مصر

بعد 30 سنة عشرة.. تقتل زوجها المسن بحجر وهو نائم بمصر

بينما يصل البعض عتبة الستين من العمر قد يؤهل نفسه للعيش في هدوء وسكينة، البعض تلاحقه الأمراض وتعبث بجسده فيضعف شيئًا فشيئًا حتى تداهمه الكهولة، بيد أن «رضا»، تلك السيدة التي جاوزت ذاك العمر ببضعة أشهر، نحت كل صفات سنها جانبًا بعدما فاض بها الكيل من زوجها وأفاعيله التي جعلت صورته في مخيلتها مبعثًا على الألم والعذاب، فما كان منها إلا أن انتظرته ينام وأنهت حياته بطريقة لم يعهد أحدًا رؤيتها أو يسمع بها من قبلْ، وحين انتهت من جريمتها بدت كما لو كانت قد ندمت وراحت تبكي في صورة تحمل الحزن والخداع معًا، وإلى التفاصيل..
بهيئته ذات الطابع البلدي، وجلبابه ولفافة رأسه، اعتاد الناس رؤية العم «فرج»، رجلًا شديدًا أشبه بفتوات السينما في هيئته رغم تخطي سنواته ستة عقودٍ من الزمان، وهناك، في منزله البسيط على أطراف العزبة المعروفة بـ «5 عرجة» وسط قرية «7 بحر البقر» تمكث زوجته ورفيقة سنوات كفاحه وشبابه، لكنها على النقيض منه؛ سيدة يأكلها القلق وتلعب بها الأمراض، وبين بداية حياتهم الزوجية والوقت الراهن سنوات تخطت الثلاثين عامًا، نتج عنها ولد وبنت كانا ثمرتهما في الحياة، لكنهما تزوجا ومكثا بعيدًا عن منزل الأسرة.
سنوات الحياة بين «فرج» و«رضا» كانت بطيئة بعد ابتعاد الأبناء عنهما؛ يستيقظان مبكرًا ويذهب الرجل لرعاية شؤونه، بينما تظل سيدة البيت وحدها تئن بين الوقت والآخر من أمراض الشيخوخة التي ضربت جيدها منذ وقتٍ ليس بالقريب، وبين هذا وذاك ترجو أن تلقى معاملةً طيبة من زوجها، بيد أنه لا يراها إلا ويضربها أو يسبها ويسب أيامها، ولا تقل ردة فعلة حدة حين يتعلق الأمر بالحديث عن أمراضها والعلاج.

ضاقت الزوجة بأفاعيل زوجها، وهي الريفية التي لم تغيرها السنوات كانت لا تطلب أكثر من معاملةً طيبة، إلا أن لحظات غضب الزوج واعتياده التعدي عليها كانت كأنما رسخت في وجدانها كراهيته الجديدة عليها، وحينها كانت تلك الكراهية بمثابة جواز حضور الشيطان وطغيان وسوسته لها، فأخذت تنتظر بلهفة وقت الانتقام، وتخطط في ذهنها كيف ترد كل ما لاقته مرةً واحدة، وقبيل انتهاء ساعات ظهيرة عطلة الأسبوع الثاني من الشهر الجاري كانت القشة التي قسمت كل ما للزوج من مكانة وذكريات طيبة لديها، حين ضربها ووجه لها سبابًا لم يكن جديدًا على سمعها، لكنه كان الذي قررت أن يكون سبابه الأخير لها، قبل أن يدلف إلى سرير غرفة النوم ليأخذ قيلولته اليومية.

شبهة جنائية

في الباحة الخلفية للمنزل البسيط، وبين أكوامٍ من القش وبعض المخلفات، التقطت يداها حجرًا كبيرًا، وسارت على أطراف أصابعها تقصد طريق عودتها إلى حيث يرقد الزوج، وبهدوء لم يعرف سبيله إليها من قبل راحت تغلق باب الغرفة بكتفها كأنما تريد أن تخلو برفيقها لتذيقه ما أذاقها وترك سواده في نفسها، واقتربت بروية إلى سرير الغرفة ورفعت يدها عاليًا بحجرها، ثم هوت على رأسه كأنما تنفذ حكم الإعدام بحق كل ما لاقته ونغص عليها حياتها معه.

صبغ الدم حجرها وتلطخ وجه ضحيتها بدمائه، لكنه بدا وكأنما استيقظ ليفارق الحياة بفعل الضربة ومثيلتها التي كررتها الزوجة أمامه كأنما تخبره أنها مصرة على قتله في نومه ويقظته، وحين خفتت حركته وتوقفت أنفاسه، راحت «رضا» تستكمل جريمتها التي قررتها؛ إذ أتت ببعض الوقود الذي كان في البيت وقتذاك، وسكبته على الجثة وأغرقت به السرير، ثم أضرمت النيران وتركته يحترق وهي تغلق باب البيت.

بضع خطوات سارتها «رضا» حتى بلغت ناصية بيت الجيران، وهناك أخذت تتصرف بلهفة وهي ترتجف وتصرخ على الجميع؛ زاعمةً أن أغرابًا مجهولين قد قتلوا زوجها وأضرموا فيه النيران، ليهرع الأهالي لنجدتها، وبين جموع الجيران تم احتواء النيران التي كانت قد بدأت للتو تشتعل في جثة الزوج، بيد أن آثارًا للدماء المتجلطة وسط ما تبقى من رماد احتراق السرير كانت شاهدة لتؤكد على أن في الأمر شبهةً جنائية.

الأمر لم يكن ليقنع أهل البحث الجنائي ورجاله وهم يستمعون لحديث الزوجة وغيرها من الجيران وأهل المنطقة، وكما يبدأ الحديث والاستجوابات ينتهي دومًا إلى أن في الأمر شك، وربما كانت النصيحة الدائمة في علم الجريمة «فتش عن المرأة» بمثابة هدف ضباط المباحث لكشف غموض وملابسات الجريمة.

انتهى ممثل الطب الشرعي وطبيبه من إجراء الصفة التشريحية على الجثمان هناك وسط المشرحة المركزية في مدينة الحسينية، وخرج الجثمان ليوارى الثرى مصحوبًا بتصريح الدفن الذي تسلمه أحد أهلية القتيل، فيما كان اللغز لا يزال حاضرًا في ذهن رجال التحقيق، قبل أن تلمع فكرة إعادة تفتيش بيت المجني عليه من جديد لربما يكون هناك الحل.

وسط أماكن بدت خالية من الحياة، وقُرب غرفة النوم التي كانت مسرحًا للغز وجريمته، فوجيء أحد المحققين بجلبابٍ للزوجة لا يزال محتفظًا ببضع قطراتٍ من الدماء، وحين رفعه أمام عينيه زادت رقعة الدماء المتجمدة عليه، بما لا يدع مجالًا للشك في أن صاحبته لها يد فيما حدث.

أمام جهات التحقيق، وما أن طالعت الزوجة جلبابها حتى عدلت عن ثباتها الدائم في الاستجوابات السابقة، وأخذت في الانهيار وهي تعترف وتقر بجريمتها، قبل أن تشير إلى أن السبب فيما حدث كان معاملة زوجها القتيل لها بقسوة وتعمده ضربها وإهانتها، وسط تأكيد على أنه لم يكد ينفق عليها وعلى علاجها كأنما نبذها تبعًا لقسوته، فما كان منها إلا أن تيقنت من نومه وهشمت رأسه ثم أضرمت النيران في سرير الغرفة ووسادته لإخفاء جريمته حتى تزعم أن مجهولين هم من قتلوه وحرقوه.

بلاغ الجريمة

البداية كانت بتلقي الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الشرقية، إخطارًا يفيد بورود بلاغ بالعثور على جثة المدعو «فرج محمد السيد» 63 عامًا، محل إقامته إحدى العزب التابعة لقرية 7 بحر البقر في نطاق ودائرة مركز شرطة الحسينية، جثة هامدة ومضرم فيه النيران داخل مسكنه وسط عزبة «5 عربة» على أطراف البلدة.

تبين من المعاينة الأولية وجود شبهة جنائية، فيما تحرر عن ذلك المحضر رقم 4064 جنح مركز شرطة الحسينية لسنة 2025، وبالعرض على النيابة العامة أمرت بنقل الجثمان إلى مشرحة مستشفى الحسينية المركزي وانتداب أحد الأطباء الشرعيين لإجراء الصفة التشريحية على الجثمان لبيان سبب الوفاة وكيفية حدوثها، وصرحت بالدفن عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة، وطلبت تحريات المباحث حول ملابسات الواقعة وتحديد هوية المتهم وضبطه وتقديمه للتحقيق.

توصلت تحريات رجال مباحث مركز شرطة الحسينية إلى أن وراء ارتكاب الواقعة زوجة المجني عليه، وتدعى «رضا ع ع» تبلغ من العمر 60 عامًا؛ حيث تبين أنها قد أقدمت على جريمتها وقتلت زوجها وأشعلت النيران فيه أثناء نومه، وذلك إثر خلافات أسرية بينهما وتعمده معاملتها بقسوة وإهانتها وعدم إنفاقه عليها وعلى علاجها.

جرى ضبط الزوجة المتهمة، وبالعرض على النيابة العامة أقرت بارتكاب جريمتها على النحو المبين تفصيلًا في التحقيقات، قبل أن توجه لها النيابة العامة تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإضرام النيران في جثمان المجني عليه لمحاولة تضليل جهود التحقيق وإخفاء معالم جريمتها، وأمرت بحبسها على ذمة التحقيقات مع مراعاة التجديد لها في المدد القانونية حتى إحالتها إلى المحاكمة الجنائية أمام الهيئة المختصة في محكمة جنايات الزقازيق.

انتقام الحليم

يرى الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية؛ أن جريمة السيدة «رضا» وقتلها زوجها ومحاولة إخفاء جريمتها بتلك الطريقة بمثابة «انتقام الحليم»، مشيرًا إلى أن الضغط يولد الانفجار، وأن المتهمة كانت بكامل قواها العقلية والعصبية لكنها وصلت إلى مرحلة فاض بها معها الكيل، فكان السكون ثم الانفجار الكامل.

وأوضح فرويز، خلال حديثه لـ «أخبار الحوادث»؛ أن المتهمة خططت للجريمة الكاملة والانتقام من شخص -زوجها- تعرضت معه للإهانة والذل والضرب، ولم ينفق عليها، حيث كانت كما يُقال في الريق «بتمشي الحال علشان الولاد»، وصبرت حتى فاض بها الكيل، فخططت لجريمتها عن طريق مطالعة أحد الأعمال، سواء من فيلم أو عمل درامي رأت فيه تلك المشاهد المشابهة لجريمتها، لكن الأكيد أن تنفيذ جريمتها بتلك الكيفية لم يكن فكرتها، ومؤكد أنها قد شاهدتها وقررت تكرارها، لكنها أغفلت حرق جلبابها فتم اكتشاف جريمتها.

وأشار أستاذ الطب النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية؛ إلى أن بعض السيدات قد تستسلم وتنتظر قدرها أو تهمل في حالتها الصحية رغبةً في الخلاص، حال صعوبة الحياة مع زوجها، وهن في هذه الحالة لا يستطعن أخذ القرار العكسي، خاصةً في المجتمع الريفي الذي قد يحتوي على بعض نماذج الرجال التي تتلذذ بإخضاع السيدات وإهانتهن وتعذيبهن، وربما كان الرجل في هذه الحالة بخيل، لكن البخل هنا ليس بخلًا ماديًا، وإنما هو بخل المشاعر.

وتطرق استشاري الطب النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية، للحديث عن سيكولوجية كبار السن، مؤكدًا على أن المشكلات والأمراض التي تواجههم في هذه المرحلة من العمر دائمًا ما تشير إلى زيادة العصبية وعدم القدرة على الاحتمال، حتى أن الخلافات بين الزوجين اللذان يبلغان هذه المرحلة العمرية تعد دليلًا لدى كل طرفٍ منهما على وجوده في الحياة، حتى وإن كانت تلك الخلافات بسيطة، لكنها بمثابة التعبير عن الحياة والوجود رغم محبة كل طرفٍ للآخر، وتفرز هذه المرحلة إما زوجة لديها القدرة فيمكنها أن تستقل بعيدًا عن زوجها، سواء باللجوء إلى منزل أهلها أو استئجار وحدة سكنية بعيدًا عن زوجها دون انفصالهما، على أن يلتقيان مرة واحدة كل أسبوع، وهناك من يحكم الانفصال حياتهما الزوجية فينفصلان، وهناك من لا يمكنها أن تفعل هذا أو ذاك كما آل به الحال لـ «رضا» فتحملت إلى حد الإنفجار وخططت لجريمتها وأنهت حياة زوجها شر نهاية.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى