مصر

رشاوى لقبول التلاميذ في مدارس مصر

“عايز تدخل المدرسة إدفع تبرعات”، شعار رفعته المدارس الحكومية والخاصة في مصر، ويتولّى مسؤولو الإدارات فيها ابتزاز أولياء الأمور ماديّاً، في مقابل دخول أبنائهم إلى المدارس، سواء الابتدائي الأول في المدارس الحكومية أو رياض الأطفال في المدارس التجريبية الحكومية التي تشهد إقبالاً كبيراً. الأمر نفسه ينسحب على المدارس الخاصة. ومَن يرفض، يُرفَض أبناؤه بحجج كثيرة، منها كثافة التلاميذ.

ووفقاً لشهادات أولياء أمور تحدثوا إلى “العربي الجديد”، تراوح التبرعات ما بين 1000 جنيه (نحو 56 دولاراً)، و3000 جنيه (نحو 167 دولاراً)، بحسب المدرسة والمنطقة الموجودة فيها. وربّما يرتفع المبلغ في الأحياء الراقية.

من جهة أخرى، هناك تبرعات عينيّة يقدّمها بعض الآباء إلى تلك المدارس، في مقابل دخول أولادهم إليها، مثل شراء مقاعد أو مياه أو مراوح أو إحضار أوراق ومستلزمات مكتبية أو كراس أو أجهزة كمبيوتر أو ماكينات تصوير. وفي أحيان أخرى، يتولون إصلاح أبواب وشبابيك. كما يواجه الأهالي مشاكل كثيرة في حال نقل أولادهم من مدرسة إلى أخرى.

يقول مسؤول في وزارة التعليم المصرية: “آلاف الاستغاثات تصل يومياً إلى مبنى وزارة التربية والتعليم، لإنقاذهم من هذا الوحل والتبرعات الإجبارية المفروضة عليهم من قبل مسؤولي المدارس، على الرغم من عدم وجود أي قرارات. وتحيل الوزارة البلاغات إلى المحافظات لحلها، وتحذر من جمع التبرعات، لكن من دون جدوى”. ويخشى الأهالي من بدء العام الدراسي من دون أن تكون لأولادهم مقاعد في المدارس. هكذا، بات شعار “مجانية التعليم” الذي تتغنّى به الحكومة “أكذوبة” في ظل التمادي في فرض الإتاوات.

ويضطر آلاف الأهالي إلى دفع رشاوى وإتاوات وشراء احتياجات المدارس من أجل تأمين مقاعد لأولادهم قبل بدء العام الدراسي. وهناك من يلجأ إلى “الوساطة والمحسوبية”، ويذهب بعض أولياء الأمور بأولادهم إلى مدارس أخرى، ربما تكون بعيدة عن محل إقامتهم، خشية ضياع العام الدراسي. ويتفق أولياء الأمور على عدم وجوب نقل أبنائهم إلى المدارس البعيدة والاستعانة بمدرسين خصوصيين، ودفع رشاوى مباشرة أو غير مباشرة، خصوصاً أن هذه مجتمعة تزيد من الضغوط الاقتصادية على الأهل.

ويرى خبراء في مجال التعليم أن مشكلة القبول في المدارس تتكرر كل عام قبل بدء العام الدراسي في نهاية سبتمبر/ أيلول، نتيجة زيادة عدد التلاميذ وقلة المدارس. ويؤكد الخبير التربوي كمال مغيث، أنه على الرغم من تحديد شروط لقبول التلاميذ في المرحلة الابتدائية، إلا أن أزمة فرض “الإتاوات” مستمرة، بل تزداد عاماً بعد عام بسبب زيادة الفساد. ويشدّد على ضرورة مواجهة الظاهرة التي استفحلت في المدارس، وقد باتت خطيرة.

يضيف مغيث أن فرض الإتاوات يدلّ على عدم اهتمام الدولة بالمدارس وعدم صيانتها داخلياً، والاعتماد على أولياء الأمور، ما يؤدي إلى تدهور التعليم يوماً بعد يوم. يقول: “يجب على الدولة أن تنظر للتعليم نظرة مختلفة وجيدة، وترفع موازنته كونه قاطرة التقدم”. ويشير إلى أن الانتقال من مدرسة إلى أخرى لا يتم بسلاسة، بل “يُنهش” أولياء الأمور مادياً من بعض المسؤولين. يضيف: “نقص المدارس والإمكانيات يعد كارثة تظهر آثارها عاماً بعد عام في ظل صمت حكومي شديد الخطورة”، موضحاً أنّ في الفصل الواحد في المدارس الحكومية نحو 60 تلميذاً، على الرغم من وجود مدارس خاصة.

إلى ذلك، يرى أولياء الأمور أن المدارس أصبحت عبئاً شديداً عليهم. وتقول أميمة السيد: “طلب مني دفع 2000 جنيه (نحو 112 دولاراً) في مقابل دخول إبني مرحلة رياض الأطفال في المدرسة التجريبية الحكومية للغات، بحجة الرغبة في طلاء جدران المدرسة. اضطررت إلى القبول من أجل مصلحة إبني”. أما محمد نبيل، وهو موظّف، فيؤكد أن معاناة أولياء الأمور لا تقتصر على عدم دخول الأبناء إلى المدارس فقط، لكن أيضاً في حال الانتقال إلى مدرسة أخرى نتيجة ظروف الأهل المادية. ويشدد على أن بعض المدارس تضع شروطاً خاصة بها بعيدة عن التعليمات والقواعد.

إحدى النساء، وهي ربة بيت تسكن في محافظة الجيزة، ورفضت ذكر اسمها، تقول إنها قصدت إحدى المدارس الابتدائية، لكنّها أبلغت بعدم وجود مكان لها، وأن المدرسة أخذت كفايتها، ما اضطرها إلى دفع ألف جنيه لأحد الأشخاص داخل المدرسة حتى تتمكن ابنتها من الالتحاق بالصف الأول ابتدائي. أما هدى عبد الفتاح، وهي ربة بيت، فتوضح: “عندما ذهبت إلى إحدى المدارس التجريبية لإلحاق ابنتي، طلبت مني إدارة المدرسة مبلغ 500 جنيه مساعدة لدهان المدرسة، إضافة إلى عدد من مراوح الحائط”.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى