التسعينيات. وكانت “سينما الحمراء” أولى الدور وأقامها في نهاية الأربعينيات شكري العموري، وبعدها أنشأ اسكندر البنا سينما “ركس” بداية الخمسينيات، وتبعه زكريا الطاهر بافتتاح سينما “النصر”، ثم جاءت “سلوى” في منتصف الخمسينيات على يد علي النجار.

وفي عام 1967 بنى الإخوان ميشال وسليمان صقلي دار سينما “الحسين”، والتي لم تكتمل إلّا أواخر عام 68 بسبب نكسة فلسطين، ثم قام سليم العقيل الحبايبة ومنير البنا بإنشاء سينما “فلسطين”. وأوائل السبعينيات هُدمت سينما “ركس” وبنى أصحابها بدلا منها “سينما زهران” و”استوديو زهران”.

ومع انتشار التلفزيون، ثم أجهزة عرض الفيديو المنزلي، وصولا إلى أقراص الكمبيوتر المضغوطة “السي دي”، أخذ نجم هذه الدور يخمد تدريجيا، وتراجعت أعداد الرواد الذين كانوا من العائلات والشباب على السواء.

وفي مسعى يائس راح بعضها يعرض أفلاما إباحية لجذب الشباب تداركا للخسائر، لكن ذلك لم يأت بالنتيجة المرجوة، بل على العكس، جعل هذه الدور تتحول إلى بؤر للمنحرفين، ما زاد في عزوف الناس عنها، فانهارت وأغلقت أبوابها تباعا.

وسينما “سلوى” في مدينة الزرقاء لا يعرفها شباب هذه الأيام، ولكن يعرفها كل من سكن المدينة منذ الخمسينيات عندما كانت الزرقاء مدينة العسكر والعمال، وكان الذهاب للسينما عادة اجتماعية أسبوعية للأفراد والعائلات.

وقال نبيل عماري أحد أهالي محافظة الزرقاء، من الأفلام التي كانت تعرض في سينما “سلوى” وما زال يتذكرها، عرض لاسماعيل ياسين وفريد الأطرش وعبد الحليم، وأفلام عالمية مثل “جسر نهر كواي، مرتفعات وذرينغ، ذهب مع الريح”، وأفلام هندية مثل “سنجام” وكذا أفلام فيروز “بياع الخواتم، وسفربرلك، وبنت الحارس”، وأفلام الكاوبوي لجوليانو جيما.

وتابع “بعدها انتشرت افلام السبعينيات مثل “العراب، والفك، وطارد الأرواح” ومن ثم انتشرت أفلام الكراتيه، وكان جميع أهالي المحافظة يتابعونها”، وأشار إلى أن للأطفال نصيبا من حضور السينما، حيث كانت العائلات تصطحبهم في تمام الساعة الثالثة عصرًا وهو الوقت المحدد لهم.

وقال الدكتور مخلد الزيودي: “إن سينما “سلوى” وغيرها من دور العرض في مدينة الزرقاء، شاهد على مرحلة من مراحل التنوير في المحافظة، هدمت اليوم على مرأى منا جميعا من دون أن نحرك ساكنا، ولم يكن لوزارة الثقافة وبلدية الزرقاء أن تستملكها وترممها لتصبح مراكز ثقافية لنشر الوعي”.

وأشار الناشط محمد الزواهرة أحد ابناء محافظة الزرقاء بحديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن سينما سلوى بعد 60 عاما تم هدمها بالكامل، فلا يوجد زرقاوي إلا ويدرك حجم تراجع المشهد الثقافي والفني في المدينة، حيث كان في المدينة 6 دور سينما أغلقت جميعها، كما تم إغلاق “دار القلم”.

وأضاف الزواهرة: “كان لدينا حركة ثقافية ودور للكتابة والرسم وفنانون وممثلون ورياضيون أغلبهم تم تصديرهم للعاصمة عمّان ، وكان لدينا قيادات مجتمعية ذهبت مع الأيام، هناك حالة من الفراغ الثقافي والسياسي والمجتمعي في المدينة ولا بد من بروز طبقة جديدة من جيل جديد! لتدب الحياة من جديد في مدينة العسكر والجند فسيفساء الأردن وخزان البلاد”.

ومع انتشار الإنترنت ودور السينما الفارهة في العاصمة عمان، لم يتبق في المدينة أية دار للسينما، وبيع بعضها وتحول لمولات تجارية والبعض الآخر ينتظر مشتريا له، وحتى الرجال الذين عاصروا سينما “سلوى، النصر، والحمرا” لم يتبق منهم سوى القليل، وذاكرتهم ربما تحتفظ بجزء من الذكريات عن دور السينما تلك.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى