العالم تريند

بلومبيرغ: غزو أوكرانيا والحرب العراقية- الإيرانية يتشابهان كثيرا.. وبوتين ليس صدام حسين

عربي تريند_ نشر موقع “بلومبيرغ نيوز” مقال رأي لليونيد بيرشدسكي، حول المقارنة بين حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وحرب الرئيس العراقي صدام حسين مع إيران قبل أربعة عقود، مضيفا أنه من الصعب تجاهل المقارنة بين الحربين.

وقال إن أهمية الحرب في أوكرانيا بالنسبة للعالم الغربي تكمن وبشكل واسع في الجغرافيا، فهي حرب تدور في أوروبا على مسافة قصيرة من أثرى الدول وأكثر الدول سلمية في العالم.

وتم استحضار عدة دروس من حروب أوروبا الماضية، مثل حرب الشتاء التي شنها الاتحاد السوفييتي على فنلندا، لكنّ حرب بوتين باتت تشبه حربا تم خوضها في بلاد الرافدين البعيدة.

ويقول الكاتب إن أي قارئ لفصل من فصول حياة صدام حسين، يجد أنه لا مهرب من المقارنة مع بوتين.

ففي محاولته لمنع انتشار الثورة الإسلامية في إيران بين الشيعة العراقيين، شنّ صدام حملة قصف وغارات ضد المطارات العسكرية الإيرانية، وبعد ذلك، أرسل الدبابات إلى البلد الجار في أواخر أيلول/ سبتمبر 1980.

أي قارئ لفصل من فصول حياة صدام حسين، يجد أنه لا مهرب من المقارنة  مع بوتين.

وحاول بوتين أيضا تصوير عمليته الخاصة بأنها هجوم وقائي ضد من أسماها “حكومة النازيين الجدد” في كييف، والتي تمثل رأس الحربة في العداء الغربي لروسيا وقريبا من حدودها.

وقال وزير الخارجية العراقي في حينه طارق عزيز، قبل 11 يوما من الغزو: “لا نرغب في تدمير إيران أو إفسادها”. وتشبه أهداف الغزو الروسي لأوكرانيا هذا الخطاب. وفي نهاية عام 2022، قال الرئيس الروسي بوتين إن بلاده لم ترغب أبدا في تدمير أوكرانيا. وتم تبني أهداف صدام حسين في الثمانينات من القرن الماضي، بطريقة غامضة من بوتين في 2022، وتم إخفاء التفاصيل المحددة خلف غطاء من الخطاب القومي.

وفي الوقت الذي قدّم فيه بوتين نفسه كرمز يشبه بيتر العظيم الذي استعاد الأراضي الروسية التاريخية، قدم صدام حسين نفسه بأنه بطل القادسية، وهي المعركة التي هزم فيها سعد بن أبي وقاص الجيوش الفارسية في عام 636. وحتى نبوخذ نصر، الملك البابلي الذي غزا القدس في سنة 587 قبل الميلاد.

ومثل بوتين 2022، استطاع صدام عام 1980 الانتصار في الهجوم المفاجئ على إيران. وكتب مؤرخ حياة صدام، سعيد أبو الريش، أن صدام كان يتوقع نهاية الحرب في أيام معدودة، ويتم التفاوض بعد انهيار المقاومة الإيرانية. وتقدم الجيش العراقي واحتل عددا من البلدات والقرى الإيرانية على جبهة واسعة، وبدا أقوى من جيش الأعداء.

ومثل بوتين، فشل الجيش العراقي في تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية لكي يحقق التفوق الجوي، واتضح أن الجيش العراقي لم يعد قادرا على الاحتفاظ بسيطرته على جبهة طويلة، وزيادة الضغط على الإيرانيين. ومثل بوتين أيضا بعد 42 عاما، أساء صدام تقدير الإرادة القتالية للمتطوعين الإيرانيين المدربين بشكل سيئ، والذين أثبتوا أنهم قادرون على مواجهة جيش محترف.

مثل بوتين، فشل الجيش العراقي في تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية لكي يحقق التفوق الجوي، واتضح أن الجيش العراقي لم يعد قادرا على الاحتفاظ بسيطرته على جبهة طويلة، وزيادة الضغط على الإيرانيين

وكتب إفرايم كارش، وإناري راوستي، سيرة لصدام في عام 1991، حيث جاء فيها أن القوات العراقية وجدت نفسها أمام عملية عسكرية تم التحضير لها على عجل، ووسط أجواء جوية قاسية وعمليات انتحارية، وهو ما أدى إلى فقدانها الهدف. واستغل النظام الثوري الانشقاقات داخل الجيش العراقي، والتخلي عن الأسلحة وأسرى الحرب للتقدم. وهي قصص تبدو مألوفة وسط تجنب أداء الواجب والمعنويات المتدنية لدى الجنود الروس بل حتى الشغب.

وفشل الغزو العراقي لأن صدام حاول قيادة جيشه من “مستوى الفرق إلى ضرب أي هدف تكتيكي وهامشي” حسبما كتب أبو الريش. وكان بوتين منخرطا في التفاصيل العملياتية للغزو، مع أنه لم يخدم في الجيش ولا صدام أيضا.

وفي ربيع 1981، استعاد الإيرانيون مدينة خرم شهر أو المحمرة كما أطلق عليها العراقيون، تماما كما يفعل الروس في استخدام الأسماء السوفييتية للمدن والبلدات الأوكرانية. فباخموت هي أرتيموسفك. وأدت النكسات على الجبهة، لدفع صدام إلى تحصين الحدود، خشية قيام الإيرانيين بهجوم مضاد. وهو أمر يفعله الروس اليوم في  مناطق بيلغورود وكيرسك بعد نجاحات الأوكرانيين في الخريف الماضي.

ومثل بغداد قبل عقود، تبدو موسكو اليوم بعيدة عن الحرب، ولا يشعر سكانها بأن هناك غزوا يجري في أوكرانيا. وكتب كارش وراوتسي: “بدلا من تخصيص كل المصادر للجهود العسكرية، كما فعل الإيرانيون، أراد صدام أن يظهر لشعبه أنه قادر على شن حرب والحفاظ على جو الحياة العادية في الوقت نفسه”.

ورضي العراقيون مثل الروس اليوم بالوضع؛ لأن صدام عوّض العائلات التي فقدت أبناءها في الحرب، وقدم  لها السيارات والأراضي وقروضا بدون فوائد للبناء. وتعطي حكومة بوتين تعويضات كافية لشراء سيارات روسية الصنع.

وتحمّل البلدان سبع سنين من الحرب. وكانت الحرب عبارة عن قتال لاستعادة مناطق صغيرة، واستخدم صدام الأسلحة الكيماوية لضرب المدن الإيرانية مثلما استخدم بوتين الغارات الصاروخية لضرب البنى التحتية المدنية في أوكرانيا.

ويمكن تفسير الصمود من الطرفين من خلال الموقف الأمريكي. فالقوى العظمى لم تمانع من حرب طويلة بين عدوين لدودين، آية الله الخميني والقومي صدام حسين. ومالت نحوه باعتباره علمانيا وأخف الشرّين، ولكنها باعت الأسلحة سرا لإيران من خلال صفقة إيران- كونترا. وفي الحرب الحالية، فقد دعمت أمريكا وحلفاؤها أوكرانيا، لكنها لم تتدخل للدفاع عنها. ومن هنا، فميزان القوة بين المتحاربين متساوٍ، نظرا للقدرات البشرية والعسكرية الروسية.

والحرب مجهدة، بحسب قول الكاتب. فبحلول عام 1987، كان صدام مستعدا لسحب قواته من إيران بناء على قرار مجلس الأمن، لكن لم يكن هذا كافيا لإيران كأوكرانيا اليوم. وبعد سلسلة من النكسات، واستمرار احتلال صدام لبعض الأراضي، وافقت إيران على قرار الأمم المتحدة حسبما كتب أبو الريش، بشكل جعل صدام يخرج أو يزعم الانتصار.

وزاد وزن صدام، وابتسم كثيرا وألقى خطابات، واستقبل الوفود العربية المهنئة، ورقص مرة الرقصة الشعبية “الجوبي” مع الحشود. وتم نسيان خسائر الحرب التي بلغت نحو 360 ألف عراقي وإيراني، وإصابة 700 ألف من الطرفين، وكلفت البلدين 600 مليار دولار.

بالنسبة لصدام وبوتين، فأي نتيجة تؤكد استمرارية صعودهما هي نصر. وربما لن يكون بوتين مستعدا للتخلي عن الأراضي كما فعل صدام

وربما احتفل بوتين بنفس الطريقة، باستثناء الرقص، إذا سُمح له بالحفاظ على أي من الأراضي التي احتلها في أية تسوية. فعندما لا يعلن عن أهداف الحرب، وتختفي الأهداف الأولى، يستطيع الديكتاتوريون لعب دور المنتصر.

وبالنسبة لصدام وبوتين، فأي نتيجة تؤكد استمرارية صعودهما هي نصر. وربما لن يكون بوتين مستعدا للتخلي عن الأراضي كما فعل صدام الذي كان يركز نظره على المغامرة القادمة، احتلال الكويت. وهي المغامرة التي قررت مصيره بعد تدخل أمريكا عسكريا، ليس مباشرة. وعندما قرر بوتين غزو أوكرانيا، أخرج نفسه من صف القيادة الأوروبية وتحول نحو آسيا. وبات يشبه ديكتاتورا من دولة نفطية في الشرق الأوسط. ومثل صدام، فهو معجب بستالين. وكلاهما جاءا من خلفية اجتماعية متواضعة وتطلعا لدور تاريخي، واستخدما القمع والعنف، وأقاما نظاما فاسدا، وأغدقا الأعطيات على أجهزة الأمن والمخابرات.

يقول الكاتب إن صدام كان سينجو بدون قدرات نووية لو لم تتدخل الولايات المتحدة عسكريا. وربما تسامح العراقيون مع حكمه القمعي، بدون مغامرات عسكرية وكوارث أدت لتراجع مستوى الحياة.

وما حققه صدام يظل مستحيلا لبوتين، فدبابات أمريكية تتقدم نحو موسكو كما فعلت في بغداد مستحيلة، حتى لو كان الأوكرانيون يرغبون برؤيتها. والدرس من الحربين هو أن السلام لن يتحقق قريبا.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى