العليان.. شقيقتان سعوديتان تقودان ثروة بـ50 مليار دولار

برز نفوذ عائلة العليان على الساحة العالمية بوصفها إحدى أقوى الإمبراطوريات الاستثمارية السعودية، بقيادة الشقيقتين لبنى وحذام العليان. فبين استثمارات ضخمة في أسواق المال الأميركية ” وول ستريت”، ودور محوري في الاقتصاد السعودي، تحولت المجموعة الاستثمارية إلى لاعب مالي يعمل على نطاق يوازي صناديق الثروة السيادية، مع حضور هادئ وتأثير واسع يتجاوز الأرقام المعلنة.
نفوذ متصاعد وتكتل بحجم صندوق سيادي
نشأت الشقيقتان في فترة لم يكن يُسمح فيها للنساء في السعودية بقيادة السيارة، وكان يطلب منهن الحصول على إذن وليّ أمر حتى لاستخراج جواز سفر. ومع ذلك، تمكنتا من تحويل التكتل العائلي إلى كيان عملاق يعمل بحجم صندوق سيادي. وتسيطر المجموعة على محفظة أسهم في الولايات المتحدة تقارب قيمتها 13 مليار دولار، تشمل حصصًا تقارب مليار دولار في شركة بلاك روك، و1.5 مليار دولار في مصرف جي بي مورغان تشيس الاستثماري، وفقًا للإفصاحات الرسمية.
وكانت المجموعة السعودية مستثمرًا كبيرًا في بنك كريدي سويس السويسري قبل انهياره، كما تمتلك محفظة عقارية متميزة تمتد من شارع ماديسون في نيويورك إلى وسط لندن. وأبرمت صفقة عقارية كبيرة في دبي مع شركة بروكفيلد، إلى جانب استثمارات واسعة في الأسهم الخاصة والدخل الثابت.
وتسيطر المجموعة على محفظة أسهم في الولايات المتحدة تقارب قيمتها 13 مليار دولار، تشمل حصصًا تقارب مليار دولار في بلاك روك، و1.5 مليار دولار في جي بي مورغان تشيس
وفي الداخل السعودي، تدير المجموعة تعبئة كوكاكولا، وتشغّل مطاعم برغر كينغ، وتقدّم خدمات لحقول النفط. حوّلت هذه الاستثمارات عائلة العليان إلى واحدة من أغنى العائلات في العالم، إذ تُقدَّر ثروتها بأكثر من 50 مليار دولار، وفق مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، الذي أدرجها للمرة الأولى ضمن قائمته السنوية. غير أن هذا الرقم لا يعكس الحجم الحقيقي لثروة العائلة، بحسب أشخاص مطّلعين، نظرًا لمحدودية الإفصاح المالي للمجموعة.
وقدّر كثيرون ثروة العليان بأكثر من 100 مليار دولار، ما يضعها في مصاف بيل غيتس وكارلوس سليم وموكيش أمباني. ويجعل ذلك عائلة العليان أكثر ثراءً من الأمير الوليد بن طلال، المعروف بلقب وارن بافيت السعودية. ولا يقتصر نفوذ العائلة على قوتها المالية، بل يمتد أيضًا إلى دورها الوطني، إذ إن ولاءها للمملكة خلال الفترات الصعبة جعل منها ركيزة لا غنى عنها، بحسب مصادر مطّلعة.
وول ستريت تبحث عن المشورة
غالبًا ما يلجأ كبار المسؤولين في وول ستريت إلى العائلة طلبًا للمشورة، في ظل سعيهم للتوسع في اقتصاد ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يُقدَّر حجمه بنحو 1.3 تريليون دولار. وقال ستيفن هيرتوغ، أستاذ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: “لا يزال محمد بن سلمان ينجذب إلى الولايات المتحدة بوصفها الشريك المفضل في مجالي الأمن والتنمية الاقتصادية. ووجود وسطاء من القطاع الخاص يتمتعون بروابط وثيقة مع التمويل الأميركي يُعد أمرًا مفيدًا”.
ولم يعلّق ممثل مجموعة العليان في الولايات المتحدة، ووجّه جميع الطلبات إلى متحدث باسمها في السعودية، الذي لم يرد على قائمة مفصلة من الأسئلة. ويتجنّب معظم التنفيذيين العالميين التحدث عن العائلة خشية إثارة استيائها، إذ تُعرف الشقيقتان بحرصهما الشديد على الخصوصية. ويستند هذا التقرير إلى تحليل استثمارات العائلة وشركاتها التشغيلية والإفصاحات القانونية للكيانات المملوكة لها، إضافة إلى مقابلات مع أكثر من ستة أشخاص مطّلعين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم.
زعماء وول ستريت: جذور النفوذ
وُلدت لبنى وحذام العليان، وكلتاهما في أوائل السبعينيات من العمر، في السعودية لوالدهما سليمان العليان. وكان الأب قد تُوفّي والده في سن مبكرة، وبدأ حياته المهنية موظفَ توجيه في شركة سابقة لأرامكو السعودية، مستفيدًا من إجادته اللغة الإنكليزية. ورهن منزله مقابل 8 آلاف دولار للفوز بعقد مدّ أنابيب، بحسب تقرير نشرته مجلة تايم، قبل أن يؤسس مجموعة العليان عام 1947.
ومنذ ذلك الحين، تنوّعت أنشطة المجموعة على نطاق واسع، إذ عقدت شراكات لتسويق معجون أسنان كولغيت وبسكويت أوريو وكوكاكولا في المملكة. كما استثمر سليمان العليان في الأسهم الأميركية لاستخدامها ضمانات ائتمانية لدى البنوك الأميركية. وبحلول عام 1980، تجاوزت إيرادات المجموعة السنوية 300 مليون دولار، وفق التقرير ذاته.
وقد أسهم التوجه العالمي للأب في بناء إمبراطورية ثنائية الهوية، انغمست فيها ابنتاه منذ وقت مبكر. درست الشقيقتان في الولايات المتحدة، وتولّتا مناصب رفيعة في أعمال العائلة فور عودتهما. وبعد وفاة سليمان العليان عام 2002، عُيّن ابنه خالد رئيسًا لمجموعة العليان، غير أن لبنى وحذام اضطلعتا بإدارة جزء كبير من العمليات.
وتولت لبنى إدارة الأنشطة في الشرق الأوسط، فيما تولت حذام إدارة العليان أميركا. وتزوجت الشقيقتان من أجانب، وتقلدتا أدوارًا بارزة، إذ أصبحت لبنى أول امرأة تُنتخب عضوًا في مجلس إدارة شركة مدرجة في السعودية عام 2004. وفي ذلك الوقت، كانت حقوق النساء في المملكة لا تزال محدودة بشدة، ولم يُسمح لهن بالقيادة إلا في عام 2018.
حضور منخفض.. وتأثير واسع
في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الأميركية (NPR) عام 2018، استذكرت لبنى الصعوبات التي واجهتها في العثور على دورات مياه للنساء داخل المصانع وغرف الاجتماعات، نظرًا لندرة وجود النساء. وبدأت التواصل مع مسؤولين حكوميين ومديرين تنفيذيين للمطالبة بتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، مع الحرص على تجنب المواجهة المباشرة. وقالت في المقابلة: “أنتِ تفاوضين، تتعاملين، تعطين وتأخذين”. وعلى مرّ السنين، اكتسبت الشقيقتان سمعة كمفاوضتين صارمتين. وساعدهما في ذلك الحفاظ على صورة داعمة لأهداف الحكومة.
ويقع المقر الرسمي للمجموعة اليوم في ليختنشتاين، ولها مكاتب في أنحاء العالم، بينها أثينا، حيث يتمتع زوج لبنى، وهو محامٍ، بعلاقات واسعة. واكتسبت العائلة سمعة بإدارة منظمة عالية الاحتراف والانضباط، بمستوى نادر بين الشركات العائلية. وقالت جوزيان فهد صريح، مديرة معهد الشركات العائلية وريادة الأعمال في الجامعة اللبنانية الأميركية: “كانت العائلة واعية جدًا لأهمية إدخال أطر الحوكمة المؤسسية، ونفذت ذلك بمستوى عالٍ من الاحتراف”. وفي مؤشر على نفوذها، لم تتأثر عائلة العليان بحملة الاعتقالات التي شهدتها السعودية عام 2017، والتي طاولت عشرات الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال، بينهم الأمير الوليد بن طلال.
تعثّر استثماري.. من دون اهتزاز الصورة
تبلغ ثروة الأمير الوليد بن طلال نحو 17 مليار دولار حاليًا، وقد حقق عودة جزئية في السنوات الأخيرة مستفيدًا من طفرة البناء في المملكة. وفي تسعينيات القرن الماضي، اشتهر بأسلوب حياة صاخب، وظهر مرارًا على متن يخت خاص اشتراه من دونالد ترامب. أما العليان، فنهجهم مختلف. وقالت حذام العليان في خطاب عام 2013 أمام رابطة المصرفيين العرب في أميركا الشمالية: “نحن عادة لا نسعى إلى الأضواء.. ونتجنب المظاهر الباذخة، ونميل إلى التقشف”.
ومع ذلك، لم تخلُ المسيرة من أخطاء استثمارية. فقد كانت المجموعة من المستثمرين الكبار في كريدي سويس، وتمسكت بالبنك رغم تدهوره، لتتكبد خسائر كبيرة عقب استحواذ بنك UBS عليه. وبرغم ضخامة الخسائر، تعاملت المجموعة معها بوصفها أمرًا عاديًا نسبيًا، بحسب أحد التنفيذيين الدوليين، واستمرت العمليات المالية دون اضطراب. وفي حين استقال رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السعودي، أكبر مساهم في كريدي سويس، بعد الأزمة، واصلت مجموعة العليان تعزيز حضورها.
شبكة علاقات واستثمارات عابرة للقارات
يرتبط نفوذ المجموعة بعلاقاتها الوثيقة في وول ستريت وداخل المملكة، لا سيما مع تصاعد الضغوط على الشركات الأجنبية للاستثمار محليًا والمساهمة في تنويع الاقتصاد. وتتمتع لبنى بعلاقات وثيقة مع مؤسس بلاك روك لاري فينك، وتم تعيينها مؤخرًا رئيسة مشاركة لمجلس الأعمال الأميركي-السعودي إلى جانب جين فريزر. كما تشغل حذام مقعدًا في مجلس إدارة بروكفيلد، أحد أكبر مستثمري الأسهم الخاصة في الشرق الأوسط.
وخلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار هذا العام، المعروف بـ”دافوس الصحراء”، استضافت لبنى حفلًا في الرياض جمع كبار التنفيذيين الماليين والمسؤولين، وفقًا لأحد الحاضرين. ولا تقتصر استثمارات العائلة على القطاع المالي، إذ بلغت قيمة استثماراتها في الأسهم الأميركية 12.7 مليار دولار، تشمل حصصًا في مايكروسوفت وألفابت وأمازون.
وبالمقارنة، لا تتجاوز استثمارات صندوق الثروة السيادي السعودي في الأسهم الأميركية 19 مليار دولار. وتُقدّر محفظة الأسهم الخاصة للمجموعة بعشرات المليارات من الدولارات، فيما تمتد استثماراتها العقارية على أكثر من 40 مليون قدم مربعة، وتشمل نحو 40 ألف شقة قيد الإدارة. وعلى الصعيد المحلي، دعمت العائلة أبرز المشاريع الوطنية، بما في ذلك الاكتتاب العام لشركة أرامكو عام 2019 عندما واجه صعوبات في جذب المستثمرين الأجانب.
توازن في المواقف العلنية
في الوقت نفسه، حافظت لبنى على توازن دقيق في مواقفها العلنية. ففي عام 2018، وبعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، افتتحت إحدى الجلسات في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بتقديم التعازي، معتبرة أن الجريمة تتعارض مع القيم السعودية. وقالت حينها: “نحن ممتنون لأن الأفعال المروّعة التي جرى الإبلاغ عنها في الأسابيع الأخيرة غريبة عن ثقافتنا وعن هويتنا”. وتشغل لبنى حاليًا منصب رئيسة مجلس الإدارة المؤسسي للمجموعة، فيما ترأس حذام مجلس المساهمين. وتُدار العمليات اليومية من قبل الإدارة التنفيذية، في حين تواصل الشقيقتان قيادة التوجه الاستراتيجي العام.